دراسة حول أثر مخرجات البحث العلمي على معدل النمو الاقتصادي في سورية. وترى الدراسة أن الكمّ لم يكن يساهم في معدل النمو الاقتصادي، وإنما النوع هو الذي لعب الدور الأكبر، أي أن عدد الاقتباسات التي تغيّر نوعية البحث العلمي، هو الذي كان له الأثر الأكبر بين المتغيرات الاقتصادية الأخرى،  بما فيها معدل التضخم وتطور النظام المصرفي وتطور النظام المالي، وحتى مستوى المتغيرات المؤسساتي ودور القانون وغيرها.

تتوجه الأنظار اليوم نحو مزيد من التطور المستند إلى البحث العلمي، باعتباره من أهم أسس التقدم في المجتمعات ورقيها، وعاملاً هاماً في مرحلة إعادة الإعمار وتطوير الإنتاج، لارتباطه المباشر بسوق العمل والتنمية. وقد حرص العاملون في هذا الشأن على إيلاء هذا الموضوع أهمية قصوى من جميع النواحي، ومن أبرزها إقامة سلسلة ورشات عمل لإطلاق قواعد البيانات البحثية الوطنية في الجامعات السورية، والتي كان أولها في الثالث والعشرين من شهر كانون الأول من عام 2019 عبر المنصة الإلكترونية "نسر"،  في حين انطلقت السلسلة الثانية بتاريخ 20/5/2021 بهدف إحداث نقلة نوعية في رقمنة البيانات الأكاديمية وإتاحتها بشكل سريع للباحثين على مختلف مستوياتهم.

وحول موضوع البحث العلمي بين الكم والنوع، أكد الدكتور شادي العظمة، مدير البحث العلمي في وزارة التعليم العالي، على أهمية النشر في قاعدة البيانات العالمية التي تعتمدها أهم جامعات العالم كمؤشرات للبحث العلمي في بلدانها. وكان قد قدم دراسة حول أثر مخرجات البحث العلمي على معدل النمو الاقتصادي في سورية. ما أهمية هذه الدراسة، وكيف انطلقت الفكرة، وكيف يمكن الاستفادة منها في التطبيق العملي؟

بين العظمة أن الدراسة كانت مبادرة شخصية، باعتباره يشغل منصب مدير البحث العلمي، ومن مهامه العمل على تطوير ذلك على مستوى المؤسسات التعليمية. ولكونه حاصلاً على دكتوراه في الاقتصاد باختصاص التنمية والنمو الاقتصادي، فقد كانت فكرته القيام بدراسة تهدف إلى الربط بين اختصاصه كباحث وبين طبيعة عمله كشخص متابع لشؤون البحث العلمي في الجامعات السورية. وانطلقت الدراسة بالاستناد إلى الأدبيات التي عالجت هذا الموضوع سابقاً، والتي ربطت بين البحث العلمي والنمو الاقتصادي، واستندت كذلك إلى قائمة من التساؤلات؛ حيث أجريت الدراسة على  مجموعة دول متقدمة وعلى مستوى الدولة الواحدة، وربطت المتغيرات التي هي البحث العلمي والنمو الاقتصادي، ورافق ذلك الاطلاع على دراسات على مستوى القطاعات، مثل أثر البحث العلمي في قطاع الزراعة وانعكاسه على معدل النمو.

ومن جهة أخرى، لفت مدير البحث العلمي في التعليم العالي إلى أنه لم يكن هناك دراسات مشابهة في الدول النامية حول أثر البحث العلمي في النمو الاقتصادي، وهو السبب في توجه فكرة الدراسة على الدول النامية، وكانت العينة هي دول الشرق الأوسط. بينما المتغير الذي تتم دراسته وقياسه هو البحث العلمي في المجال الاقتصادي. وبالتالي فإن أغلب الدراسات اعتمدت على عدد النشرات العلمية المحكمة المدرجة ضمن قواعد البيانات العالمي، وبشكل رئيسي قاعدة بيانات سكوبس، وأخذت عدد النشرات من حيث الكم والنوع وعدد الاقتباسات، وتم تطبيق الدراسة على حساب كم المستوى العلمي على مستوى الدول في العينة مع عدد الاقتباسات التي تبين جودة هذه الأبحاث في هذه الدول؛ الأمر الذي يعبّر عن نوعية البحث العلمي وأثره في النمو الاقتصادي، وذلك ضمن الفترة الزمنية ما بين 2000 و2017 ضمن أحدث النماذج الرياضية لربط المتغيرات، مع الأخذ بعين الاعتبار كل المتغيرات الاقتصادية التي تؤثر في النمو الاقتصادي.

