هي إحدى أشهر الملكات في التاريخ. ولدت في حمص، وتزوجت إمبراطور روما سيفيروس سبتيموس، وأنجبت منه ولدين، تسلما زمام الإمبراطورية.

كانت "جوليا دومنا" هي الزوجة الثانية للإمبراطور "سبتيموس سيفيروس" الذي كان قد تزوج في عام 193م من "باكيا ماركيانا"، لكنه عندما ذهب إلى سورية عام 197م قائداً لإحدى الفرق العسكرية، وافتتن للغاية بجوليا دومنا فتزوجها[1].

وقد أطلق عليها لقب دومنا، وهو يعني "السيدة فائقة الجلال"، وذلك لما حملته من فكر منير وحكمة وسعة اطلاع.

ولدت جوليا دومنا في حمص عام 166 للميلاد، وكان والدها جوليوس باسيان رئيس كهنة المدينة. سعى والدها إلى تثقيفها وتعليمها شتى أنواع الفنون، وذاع صيتها كفتاة مثقفة وذكية.

تعرف قائد قوات الشرق إلى والدها، وطلب يدها للزواج، فما كان من الأب إلا أن استشار ابنته، فوافقت على الفور، وكانت ما تزال في العشرين من عمرها.

ويقال إن سبتيموس سيفيروس قد تزوج جوليا دومنا السورية الحمصية، مدفوعاً إلى ذلك بعدة أسباب، منها مكانة أسرتها الدينية وثقافتها العالية، هذا بالإضافة إلى تطابق تنبؤاته ورؤياه مع تنبؤات جوليا دومنا ورؤياها، حيث فسر له كهنة معبد أفاميا بأنه سيقترن بأميرة سورية، ستجلب له السعادة. أما جوليا دومنا فقد فسرت تنبؤاتها على أنها ستتزوج من رجل سيغدو ملكاً في المستقبل[2][3].

ذهبت جوليا مع زوجها القائد سبتيموس إلى بيروت، لتعيش في قصره، وهناك التقت بكبار علماء الفلسفة والهندسة. أعجب الجميع بذكائها وبمواهبها.

أصبح سبتيموس إمبراطوراً على روما، وهكذا فقد تحققت النبوءة.

نالت جوليا تقديراً كبيراً في روما، ومنحت ألقاباً كثيرة، منها: المقدسة المباركة، أم القياصرة، وأم المعسكرات، وأم الوطن، وأم مجلس الشيوخ. وأخيراً لقب "دومنا". ووضعت صورتها على العملات.

استقطبت إمبراطورة روما السورية علماء وفلاسفة سورية، وأدخلت عبرهم الأفكار الشرقية إلى روما، كما وضعت الكثيرين في مناصب هامة في الإمبراطورية الرومانية، وأصبحوا ذا نفوذ واسع. حتى إن المجلس الاستشاري الذي أحدثته جوليا لمساعدة الإمبراطور، ضم العلماء والفلاسفة والأدباء من المناطق الشرقية والعربية. وهكذا فقد أصبحت معظم وظائف الدولة وقفاً على السوريين.

حلت الفاجعة بجوليا عندما مات زوجها، وقتل ابنها أنطونيوس "كركلا" أخاه جيتا، وتقطعت أصابع جوليا جراء محاولتها الدفاع عن ابنها.

حاول ابنها غزو الشرق، وانتقل إلى أنطاكية، تاركاً لها أمور الحكم. ولكن كركلا لقي حتفه بسيوف وسكاكين حرسه الإمبراطوري، وقد قاد رئيس حرسه مكريانوس النكوميدي خطة قتله.

أُرسلت دومنا إلى أنطاكية لتعيش في عزلة مع أختها ميسا. حاول قاتل ابنها التودد إليها، وعندما فشل، أرسل جنوده للقبض عليها وإعادتها إلى مسقط رأسها. ورفضت هي ذلك، ما جعلها تضرب عن الطعام، وتبقى حبيسة غرفتها يتآكلها المرض والألم حتى ماتت وهي في الخامسة والأربعين.

وصف معاصرها ديوكاسيوس حياتها كالتالي: "لا يمكن لأحد أن يرى، في ضوء ما كانت عليه جوليا دومنا، أن أي ممن أحرزوا سلطة عظيمة إلا أن يكون سعيداً، شرط أن تكون هذه السعادة حقيقية وكاملة وليست زائفة.. ارتقت هذه المرأة من بين الجموع إلى أعلى المراتب، وعاشت حكم زوجها غير سعيدة بسبب الإشاعات التي أطلقها بلوتيانوس ضدها، وهي التي احتضنت ولدها الأصغر وهو يذبح في حضنها، وهي التي كانت تحمل امتعاضاً دائماً من ولدها الأكبر خلال حياته، والذي في النهاية استحق نفس الجزاء العنيف لاغتيال أخيه، هذه المرأة سقطت من أعلى عليائها فماتت"[4].

نقل جثمانها إلى روما، ووضع في مدفن غايوس ولوكيوس، ثم نقلت عظامها وعظام أختها ميسا وعظام جيتا إلى فناء المقبرة الإمبراطورية.

--

المراجع

[1]مجلة دراسات في آثار الوطن العربي، العدد 11، القاهرة، ص413.

[2]الحياة الثقافية الأدبية في سورية في العصر الروماني من 64 ق.م – 313م، أنس أحمد الشامي، بحث نيل درجة الماجستير في تاريخ الشرق القديم، جامعة دمشق، 2014-2015، ص41-42.

[3]إمبراطوريات سوريات حكمن في روما، جان بابليون، ترجمة يوسف شلب الشام، العربي للطباعة والنشر، دمشق، 1987، ص28.

[4]تاريخ ملكات الشرق، قاسم محمد سويدان، دار كنان للطباعة، دمشق، 2014، ص256-258.