يتم التحكم الصناعي عن طريق نظام برمجي متكامل، إلا أن التقدم ينطوي على آثار سلبية، تتعلق بتثبيط حركة الإنسان وإبطاء عمل عقله.
ها أنت ذا جالس وراء حاسوبك وتتحكم بخطوط إنتاج معمل بأكمله. تكادُ تصل بيتك، وفي الطريق تشغّل (المكيّف) وتسقي نباتات حديقتك والكثير من الأمور التي تريد إنجازها قبل وصولك، أو تفتح باباً ونافذةً وتشغّل ضوءاً وفقاً لأوامر صوتيّة فقط. هذه الخدمات هي الجزء الأكبر من مفهوم التحكم الصّناعي، والتي تطبق حالياً في المعامل الكبيرة والصّغيرة وحتى المنازل.
التحكم الصّناعي عنوان شامل يتضمن عدّة مفاهيم، ولكن مفاده الأساسي هو قابلية التحكم في كلّ شيء مشتت جغرافيّاً من دون الحاجة للوصول إلى مكان تواجده. ويتمّ ذلك عن طريق نظام برمجي متكامل ومترابط مع ردّ فعل كهربائي وميكانيكيّ للشّيء المراد التحكم فيه. وكلّ هذه الميّزات الإيجابيّة لا تمنع من وجود آثار سلبيّة ومخاوف جمّة من تعميم هذا المفهوم وتطبيقه في العالم أجمع.
الجمود الحركي والمعرفي
دخلَ التحكم الصناعي تفاصيل الحياة اليومية للبشر، فبأوامر صوتيّة وفي اللحظة ذاتها، يمكنك تحقيق حركة ميكانيكية أو كهربائية داخل منزلك من دون أي عناء أو تنقل، وسمي ذلك بالبيت الذكي. ولذا يرى بعض العلماء أنّ في ذلك مخاطر كثيرة، منها: تثبيط حركة الكائن البشري، وإبطاء إعمال عقله في إنجاز ما يتعلّق بحياته، فضلاً عن وصول الروبوتيك لينجز أصعب المهن. ولهذا تأثيرات اقتصاديّة خطيرة، منها: الاستغناء عن اليد العاملة بشكلٍ كبير، فمهنة المستقبل هي المطوّر البرمجي لأنظمة التحكم الصناعي، حيثُ ستكون النتائج كارثيّة للأشخاص الموكلين بالمهام الروتينية، ومن يحفظُ حقّ عمله وديمومته، هو من يعمل في مهنة بعيدة كليّاً عن الروتين.
تهديد حقّ البشر في الحياة
ذكرَ الدكتور إيهاب خليفة في بحثه المنشور في موقع المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة عن مخاطر الذكاء الاصطناعي، حيثُ قال: "هناك تداعيات أمنية خطيرة، تترافق مع طرح أنظمة قتاليّة مستقلّة (Lethal Autonomous Weapons) مثل الدرونز التي تحمل أسلحة، أو الروبوتات المقاتلة. وتكمن الخطورة في أنّ الأجهزة هذه مصممة من أجل التدمير أساساً. فماذا يحدث إذا وقعت في يد الشّخص الخطأ، أو تمّ اختراقها نتيجةً لقصور وخطأ بشري في إجراءات التأمين، وتمّ التلاعب بالخوارزميات التي تتحكم فيها. ومن أشهر الشركات التي تقوم ببناء روبوتات مقاتلة هي (Kongsberg Defense) التي تسعى لترويج روبوتاتها وبيعها لجيوش العالم"[1].
إن الألعاب القتالية التي بين أيدي الأطفال والكبار ومنها لعبة ال جتي آي الشّهيرة، هي نسخة مصغرة عن التحكم بالروبوتات عن بعد، فوفقاً لمقال منشور في موقع الذّكاء الاصطناعي- علوم وتكنولوجيا، أنّ ذات الشّركة وصفت روبوتاتها بأنّها مدعمة بصواريخ خارقة للدروع ومدافع رشاشة متعددة ومدفع ثابت، بالإضافة إلى تجهيزها بمعدات مراقبة فائقة التطوّر، يمكنها نقل الأحداث بدقة، ويتبقى على البشري كما اللّعبة التحكم بالروبوت وتحديد هدف التدمير عن بعد.
