أبحاث تم عرضها على الهيئة العليا للبحث العلمي، منها ما هو مقدم من باحثين سوريين مغتربين، ومنها يعود لباحثين من داخل الوطن. وتمتاز هذه الأبحاث بالحداثة ولها جانب تطبيقي.

تحتاج سورية اليوم لكل الجهود والطاقات الوطنية لعملية إعادة الإعمار ودفع العجلة الاقتصادية نحو الأمام، في ظل ما تفرضه الدول المعادية من عقوبات اقتصادية قسرية أحادية الجانب على الشعب السوري، الأمر الذي يتطلب تشبيك الطاقات العلمية الاغترابية مع الطاقات العلمية الوطنية، والانطلاق بأبحاث تعزز مجال المعرفة الاقتصادية.

في هذا السياق وضمن ما يسمى غيض من فيض، أشارت الدكتورة لمى يوسف أستاذة الصيدلة السريرية والمناعة في جامعة دمشق وباحثة في هيئة التقانة الحيوية، إلى عدة أبحاث تم عرضها مؤخراً على الهيئة العليا للبحث العلمي، منها ما هو مقدم من باحثين سوريين مغتربين ومنها يعود لباحثين من داخل الوطن، لافتة إلى أن هذه الأبحاث تمتاز بالحداثة ولها جانب تطبيقي، وهذا أمر مهم لأننا نحن لا نمتلك رفاهية القيام ببحث غير تطبيقي. وأشارت إلى بحث خاص للدكتور السوري يوسف الصفدي الذي يعيش في أمريكا، حيث يتناول البحث مرضاً شائعاً جداً لدى المسنين في كل المجتمعات التي فيها نسب عالية من المتقدمين في العمر وهو تنكس المفاصل، والذي يمكن أن يصيب مختلف الأعمار، ولكن عند إجهاد هذه المفاصل مثل الرياضيين. ومن المتعارف عليه علمياً وطبياً أن هذا المرض ليس فيه شفاء كامل، ولكن هناك علاجات تسكينية أو ملطفة، حيث يتم استخدام المسكنات الشائعة مثل الباراسيتمول والبروفين، وآخر الطب الكي وهو استبدال المفصل. وقد أكد على تأثير ذلك على صحة المجتمع والآثار المادية الكبيرة الناتجة عن انتشار هذا المرض، وعليه فقد تركز عمل الباحث على المستوى الجزيئي لتفسير لماذا يحدث هذا المرض ولماذا يصبح هناك تراجع في الوظائف الغضروفية، وفيما يكون هناك براءات اختراع وأدوية بيولوجية تستهدف العناصر التي يُعتقد أنها تنظم وتخضع لعملية خارج عملية التنظيم.

د نضال حسن

وفي بحث تطبيقي للدكتور عبد القادر، وهو خبير بنوع من أنواع المضادات التي لها علاقة بالجهاز المناعي والبروتينات، حيث عمل الباحث على استخلاصها بعد أن حقن العامل الممرض أو البروتين المستضد ووجد جميع الأضداد التي تشكلت، مستخدماً النانو للكشف عن هرمون النمو الذي يفترض أن يفرزه الجسم بشكل طبيعي، وهو المسؤول عن النمو، إلا أنه في حالات التقزم هناك أعداد كبيرة من الأطفال المصابين نتيجة نقص بإفراز هرمون النمو أو أن المستقبل له غير صحيح. وقد تناول الباحث  عينه من 2000 طفل في سورية لديهم مشكلة لها علاقة بهرمون النمو، وكشف عن طريقة حديثة ولها تطبيقات ستكون بديلاً طبياً عن الأدوية، وتحل محل العلاجات الأجنبية التي يتم استيرادها  بالعملة الصعبة بأسعار مرتفعة.

وبيّن الدكتور قادر أنهم يعملون حالياً على تطوير أدوية تستهدف بصورة نوعية البروتينات التي يكتشفها ضمن براءات الاختراع السرية.

يختص بحث الباحث علي كامل حسن، دراسات عليا من جامعة تشرين اختصاص كيمياء تحليلية، بتحديد عناصر أتربة نادرة وبشكل خاص لتصنيع خلية اكترينك أيون ودراسته بأدوات مخبرية ضمن البلد؛ بحيث يتم تصنيع خلية يمكن من خلالها تتبع أثر هذه العناصر في عينات محددة، حيث شمل محور البحث تحديد عينات الهدف فيها موجود في الفوسفات السوري وعينات الفوسفو جبسو، وأعطت نتائج إيجابية، وعليه يمكن اليوم اعتمادها كطريقة تحليلية واقعية تخدم في مجال المخابر والحقول والكيمياء التحليلية.

تحدث الدكتور نضال حسن من جامعة المنارة باللاذقية، إلى "البوابة المعرفية" عن محور بحثي يتعلق بالبيئة تحت عنوان "تأثير الغذاء الصنعي على النمو لدى أفراد المحار اللؤلؤي لتكون بديلا عن الغذاء الطحلبي"، وهي تجربة تعتمد على استخدم ثلاثة مساحيق من الحبوب هي الذرة الصفراء وفول الصويا ونخالة القمح. وتم تجهيز أحواض خاصة لإجراء التجارب، ووضع في كل منها 10 أفراد من محار اللؤلؤ، وتم تطبيق التجربة لمدة شهر واحد، ثم كررت التجربة مرتين، وكنتيجة بسيطة تبين أن الذرة الصفراء هي الأفضل في الغذاء حيث أعطت زيادة في وزن المحار، وذلك لأن هذا الكائن يتغذى على الترشيح من خلال استخلاص الجزئيات الناعمة.

من وجهة نظر الباحث يقدم هذا البحث قيمة غذائية وقيمة مادية واقتصادية وتجارية، وانطلاقة جديدة للاهتمام البحثي حول تربية الأحياء المائية بالاتجاه نحو الكائنات الأخرى، وليس التركيز على الأسماك فقط كما هو معتاد مثل القشريات والرخويات. كما أن هذه التربية منتشرة في كافة دول العالم، والجميع يركز على استخدام الطحالب كغذاء، بينما تم التركيز في هذا البحث على استخدام الطحين وهي مادة رخيصة مقابل الطحالب، وبالتالي أقل كلفة وسهولة في الحصول عليها كغذاء.

وبيّن الباحثون أن هذه الأبحاث ليست سريعة، وهي تحتاج إلى وقت لتنفيذها، ولكنها الأقرب  للاستفادة منها على أرض الواقع وبشكل فعلي وناجح، وتلامس مشكلات ملحة قد لا تكون ملحوظة ضمن الخطط والبرامج الاقتصادية.

وأشار البعض إلى مشكلة تأمين المواد الأولية التي يحتاجونها للقيام بأبحاثهم العلمية ونقص المستلزمات في المخابر، التي تعاني حتى اليوم من نقص في المواد الكيمائية حتى في تأمين الماء المقطر في بعض الأحيان. الأمر الذي يتسبب في ضياع الكثير من الوقت في مراحل البحث التي يجب أن استثمارها بالطاقات العلمية.

أخذت هذه اللقاءات على هامش مؤتمر الباحثين السوريين المغتربين الذي استمر على مدى ثلاثة أيام في مكتبة الأسد بدمشق، ونظمته الهيئة العليا للبحث العلمي تحت عنوان "نحو اقتصاد المعرفة" بتاريخ 28/7/2021 .