شارك جلال الشريف في تأسيس الصحف السورية الثلاث، وكان مثالاً على المهنية والإخلاص في العمل.

لم تكن صحيفة تشرين، هي الصحيفة الأولى التي يترأس تحريرها، بل إنه ترأس تحرير صحيفة الثورة، بالإضافة إلى كونه مديراً عاماً لها منذ تأسيسها. وقد تسلم منصب مدير تحرير البعث، التي كان منذ بدايتها عضواً في هيئة تحريرها. وفي الصحف الثلاث عمل بأخلاق الصحفي الغيور على مصلحة الوطن.

في زمن كانت فيه الروح الوطنية تتعشق نفوس السوريين وعقولهم، وفي الزمن نفسه الذي كانت فيه الثورة السورية الكبرى تعم أرجاء الوطن من أجل الاستقلال، وفي تلك المرحلة التي بدأ فيها الثوار يشهرون سلاحهم بوجه المحتل الفرنسي، فتح جلال فاروق الشريف عينيه على إعلان حمل السلاح، وكانت أصوات: سلطان باشا الأطرش وصالح العلي وإبراهيم هنانو، تهدر في سماء الوطن، مجلجلة تحث الشعب على طرد المستعمر.

كان الوطن حينها يرزح تحت ربقة الاستعمار الفرنسي، وكانت فرنسا قد قامت بتقسيم سورية إلى دويلات متعددة، وبسبب الانتفاضات الشعبية المستمرة التي عمت المدن السورية، أخفق المشروع الفرنسي ومات في مهده.

عاش جلال الشريف طفولته في دمشق، التي كانت تغلي بالوطنية. درس في مدارسها حتى أنهى المرحلة الثانوية. وخلال هذه الفترة حصلت تبدلات كبيرة على مستوى الوطن: سياسية واجتماعية وثقافية وتعليمية واقتصادية. نمت المقاومة الوطنية، وأخذت شكل ثورات مسلحة، اضطرت الاحتلال الفرنسي إلى إقامة نظام سياسي ذي شكل دستوري منذ عام 1928. وقد أدى وجود دستور رئيس للجمهورية ونظام برلماني، إلى انتقال هذا التناقض مع الاحتلال من صيغته ككفاح شعبي، بصورة انتفاضات مسلحة مركزها الأرياف وقوامها جماهير الفلاحين، إلى صيغته كصراع سياسي مركزه المدن وقوامه أبناؤها. واستطاعت حركة الاستقلال الوطني أن تقيم معاهدة 1936، التي منحت سورية حكماً ذاتياً بصيغة دولة مستقلة. لكن الذي حصل، أن الحكم الذاتي، لم يلبث أن سقط في عام 1938.

ومع قيام الحرب العالمية الثانية، عادت سورية إلى الحكم المباشر من قبل سلطات الاحتلال. وأثناء الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1943، أي بعد عامين تقريباً من دخول الجيوش البريطانية والفرنسية المتحالفة إلى سورية، وتصفية قوات حكومة فيشي الفرنسية المتعاونة مع المحور، تم الاتفاق بين الدولتين المحتلتين على إعادة الاستقلال السياسي لسورية بالصيغة الدستورية القديمة نفسها.

في هذه الفترة الصعبة من تاريخ سورية، كان جلال الشريف قد أنهى الثانوية ودخل كلية الحقوق بجامعة دمشق. وأصبح في سن جعله مراقباً جيداً لك التغيرات الأساسية التي بدأت تطرأ على البنية الاجتماعية والاقتصادية في القطر. هذه التغيرات جعلت الشاب جلال، يطمح إلى تنظيم وطني يدافع عن حقوق الفقراء، ويوقف استغلال أصحاب الاستثمارات، فما كان منه إلا أن وجد نفسه في حزب البعث العربي، التي كانت أهدافه تصب في مصلحة الوطن وجماهيره، ويحميهم من الاستغلال والفقر. دخل الحزب منذ بدايته، وكان من مؤسسيه.

عين في هيئة تحرير جريدة (البعث) منذ صدورها عام 1946. ومن ثم عين مديراً للتحرير فيها. ولم يكن هذا أول تعامل له مع الصحافة، فقد كان يراسل مجلة (الأديب) اللبنانية منذ عام 1945. بقي جلال الشريف مدير تحرير صحيفة البعث، حتى عام 1958.

عام 1958 تمت الوحدة بين سورية ومصر، وأصبح عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة، وكان أحد شروطه حل حزب البعث العربي الاشتراكي وجميع الأحزاب الأخرى، ولضمان قيام الوحدة السورية المصرية، وافق قادة الحزب على شروط عبد الناصر. وبالإضافة إلى حل الأحزاب، فقد أغلقت معظم الصحف السورية أثناء الوحدة، وبينها صحيفة البعث، الناطقة بلسان الحزب.

