تسعى الحرب المعرفية إلى تغيير ليس فقط ما يفكر فيه الناس، ولكن أيضاً كيفية تصرفهم. وتنطوي الهجمات في المجال المعرفي على تكامل المعلومات السيبرانية والمعلومات المضللة وقدرات الهندسة الاجتماعية.

تعمل الحكومات الغربية في حلف الناتو العسكري، على تطوير تكتيكات "الحرب الإدراكية"، باستخدام التهديدات المزعومة من الصين وروسيا، لتبرير شن "معركة للسيطرة على العقل البشري"، "لاستخدام الجميع كأسلحة في أيديهم".

اختبر الناتو بقيادة الولايات المتحدة أنماطاً جديدة من الحرب الهجينة ضد خصومهم المعلنين، بما في ذلك الحرب الاقتصادية والحرب الإلكترونية وحرب المعلومات والحرب النفسية.

يخوض حلف الناتو الآن نوعاً جديداً تماماً من المعارك، التي وصفها بأنها حرب معرفية. تتضمن الطريقة الجديدة، التي توصف بأنها "تسليح علوم الدماغ"، "اختراق الفرد" من خلال استغلال "نقاط ضعف الدماغ البشري" من أجل تنفيذ "هندسة اجتماعية" أكثر تطوراً.

كان الناتو يقسم الحرب إلى خمسة مجالات مختلفة: الجو، والأرض، والبحر، والفضاء، والإنترنت. ولكن مع تطويره لاستراتيجيات الحرب المعرفية، يناقش التحالف العسكري مستوى جديداً سادساً: "المجال البشري" بهدف جعل الجميع سلاحاً.

وشدد التقرير على أن "الدماغ سيكون ساحة معركة القرن الحادي والعشرين". "البشر هم المجال المتنازع عليه"، و"من المحتمل أن تحدث صراعات مستقبلية بين الناس رقمياً أولاً، ثم فعلياً بعد ذلك بالقرب من مراكز القوة السياسية والاقتصادية".

الحرب الإدراكية

بينما أصرت الدراسة المدعومة من الناتو، على أن الكثير من أبحاثها حول الحرب الإدراكية مصممة لأغراض دفاعية، فقد أقرت أيضاً بأن التحالف يطور تكتيكات هجومية، قائلة: "غالباً ما يكون الإنسان هو نقطة الضعف الرئيسية، ويجب الاعتراف بها لحماية رأس المال البشري لحلف الناتو، ولكن أيضاً ليتمكن من الاستفادة من نقاط ضعف الخصوم".

في كشف مخيف، قال التقرير صراحة إن "الهدف من الحرب المعرفية هو إلحاق الضرر بالمجتمعات وليس بالجيوش فقط".

ومع وجود عدد كبير من السكان المدنيين في مرمى الناتو، أكد التقرير أن الجيوش الغربية يجب أن تعمل عن كثب مع الأوساط الأكاديمية لتسليح العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية ومساعدة الحلف على تطوير قدراته الحربية المعرفية.

ووصفت الدراسة هذه الظاهرة بـ "عسكرة علم الدماغ". ولكن يبدو من الواضح أن تطوير حلف الناتو للحرب الإدراكية، سيؤدي إلى عسكرة جميع جوانب المجتمع البشري وعلم النفس، بدءاً من العلاقات الاجتماعية الأكثر حميمية إلى العقل نفسه.

تنعكس هذه العسكرة الشاملة للمجتمع في لهجة جنون العظمة للتقرير الذي يرعاه الناتو، والذي حذر من "طابور خامس ضمني، حيث يتصرف الجميع، من دون إدراك، وفقاً لخطط أحد المنافسين". وتوضح الدراسة أن هؤلاء "المنافسين" الذين يزعم أنهم يستغلون وعي المعارضين الغربيين، هم الصين وروسيا.

بعبارة أخرى، تُظهر هذه الوثيقة أن الشخصيات في الكارتل العسكري التابع لحلف الناتو، ينظرون بشكل متزايد إلى سكانهم المحليين على أنهم يشكلون تهديداً، ويخشون أن يكون المدنيون خلايا نائمة محتملة تتحدى استقرار "الديمقراطيات الليبرالية الغربية".

