على مدار الثلاثين عاماً الماضية وعبر أجزاء كثيرة من العالم، كان هناك انخفاض كبير في معدل الذكاء، مع ملاحظة انخفاض أكبر في الدول الصناعية.

حددت الأبحاث المنشورة في مجلة: الدماغ، السلوك، والتطور (Brain, Behavior, and Evolution) انخفاضاً في مستويات الدماغ لدى الإنسان الحديث، مع تفسير الكثير من هذه الانخفاضات من خلال زيادة السمنة.

على مدار الأربعة ملايين سنة الماضية، زاد حجم جسم أشباه البشر، مع نمو الدماغ بمعدل غير متناسب مقارنة ببقية الجسم. يُعتقد أن زيادة الدماغ هي المحرك الرئيسي للقدرة المعرفية الأعلى التي لوحظت في الثدييات العليا. على النقيض من ملايين السنين من تطور أشباه البشر، انخفضت كتلة دماغ الإنسان الحديث تشريحياً بشكل ملحوظ في آخر 50000 عام.

يرى مؤلف الدراسة، جيف مورجان ستيبل، بأنه من غير الواضح "سبب انخفاض حجم الدماغ البشري خلال العصر الجليدي المتأخر على الأقل". ويكمل "لا نعرف تأثير هذا الانخفاض، إن وجد، على الإدراك البشري".

في هذه الدراسة، تم تضمين العينات فقط في حالة وجود بقايا كافية لتوليد تقديرات مستقلة لكل من كتلة الجسم والدماغ. تم استخدام ثلاثين مستحاثة من العصر ما بعد الجليدي (الهولوسين) و 25 من الهياكل العظمية البشرية المتأخرة من عصر البليستوسين، والتي سمحت قياسات أبعادها بتقديرات الجمجمة وما بعد الجمجمة، جنباً إلى جنب مع 16 عينة من أشباه البشر الأقدم تم استخدامها لإجراء مقارنة أوسع. كما تم استخدام بيانات تشريح جثث لـ 19 شخصاً متوفين بين 1980-1982 للإنسان الحديث.

تم استخدام النسبة بين حجم الدماغ والحجم الكلي للجسم كبديل للمعرفة الكلية لإنسان عصور ما قبل التاريخ. في حين وُجد أن الحجم النسبي والمطلق للدماغ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوظيفة الإدراكية لدى البشر، إلا أن هذا لا يزال يمثل قيداً وتحدياً. ولكن نظراً لصعوبات العمل مع بقايا عصور ما قبل التاريخ، لم يكن من الممكن مراعاة عوامل عدة مثل عدد الخلايا العصبية أو تحجيم القشرة أو المتغيرات الأخرى المتعلقة بالقدرة المعرفية. وبالتالي، فإن تحديد القدرة المعرفية اقتصر على العلامات المادية فقط.

في محاولة لتجاوز بعض هذه الصعوبات، تم استخدام مراجعة متتالية للدراسات التي تختبر بشكل مباشر الانتقاء ضد الأنماط الظاهرية المرتبطة بالقدرة الإدراكية العامة - بما في ذلك اختبارات الوظيفة المعرفية واستطلاعات التحصيل التعليمي - لفحص ما إذا كان هناك تأثير تطوري على الوظيفة المعرفية عند البشر. بالاستفادة من مجموعات بيانات الجينوم في دراسات مختلفة، حيث تم استخدام الأنماط الظاهرية المرتبطة بالنجاح الإنجابي، والتي ثبت أنها تؤثر على اللياقة التطورية عبر الأجيال المتعاقبة من أجل دراسة آثار الانتقاء الطبيعي.

وجد أن حجم الدماغ المطلق قد انخفض بنسبة 5.415% عند البشر المعاصرين، مع انخفاض كبير في النسبة بين حجم الدماغ البشري والحجم الكلي للإنسان خلال الفترات الحديثة أيضاً. يبدو أن التغييرات في حجم الجسم تفسر معظم التغييرات الأخيرة في حجم دماغ الإنسان.

على مدار الخمسين ألف عام الماضية، ظلت مستويات نسبة حجم الدماغ إلى حجم الجسم مستقرة نسبياً، باستثناء البشر المعاصرين، الذين عانوا من زيادات في مؤشر كتلة الجسم. يرى ستيبل بأن التخفيضات الأخيرة في حجم الدماغ هي استجابة تكيفية لتغير علم وظائف الأعضاء - وخاصة كتلة الجسم - للإنسان الحديث. ويرى أنه عند التحكم في السمنة، فإن الدماغ وكتلة الجسم يمكن مقارنتهما بإنسان عصور ما قبل التاريخ.

تشير الأدلة السابقة إلى أن كتلة الدماغ والوظيفة المعرفية، كانا مرتبطين ارتباطاً وثيقاً عبر التاريخ التطوري. تشير النتائج الإجمالية لدراسات الارتباط المختلفة على مستوى الجينوم والتي تستكشف التغيرات التطورية للقدرة المعرفية، إلى أن كلاً من الوظيفة المعرفية العامة والتحصيل التعليمي يخضعان لضغط انتقائي سلبي، مع البيانات التي تدعم الانخفاض الجيني في القدرة المعرفية بما يتوافق مع التدهور التطوري في حجم الدماغ.

يشير ستيبل إلى مفارقة في البيانات الجينية. على الرغم من الضغوط الانتقائية السلبية، ارتفعت مقاييس الذكاء العام والتحصيل التعليمي طوال القرن الماضي، مع التغييرات قصيرة المدى في الذكاء العام التي تحركها إلى حد كبير العوامل البيئية مثل الصحة والتعليم والتكنولوجيا، والتي يمكن أن تعوض أو تعزز على المدى الطويل الاتجاهات الجينية. ومع ذلك، فإن الذكاء الجيني وراثي. وبالتالي، فإن حجم الدماغ والذكاء الجيني، لا يحددان مسبقاً الذكاء العام على مستوى الفرد أو المجموعة أو النوع.

نظراً لأن العوامل البيئية تعد عابرة أكثر من العوامل الوراثية، فمن غير الواضح ما إذا كانت التغييرات الجسدية في الدماغ أو الاستعدادات الجينية، ستؤدي إلى تأثير سلبي على القدرة الإدراكية البشرية على المدى الطويل. لكن ستيبل يسلط الضوء على العلامات التي تشير إلى انعكاس محتمل لتأثير فلين - وهي ظاهرة تصف التأثير الإيجابي طويل المدى للعوامل البيئية على الذكاء البشري طوال القرن العشرين.

على مدار الثلاثين عاماً الماضية وعبر أجزاء كثيرة من العالم، كان هناك انخفاض كبير في معدل الذكاء، مع ملاحظة انخفاض أكبر في الدول الصناعية. وبالتالي، على مقياس زمني تطوري، قد لا تكون التحسينات في البيئة كافية لتعويض التأثيرات طويلة المدى للتغيرات الجينية والفيزيائية على الدماغ. يتساءل ستيبل عما إذا كان الانتقاء الطبيعي يمكن أن يقود ذكاء الأنواع إلى ما وراء الحد الأعلى للكفاءة.