أحدثت مؤسسة الوحدة للصحافة والنشر بعد الانفصال، فعين الشريف مديراً عاماً لها منذ تأسيسها، ورئيس تحرير صحيفة الثورة الصادرة عنها. وبقي في هذا المنصب لمدة عامين. أبدى خلالهما نشاطاً وحماساً للعمل، بالإضافة إلى الإدارة المميزة التي قاد بها الصحيفة.

في عام 1964، أصبح الشريف مديراً للملحقين الصحفيين في وزارة الإعلام، وانتخب في نفس العام عضواً في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب.

بدأ الشرف نشر ترجمات مختارة من الأدب الأمريكي عام 1951، وترجم مختارات ومقابلات من الأدب الروسي والسوفييتي في عامي 1952 و1953. ولكن أول كتاب ألفه، كان حول الدعاية السياسية في خدمة الإعلام الغربي 1964. وجاء كتاب "بعض قضايا الفكر العربي المعاصر" 1964، من بين أهم كتبه المؤلفة، إلى جانب كتابه النقدي المميز "الرومانتيكية في الشعر العربي المعاصر في سورية". هذا الكتاب الذي علل فيه الشريف ظهور الرومانتيكية في سورية، بأنها كانت تعبيراً عن نزعة ليبرالية لدى مثقفي البرجوازية، وهي تختلف بذلك عن رومانتيكية الغرب، التي مثلت الثورة على المجتمع الصناعي.

أما كتاب "بعض قضايا الفكر العربي المعاصر" والذي صدر عام 1974، فقد قدمه الشريف قائلاً: "وفي مقدمة السلبيات التي حملها التزام الفكر العربي المعاصر بالواقع الاجتماعي، منذ نشأته الأولى، وظل يحملها معه خلال مراحل تطوره، هي عجزه عن أن يدرك أن هذا الواقع بحاجة إلى نقد جذري بحكم تخلفه الشديد، وإن تطوره بحاجة إلى قفزة نوعية، وأن هذه القفزة بحاجة إلى تحولات تاريخية، وإن أول ما يجب أن يوجه إليه النقد هو الفكر السائد نفسه".

في عام 1974، اختارته القيادة ليقوم مع عدد من الكوادر الصحفية بتأسيس مؤسسة تشرين للصحافة والنشر، واختير ليكون مديراً عاماً لها ورئيساً لتحرير جريدتها. وأثناء عمله في الجريدة، كان لا يغادر مبنى المؤسسة قبل أن يأخذ معه النسخة الأولى من الطبعة، وغالباً ما كانت تصدر عن بزوغ أولى خيوط الفجر.

بعد عام انتخب الشرف رئيساً لتحرير مجلة "الموقف الأدبي" الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب، وفي العام 1977، باشر الشريف بنشر مجموعة من الأبحاث والدراسات والوثائق عن تاريخ حزب البعث العربي الاشتراكي، في مجلة (المناضل) وهي المجلة الداخلية للحزب، الصادرة عن القيادة القومية، حيث كان يعمل منذ ذلك العام وحتى أيامه الأخيرة.

عاش جلال فاروق الشريف فقيراً، ومات فقيراً عام 1983.

من أعماله المترجمة: عناقيد الغضب، مختارات من الأدب الأمريكي، 1951. مراسلات غوركي تشيخوف، 1953. مقابلات مع مكسيم غوركي، 1952. الدعاية السياسية، 1964. علم الأدب السوفييتي، 1964. الثورة العربية كما يراها اليسار الغربي. مايكوفسكي شاعر الثورة الاشتراكية، 1972.

ومن مؤلفاته: بعض قضايا الفكر العربي المعاصر، 1974. الشعر العربي الحديث، 1976. إن الأدب كان مسؤولاً، 1978. من أجل جبهة أيديولوجية للصمود والتصدي. الرومانتيكية في الشعر العربي المعاصر في سورية، 1980. أفكار فلسطينية، 1981. في الأدب السوفييتي، 1983.

-----

المراجع

-شخصيات سورية في القرن العشرين، ج2، هاني الخير، دار الفتاة، دمشق 2003.

-تراجم أعضاء اتحاد الكتاب العرب في سورية والوطن العربي، اتحاد الكتاب العرب.

-موسوعة أعلام سورية.

-أعداد مجلة المناضل (96، 97، 98، 99، 120) لعام 1977، الصادرة عن مكتب الدعاية والنشر والإعلام في القيادة القومية، دمشق.

-البدايات في ذاكرة فايز إسماعيل، مكتب الدعاية والإعلام والنشر في القيادة القومية، دمشق 1980.

-المجالس التشريعية في الجمهورية العربية السورية من عام 1919 حتى عام 2000، منشورات مجلس الشعب، 2000.

1

1