ذكرت صحيفة أوتاوا سيتيزن في أيلول الماضي أن قيادة العمليات المشتركة للجيش الكندي استغلت جائحة كوفيد -19 لشن حرب إعلامية ضد سكانها المحليين، واختبرت تكتيكات الدعاية ضد المدنيين الكنديين.

تشير التقارير الداخلية التي يرعاها الناتو، إلى أن هذا الكشف يضرب تقنيات الحرب غير التقليدية الجديدة التي تستخدمها الجيوش الغربية في جميع أنحاء العالم.

كندا وتحدي الابتكار

تستضيف كندا تحدي الابتكار لخريف 2021 لحلف الناتو، ويحمل عنوان "التهديد غير المرئي: أدوات لمواجهة الحرب الإدراكية".

كتبت الحكومة الكندية في بيانها الرسمي حول التحدي: "تسعى الحرب المعرفية إلى تغيير ليس فقط ما يفكر فيه الناس، ولكن أيضاً كيفية تصرفهم". "وتنطوي الهجمات في المجال المعرفي على تكامل المعلومات السيبرانية والمعلومات المضللة وقدرات الهندسة الاجتماعية".

وتابع البيان الصحفي لأوتاوا: "تجعل الحرب الإدراكية العقل ساحة معركة ومجالاً متنازعاً عليه. وهدفها هو زرع التنافر، والتحريض على الروايات المتضاربة، واستقطاب الرأي، وتطرف الجماعات. يمكن أن تحفز الحرب المعرفية الناس على التصرف بطرق يمكن أن تعطل أو تفكك مجتمعاً متماسكاً بطريقة أخرى".

طرق لإيذاء الدماغ

في عام 2020، كلف دو كلوزل، وهو أحد قادة الناتو الكبار، بإجراء دراسة لمدة ستة أشهر حول الحرب المعرفية. لخص دو كلوزل بحثه في اللجنة في شهر تشرين الأول. وبدأ ملاحظاته مشيراً إلى أن الحرب المعرفية "في الوقت الحالي هي واحدة من أهم الموضوعات بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي"، و"أصبحت مصطلحاً متكرراً في المصطلحات العسكرية في السنوات الأخيرة".

قال دو كلوزيل: "الحرب المعرفية هي مفهوم جديد يبدأ في مجال المعلومات، وهو نوع من الحرب الهجينة". "يبدأ الأمر من شبكة الإنترنت في هاتفك المحمول؛ حيث تتدفق المعلومات، والتي هي وقود الحرب الإدراكية. لكنها تتجاوز كونها مجرد معلومات فقط، فهي حرب قائمة بذاتها".

أوضح دو كلوزل أن الحرب المعرفية تتداخل مع شركات التكنولوجيا الكبيرة والمراقبة الجماعية، لأن "الأمر كله يتعلق بالاستفادة من البيانات الضخمة". "نحن ننتج البيانات في كل مكان نذهب إليه. كل دقيقة، كل ثانية ندخل شبكة الإنترنت. ومن السهل للغاية الاستفادة من هذه البيانات، من أجل التعرف عليك بشكل أفضل، واستخدام تلك المعرفة لتغيير طريقة تفكيرك".

عرّف دو كلوزل الحرب المعرفية بأنها "فن استخدام التقنيات لتغيير مفاهيم الأهداف البشرية". وأشار إلى أن هذه التقنيات تتضمن - تكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا المعلومات، والعلوم المعرفية. جميعها معاً "لتصنع نوعاً من الخليط الخطير جداً الذي يمكن أن يزيد من التلاعب بالدماغ"، كما قال.

تابع دو كوزيل: "من المهم أن نفهم أنها لعبة تتعلق بإدراكنا ومفاهيمنا، والطريقة التي يعالج بها دماغنا المعلومات ويحولها إلى معرفة، وليس مجرد لعبة تعتمد على المعلومات أو الجوانب النفسية لأدمغتنا. إنه ليس مجرد إجراء ضد ما نفكر فيه، ولكنه أيضاً إجراء ضد الطريقة التي نفكر فيها، والطريقة التي نعالج بها المعلومات ونحولها إلى معرفة". "بعبارة أخرى، لأن الحرب المعرفية ليست مجرد كلمة أخرى، اسم آخر لحرب المعلومات. إنها حرب على معالجنا الشخصي، أي على عقولنا".

