هو شاعر حمص الأشهر ديك الجن الحمصي،. كان غريباً في تصرفاته، فنُسجت حوله الحكايات والقصص. كان شهيراً في بلاد الشام والعراق ومصر، لدرجة أن كثيراً من شعراء عصره، أتوا إليه في مدينته حمص وتعرفوا به، وأعجبوا بشخصيته وبشعره معاً، وكان بينهم أبو النواس وأبو تمام، ودعبل الخزامي، الذي قال عنه: "إنه أشعر الجنّ والأنس".

من يسمع باسمه، يظن أنه شاعر يحفظ كبير الناس وصغيرهم شعره ويرددونه على الدوام، وأن كتبه الباقية عبارة عن مجلدات ضخمة، تناسب شهرته التي طبقت الآفاق. مدينته ارتبطت باسمه، والعكس صحيح طبعاً.

هو شاعر حمص الأشهر ديك الجن الحمصي، أبو محمد عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب بن عبد الله بن رغبان بن يزيد بن تميم الكلبي الحمصي[1].

ولد في حمص، سنة 161 للهجرة. وتقول إحدى الروايات إنه سُمّي بديك الجنّ، لأنه كان يصبغ حاجبيه بالزنجار ويطلي ذقنه بالحناء، فأطلق عليه الناس هذه التسمية، التي التصقت به، وأصبح يعرف بها، على حساب اسمه الأصلي الذي لا يعرفه الكثيرون.

ويقول الدميري نقلاً عن الإمام زكريا القزويني صاحب "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات": "ديك الجن: دويبة توجد في البساتين إذا ألقيت في خمر عتيق حتى تموت وتترك في محارة وتسد رأسها وتدفن وسط الدار، فإنه لا يرى فيها شيء من الأرضة". ويعزو الشيخ محمد السماوي تسميته بهذا اللقب إلى قصيدة قالها في رثاء ديك عمير، وكان هذا قد ذبحه وعمل عليه دعوة. ويقول الزبيدي في تاج العروس: "قال المؤرج: الديك في كلام أهل اليمن الرجل المشفق الرؤوم، ونص المؤرج: الرؤوم، ومنه سمي الديك ديكاً. قال والديك أيضاً: الربيع في كلامهم كأنه لتلون نباته، فيكون على التشبيه بالديك.. وديك الجن لقب عبد السلام بن رغبانا لحمصي الشاعر المشهور"[2].

أما خير الدين الزركلي فيقول: "سمي بديك الجن لأن عينيه كانتا خضراوين".

كان غريباً في تصرفاته، فنُسجت حوله الحكايات والقصص. ومع أنه لم يكن من المتزلفين وهواة البلاط، إلا أنه كان شهيراً في بلاد الشام والعراق ومصر، لدرجة أن كثيراً من شعراء عصره، أتوا إليه في مدينته حمص وتعرفوا به، وأعجبوا بشخصيته وبشعره معاً، وكان بينهم أبو النواس وأبو تمام، ودعبل الخزامي، الذي قال عنه: "إنه أشعر الجنّ والأنس".

زاره أبو نواس في منزله، وأثنى على شعره، وأخبره بأنه فتن أهل العراق بشعره.

وهذا الشاعر المهدور حقه في تاريخ الشعر العربي، كان أستاذاً لأبي تمام، الذي تدرّب على يديه، وأخذ من تجربته الكثير، حتى إنه سار على منوالها. وقد ذكر أن ديك الجنّ توسّم خيراً بأبي تمام، وشاهد فيه شاعراً مستقبلياً كبيراً، بل فحلاً من فحول الشعر العربي. وقد سمع أبو تمام تعليمات أستاذه ديك الجنّ، فعمل على تطوير نفسه حسب ما أراد معلمه. وتذكر مصادر "وفيات الأعيان" على سبيل المثال، أن البحتري كذلك جاء إلى ديك الجن، وتتلمذ على يديه.

ويقال عن لقائه بأبي نواس ما يلي: "ولما اجتاز أبو نواس بحمص قاصداً مصر لامتداح الخصيب، سمع ديك الجن بوصوله، فاستخفى منه خوفاً من أن يظهر لأبي نواس أنه قاصر بالنسبة إليه، فقصده أبو نواس في داره، وهو بها، فطرق الباب واستأذن عليه، فقالت الجارية ليس هو هنا، فعرف مقصده، فقال لها: قولي له اخرج فقد فتنت أهل العراق بقولك: "موردة من كف ظبي كأنما/ تناولها من خده فأدارها". فلما سمع ديك الجن ذلك، خرج إليه، واجتمع به، وأضافه"[3].

وحدث عبد الله بن محمد بن عبد الملك الزبيدي، قال: كنت جالساً عند ديك الجن، فدخل عليه حدث، فأنشده شعراً من عمله، فأخرج ديك الجن من تحت مصلاه درجاً كبيراً فيه كثير من شعره، فسلمه إليه وقال: يا فتى تكسب بهذا واستعن به على قولك، فلما خرج سألته عنه فقال: "هذا فتى من أهل جاسم يذكر أنه من طي، يكنى أبا تمام واسمه حبيب بن أوس، وفيه أدب وذكاء وله قريحة وطبع". وقال الزبيدي: وقد عمّر ديك الجن إلى أن مات أبو تمام ورثاه[4].

قتل ديك الجنّ زوجته وصديقه، بعد أن وجده عندها. وغرق في الحزن بعد أن عرف أنها مكيدة خطط لها أحد معارفه، وأن زوجته كانت تحبه ولا يمكن أن تخونه. وأمضى حياته الباقية منعزلاً وكئيباً. وتوفي عام 236 للهجرة وهو يرثي نفسه وزوجته وصديقه.

بينما روى العاملي في الكشكول: "وكان له جارية وغلام قد بلغا في الحسن أعلى الدرجات، وكان مشغوفاً بحبهما غاية الشغف، فوجدهما في بعض الأيام مختلطين تحت إزار واحد فقتلهما، وأحرق جسديهما، وأخذ رمادهما وخلط به شيئاً من التراب وصنع منه كوزين للخمر، وكان يحضرهما في مجلس شرابه ويضع أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، فتارة يقبّل الكوز المتخذ من رماد الجارية وينشد: يا طلعة طلع الحمام عليها/ وجنى لها ثمر الردى بيديها.. وتارة يقبّل الكوز المتخذ من رماد الفتى وينشد: أشفقت أن يرد الزمان بغدره/ أو أبتلى بعد الوصال بهجره"[5].

ويبقى ديك الجنّ أشهر شعراء حمص، وأشعرهم وأكثرهم غموضاً وغرابة وسحراً، رغم أن ما بقي من شعره يزيد عن الأربعمائة بيت بقليل، إذ إن شعره الباقي لم يبقَ له أثر.

روى الأصفهاني إن ديك الجن شاعر مجيد يذهب مذهب أبي تمام والشاميين في شعره. وقال ابن رشيق في العمدة: وأبو تمام من المعدودين في إجادة الرثاء ومثله عبد السلام بن رغبان ديك الجن، وهو أشهر في هذا من حبيب، وله فيه طريق انفرد بها[6].