وبيّن العظمة أن إجراء الدراسة لم يتمّ فقط بالمعنى العام، وإنما تمّ على مستوى كل فرع من فروع العلوم الموجودة ضمن قاعدة البيانات. أي أنه تمّ تطبيق الأنموذج الرياضي بالمجمل الذي هو عدد النشرات في كل الاختصاصات، ثم تم تطبيق أنموذج خاص في كل اختصاص، لبيان أثر البحث العلمي كماً ونوعاً في النمو الاقتصادي في هذا الاختصاص تحديداً.

وخلصت الدراسة إلى أن الكمّ لم يكن يساهم في معدل النمو الاقتصادي، وإنما النوع هو الذي لعب الدور الأكبر، أي أن عدد الاقتباسات التي تغيّر نوعية البحث العلمي في هذه الدول، هو الذي كان له الأثر الأكبر بين المتغيرات الاقتصادية الأخرى،  بما فيها معدل التضخم وتطور النظام المصرفي وتطور النظام المالي، وحتى مستوى المتغيرات المؤسساتي ودور القانون وغيرها.

وقد تمّ تفسير النتائج على أن الكم مطلوب، ولكن في المرحلة الأولى قد يكون له أثر سالب، لأنه قد يؤدي إلى وضع نفقات كبيرة في موضوع تطوير البحث العلمي. وفي المرحلة الأولى يكون التركيز على الكمّ فيكون الأثر على المدى القصير والمتوسط مهملاً، ولكن الأثر النوعي يعتبر هاماً جداً، وعليه فإن أهم المتغيرات هو نوع الأبحاث.

أما فيما يتعلق بالاختصاصات، فإن أكثر الاختصاصات في العينة والتي كان لها دور إيجابي، هي العلوم الأساسية: علم النفس والرياضيات والفيزياء والكيمياء العضوية والرياضيات والمعلوماتية والهندسات.

وجاءت توصيات الدراسة، بحسب مدير البحث العلمي، على ضرورة تقديم الدعم المجزي للباحثين النوعيين لما لهم من دور كبير في تحسين نوعية البحث العلمي وإمكانية التأثير من خلال العدوى في الباحثين الآخرين، والدور الأساسي الذي يلعبه في تحسن الاقتصاد، كونه يقدم أفكاراً لتطبيقها على أرض الواقع وتحسين الإنتاج.

لقد تمت محاولة تطبيق الأنموذج على سورية. ورغم ضعف البيانات في الأنموذج الرياضي، إلا أن هناك مؤشرات واضحة هامة في بعض العلوم. فعلى سبيل المثال: في علم المعلوماتية، قدمت المؤشرات أن هذا العلم ساهم في رفع معدل النمو الاقتصادي في العشرين سنة الأخيرة، وكذلك بيّنت المؤشرات أن اختصاص الطب والصيدلة كان لهما دور إيجابي في الكمّ والنوع، وكذلك اختصاص الهندسة.

وبيّن العظمة أن الدراسات مطلوبة، ويجب على طلاب الدراسات العليا التركيز على كافة الأبحاث التي تخرج من الجامعات، والنظر في عدد براءات الاختراع وأثرها في النمو الاقتصادي في سورية. ويمكن أخذ عدد الكتب وعدد النشرات وعدد المؤتمرات المعقودة وعدد الاتفاقيات المبرمة مع القطاع الخاص، لأنها مجالات ومساحات لطلاب الدراسات العليا للبحث، وأخذ هذه المخرجات في الجامعات على المستوى المعرفي، وربطها مع التطور في أحد القطاعات؛ فهي بوابة هامة لدراسات مستقبلية، كونها توصل رسالة لأصحاب القرار عن تركيز الموارد وكيفية الاستفادة منها. وكانت أكثر الاختصاصات تميزاً في مجال النشر الخارجي، هي: الطب والزراعة والعلوم البيولوجية والهندسة والصيدلة.

وختم الدكتور العظمة دراسته بعدد من المقترحات والتوصيات، لتشجيع النشر الخارجي ضمن قاعدة سكوبس لكل الاختصاصات النظرية والتطبيقية، والتركيز على البحث العلمي والنشر الخارجي عالي الجودة، لرفع تصنيف الجامعات وتكريم وتشجيع الطلبة عبر مكافأة مادية لكل نشرة ضمن نسبة 10 بالمئة.