شدد الباحث في الناتو على أن "هذا مهم للغاية بالنسبة إلينا في الجيش"، لأنه "يتمتع بالإمكانيات، من خلال تطوير أسلحة جديدة وطرق لإلحاق الضرر بالدماغ، ولديه القدرة على إشراك علم الأعصاب والتكنولوجيا في العديد والعديد من الأساليب المختلفة للتأثير على البيئة البشرية... لأنكم تعلمون جميعاً أنه من السهل جداً تحويل التكنولوجيا المدنية إلى تقنية عسكرية".

أما بالنسبة إلى من يمكن أن يكونوا أهدافاً للحرب الإدراكية، قال: "الحرب المعرفية لها امتداد عالمي، بدءاً بالفرد وحتى الدول والمنظمات متعددة الجنسيات". "فمجال عملها عالمي، ويهدف إلى السيطرة على الإنسان، المدني والعسكري على حد سواء".

وأشار إلى أن القطاع الخاص لديه مصلحة مالية في تطوير أبحاث الحرب المعرفية: "تشير الاستثمارات العالمية الضخمة في علوم الأعصاب، إلى أن المجال المعرفي سيكون على الأرجح أحد ساحات القتال في المستقبل".

تابع دو كلوزل "إن تطور الحرب المعرفية يحول الصراع العسكري تماماً بإضافة البُعد المعرفي".

تُظهر الدراسة المخيفة كيف وصلت الحرب المعاصرة إلى نوع من المرحلة البائسة، لم يكن من الممكن تخيلها إلا في الخيال العلمي.

ذكر تقرير دو كلوزل بوضوح أن "تطوير القدرات للإضرار بالقدرات المعرفية للخصوم، سيكون ضرورة". "بعبارة أخرى، سيحتاج الناتو إلى الحصول على القدرة على حماية عملية صنع القرار وتعطيلها لدى الخصم".

واستطردت الدراسة: "بالإضافة إلى احتمال تنفيذ حرب معرفية لاستكمال نزاع عسكري، يمكن أيضاً إجراؤها بمفردها، من دون أي صلة باشتباك القوات المسلحة". علاوة على ذلك، فإن الحرب المعرفية قد لا تنتهي، لأنه لا يمكن أن تكون هناك معاهدة سلام أو استسلام لهذا النوع من الصراع". حيث يقول إن "ساحة المعركة هذه عالمية عبر الإنترنت. من دون بداية ولا نهاية، لا يعرف هذا الغزو أي فترة راحة، تتخللها إشعارات من هواتفنا الذكية، في أي مكان، 24 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع".

أشارت الدراسة التي رعاها الناتو إلى أن "بعض دول الناتو قد أقرت بالفعل بأن تقنيات علم الأعصاب لديها إمكانات عالية للاستخدام العملياتي في مجموعة متنوعة من مؤسسات الأمن والدفاع والاستخبارات".

ونقل التقرير عن اللواء الأمريكي روبرت إتش سكيلز، الذي لخص الفلسفة القتالية الجديدة لحلف الناتو: "سيتم تعريف النصر بشكل أكبر من حيث الاستيلاء على الأرضية النفسية والثقافية، بدلاً من المنطقة الجغرافية".

وقال: "إذا لم تستطع القوة الحركية هزيمة العدو، فإن علم النفس والعلوم السلوكية والاجتماعية ذات الصلة ستملأ الفراغ". وستكون جميع التخصصات الأكاديمية متورطة في الحرب المعرفية.

ويقترب التقرير من نهايته باقتباس غريب: "إن التقدم الذي تم إحرازه اليوم في تكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا المعلومات والعلوم المعرفية، مدعوماً بالمسيرة التي لا يمكن إيقافها على ما يبدو لترويكا منتصرة مصنوعة من: الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، و"الإدمان الرقمي" الحضاري.

ثم اختتمت الدراسة التي يرعاها الناتو بفقرة أخيرة تقول: "قد تكون الحرب المعرفية هي العنصر المفقود الذي يسمح بالانتقال من النصر العسكري في ساحة المعركة إلى النجاح السياسي الدائم. وقد يكون المجال البشري هو المجال الحاسم؛ حيث تحقق العمليات متعددة المجالات تأثير القائد. يمكن أن تعطي المجالات الخمسة الأولى انتصارات تكتيكية وعملية؛ فقط المجال البشري يمكنه تحقيق النصر النهائي والكامل".

----

ترجمة عن موقع: Grayzone