الذكاء الروحي هو ذكاء شخصي واجتماعي في الوقت نفسه، أي أن الشخص يعمل على معرفة نفسه وتقدير الآخرين، وهكذا فإنه يصل إلى فهم كل أشكال الحياة.

تناول العديد من الباحثين وعلماء النفس الذكاء الروحي وسماته، ووضعوا له تعريفات ونظريات خاصة، وأكدوا على ارتباطه الوثيق بالطبيعة والإبداع. بينما ذهب البعض من المختصين إلى أن للذكاء الروحي دوره الهام في كل من العلاج النفسي والطبي على حد سواء.

ينبثق الذكاء الروحي من الذكاء الشخصي (معرفة المرء وتقديره وفهمه لذاته)، أيضاً من الذكاء الاجتماعي (معرفة المرء وتقديره وفهمه للآخرين)، ثم ينتهي الحال بتقدير وفهم كل أشكال الحياة الأخرى والكون كله، وهذا هو الذكاء الروحي، وأهم العناصر التي يعتمد عليها إنماؤه يكمن في الاتصال بالطبيعة وتقديرها وفهمها.

لقد وضع عالم النفس الأمريكي "أبراهام ماسلو" هرمه الشهير لأولويات الاحتياجات الإنسانية (الحاجة إلى الطعام والمأوى والصحة الجسمانية، وإلى العائلة والتعليم والاندماج الاجتماعي، والإنجاز الفكري والاجتماعي والمادي، أي – تحقيق الذات)، وقد وضع تحقيق الذات عند سفح الهرم، لأن الإنسان عندما ينجح في إشباع هذه الحاجات، يصل إلى المرحلة النهائية من التطور البشري، وهي تحقيق الذات الذي عرفه "ماسلو" بأنه حالة روحية يتدفق فيها إبداع المرء، ويصبح مرحاً ومتسامحاً ومثابراً، ويسخّر نفسه من أجل مساعدة الآخرين. وهذا كلّه يتحقق في ظل بيئة من التعاطف والحب. وكل ما ذكره يدخل في نطاق ما يطلق عليه (الذكاء الروحي)، والذي يمتلك سمات عدة أهمها حب الطبيعة واحترام وتقدير الطريقة التي أُبدِعت بها، حيث إنّ الأفكار الروحية تظهر في الإبداع بما فيه الإبداع الموسيقي والشعري.

لقد اتخذ "بيتهوفن" و"موتسارت" والكثير من عظماء الفن من الطبيعة مصدراً لإلهامهم، فدمجوا تغريد البلابل والعصافير وصوت الرياح والمياه وغيرها من أصوات الطبيعة في أغانيهم وسيمفونياتهم. فالطبيعة تسعى باتجاه من يسعى لاستكشافها، من خلال تقوية بصيرته في رؤية الأشياء، وبالتالي ينمو ذكاؤهم الروحي. ومن سمات أصحاب هذا الذكاء أيضاً قدرتهم على التأثير على كل من حولهم، وهذه العلاقة السببية تدعمها نظرية الارتباط المحكم أو نظرية تأثير الفراشة[1].

ومفهوم الروح Spirit مشتق من الكلمة اللاتينية Spiritus وتعني التنفس. أما المصطلح الحديث لهذه الكلمة، فهو يعني طاقة الحياة، والجانب غير الجسدي وغير المادي من الإنسان كالمشاعر والشخصية، وكذلك يتضمن صفاتاً حيويةً كالطاقة والحماس والشجاعة والإصرار. كما أن الذكاء الروحي يتعلق بكيفية اكتساب هذه الصفات وإنمائها، ويتعلّق بحماية وتنمية الروح، والتي يعرفها قاموس "أكسفورد" بأنها الهوية الأخلاقية والعاطفية وكثافة طاقتها العاطفية والعقلية[2].