اختراق أنظمة التحكم الصّناعي
حسب عدة أبحاث علميّة، يتطلب اختراق وتسبب الأذى لنظام تحكم صناعي ما، الإحاطة الكاملة بكيفيّة عمل هذا النّظام، وهذا يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين. وتختلف طرق الاختراق حسب نظام التشغيل المستخدم، ولكن الطّريقة العامّة التقليديّة في ذلك، هي خداع المبرمجين في فتح ملفات مرفقة مع رسائل البريد الإلكتروني المرسلة إلى النظام، والمتضمنة برامج خبيثة تتيح لهم فرصة التحكم والتغيير في وضعيّة العناصر الإنتاجيّة أو أي آلة يتحكم فيها هذا النظام. والجدير بالذّكر أنها بعيدة من حيث الهدف عن الاختراق الفيروسي بقصد الإيذاء، فليس المطلوب هنا هو ضرب أو تعطيل النظام، بل القدرة على إجراء تغييرات عليه، والتحكم بذلك.
وقال سيرغي غورديتشك خبير الأمن الإلكتروني إنه وفي حال تمت محاولة مقارنة معايير الحماية في أنظمة التحكم الصناعي بمثيلتها في أجهزة الحواسيب آبل وويندوز، سنجد أنَّ أنظمة التحكم الصناعي أشبه بنظم التشغيل البدائية، والتي ترجع لعشرات السّنوات؛ حيثُ مستوى الحماية فيها منخفض جدّاً[2].
حادثة اختراق دوليّة
حدثت أول حادثة اختراق نظام تحكم صناعي في عام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين، عندما نجح الأميركيون في خداع الاتحاد السّوفييتي بالتحكم بخطوط نقل الغاز الطبيعي لديهم خوفاً من توسعها السّريع، فبعد أن نصّبَ السوفييت البرنامج المعدل لديهم، عمل بشكل طبيعي لعدّة أشهر، ليبدأ البرنامج بإغلاق صمامات الأمان وانفجار خط الأنابيب. ووفقاً لواشنطن بوست التي نشرت القصّة عام ألفين وأربعة، فقد كان هذا الانفجار أضخم انفجار غير نووي وأضخم حريق يمكن رؤيته من الفضاء[3].
أنواع التحكم الصّناعي
-نظام التحكم الموّزع، وهو مبني على أساس توزيع المهامّ بدلاً من مركزيتها في مكانٍ واحد، ونرى ذلك في معامل الأدوية والمفاعلات النّووية ومعامل تكرير النفط والغاز.
-نظام التحكم المبرمج، وهو الأكثر استخداماً خاصّة في المعامل وخطوط الإنتاج، وله أنواع كثيرة أيضاً.
-نظام التحكم الإشرافي، سكادا، هو عبارة عن نظام حاسوبي للمراقبة والتحكم في العمليات، وتتغيّر طبيعة هذه العمليات طبقاً للأنظمة المعدة. ولذا فهو الأكثر استخداماً في الاختراقات لسهولة تغيير وظائف النّظام فيه.
وبهذا، فإنّ التحكم الصناعي سلاحٌ ذو حدّين حسبَ طريقة استخدامه ومدى قدرة المستخدم على تحصينه من الاختراقات، ومن جهةٍ أخرى فإنّهُ يعوّد الإنسان على البلادة وقلّة الحركة والتفكير.
-----
المراجع
[1]مخاطر خروج الذّكاء الاصطناعي عن السّيطرة، الدكتور إيهاب خليفة، موقع المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 30 تموز 2017.
[2]هل يتمكن المقرصنون من تحويل حياتنا إلى ظلام، مارك وارد، موقع بي بي سي، 16 آذار 2016.
[3]مازالت أنظمة التحكم الصّناعي معرّضة للهجمات السّيبرانيّة الخبيثة، إميرجنغ تكنولوجي،arXiv.