أثبتت نظرية "هوارد غاردنر" الأستاذ في جامعة "هارفارد" في الولايات المتحدة الأمريكية، أنه لا يوجد نوع واحد من الذكاء الإنساني، بل هناك عدة أنواع، يشكل كل منها نسقاً مستقلاً خاصاً به، وتشغل مركزاً مستقلاً في المخ تم تحديده بالفحوصات الإشعاعية. وقد طرح في نظريته ثمانية أنواع للذكاء (اللغوي، والمنطقي، والمكاني، والموسيقي، والجسمي، وذكاء العلاقة مع الآخرين، وفهم الذات، والتصنيفي)، ثم أتبعها بنوعين آخرين هما الذكاء الوجودي والذكاء الروحي اللذين يهتمان بالقضايا فوق الحسية وبالقضايا الأساسية للنوع الإنساني[3].

وفي كتاب (الذكاء الروحي تطوير الوعي الأعلى) لـ "دورثي سيسك وبول تورانس" استكشاف لمفهوم الذكاء الروحي من خلال أسس علم النفس، ومن الحكمة العتيقة والصوفية الشرقية، ومن العلوم الطبيعية الجديدة، وعلم وظائف المخ والأعصاب، ومن العلوم المتعلقة الدالة على بحوث العقل والجيولوجيا والمعمار، ومن الهندسة وقصص الحياة. وقد اقترح "سيسك وتورانس" في كتابهما أن يتضمن الذكاء الروحي قدرة الفرد على تحديد مكانته وعلاقته بالبحث عن النظام الكوني السرمدي الأقصى وكذلك متناهي الصغر، والقدرة المتعلقة بموقع الفرد من هذه الميزات الوجودية كشرط إنساني لأهمية الحياة ومعنى الموت. ومن هنا فإن "سيسك"و"بورانس" قد فسرا كل ما سبق بأن هناك قدرة إنسانية مهمة ظلّت غير معنونة، وتعني بذلك ما يشار إليه كذكاء روحي أو الذكاء العاشر. ورأت "سيسك" أنه يمكن وصف الذكاء الروحي كوعي نفسي عميق في الفرد الذي يصبح أكثر وعياً بأبعاده الذاتية، وليس من السهل أن يتحقق ذلك بالجسد كمادة، لكن من الجسم كعقل وروح. وعندما نستخدم ذكاءنا الروحي، فإنه يمكن أن نصل إلى مكانتنا الرائعة[4].

يتوقع كثير من المتخصصين في العلاج والإرشاد النفسي، أن الذكاء الروحي سوف يصبح أكثر وضوحاً وفهماً، وأن استخدامه سوف يتسع ويتجدد من أجل ممارسة العلاج النفسي، وأنه من خلال الدرجات الروحانية المتفاوتة والمختلفة لنمو شخصية الفرد، فإن الروحانيات تكون جزءاً مكملاً للخبرة البشرية. ومن ناحية استخدام الذكاء الروحي بالعلاج الطبي، فقد رأى "مكمولين" أنه إذا كان الذكاء الإدراكي يدور حول التفكير، والذكاء العاطفي يهتم بالشعور، فإن الذكاء الروحي يمثل الوجود، ويعدّ تحدياً لطلاب الطب، فالتعليم الطبي يمكن أن يدرّب الطلاب على إجراء عملية على الأنموذج الطبي، وتهدف إلى تحقيق ما يتوقعه المريض أي (الشفاء)، لكن الشفاء يختلف عن العلاج، فالمريض قد يموت على الرغم من تلقيه العلاج، وعندئذٍ لن يستطيع الطبيب فعل شيء، وسيحتاج إلى ذكائه الروحي. وهذا يعتبر من الموضوعات الضخمة. فمن المهم له أن يقدم دور (الحدْس والشفقة) في حياته ومهنته على المادة. وكما يرى "آينشتاين" فإن العقل الحدسي هدية مقدّسة، وكلنا لدينا قدرة الوصول إلى قوة الحدس، لكننا نادراً ما نستخدم هذه الإمكانية، فالحدس جزء من ذكائنا غير الواعي، يكمل التفكير العقلي واتخاذ القرارات.

ويرى طبيب الأعصاب "داماسيو" أنه ذلك الرباط يربط فكرنا الواعي بتصرفنا الذكي، لذلك فإن للحدس دوره المهم في التشخيص الطبي، ويلعب دوراً ثميناً في اتخاذ القرارات، وتنميته تعتمد على التركيز والإيمان بأنه سيساهم في إكساب اتجاه جديد[5].