هل يمكن لخوارزميات التعلم الآلي أن توجه البشر نحو تجارب ونظريات جديدة؟ بدأ العلماء بمطالبة التعلم الآلي بإنتاج رؤى مختلفة. إنهم يصممون شبكات عصبية تقترح فرضيات جديدة تستند إلى الأنماط التي تجدها الشبكات في البيانات، بدلاً من الاعتماد على الافتراضات البشرية.

تتمتع السيارات الكهربائية بالقدرة على الحد بشكل كبير من انبعاثات الكربون، ولكن المواد اللازمة لصنع البطاريات تنفذ من شركات السيارات. من المتوقع أن يتسبب أحد المكونات الأساسية، وهو النيكل، في نقص الإمدادات بحلول نهاية هذا العام. وقد اكتشف العلماء مؤخراً أربع مواد جديدة يمكن أن تساعد - وما قد يكون أكثر إثارة للاهتمام هو كيفية العثور على هذه المواد، حيث اعتمد الباحثون على الذكاء الاصطناعي لانتقاء مواد كيميائية مفيدة من قائمة تضم أكثر من 300 خيار. وهم ليسوا الوحيدين بين البشر الذين يتحولون إلى الذكاء الاصطناعي للإلهام العلمي.

لطالما كان إنشاء الفرضيات مجالاً إنسانياً بحتاً. أما الآن، على الرغم من ذلك، فقد بدأ العلماء بمطالبة التعلم الآلي بإنتاج رؤى مختلفة. إنهم يصممون شبكات عصبية (نوع من إعداد التعلم الآلي لهيكل مستوحى من الدماغ البشري) التي تقترح فرضيات جديدة تستند إلى الأنماط التي تجدها الشبكات في البيانات، بدلاً من الاعتماد على الافتراضات البشرية. وقد يتحول التعلم الآلي في العديد من المجالات قريباً إلى مصدر إلهام في محاولة لتسريع العملية العلمية وتقليل الانحيازات البشرية.

في حالة مواد البطاريات الجديدة، اعتمد العلماء الذين يتابعون مثل هذه المهام عادةً على أدوات البحث في قاعدة البيانات والنمذجة وحدسهم الخاص بالمواد الكيميائية لانتقاء المركبات المفيدة. بدلاً من ذلك، استخدم فريق من جامعة ليفربول في إنجلترا التعلم الآلي لتبسيط العملية الإبداعية. وقد طور الباحثون شبكة عصبية صنفت التركيبات الكيميائية من خلال مدى احتمالية أن تؤدي إلى مادة جديدة مفيدة. ثم استخدم العلماء هذه التصنيفات لتوجيه تجاربهم في المختبر. لقد حددوا أربعة مرشحين واعدين لمواد البطاريات دون الاضطرار إلى اختبار كل شيء في قائمتهم، مما وفر عليهم شهوراً من المحاولات وارتكاب الأخطاء.

يقول أندريج فاسيلينكو، الباحث المساعد في جامعة ليفربول والمؤلف المشارك للدراسة حول العثور على مواد البطاريات، والتي نُشرت في مجلة Nature Communications الشهر الماضي: "إن الذكاء الاصطناعي أداة رائعة". تساعد عملية البحث في تحديد التركيبات الكيميائية الضرورية، لذلك "يمكننا تغطية مساحة كيميائية أكبر بكثير من المعتاد وبشكل أسرع".

إن اكتشاف مواد جديدة ليس المجال الوحيد الذي يمكن أن يساهم فيه التعلم الآلي في العلوم. يقوم الباحثون أيضاً بتطبيق الشبكات العصبية على أسئلة تقنية ونظرية أكبر. يأمل ريناتو رينر، عالم الفيزياء في معهد زيورخ للفيزياء النظرية، أن يستخدم يوماً ما التعلم الآلي لتطوير نظرية موحدة لكيفية عمل الكون. لكن قبل الذكاء الاصطناعي، يمكن للباحثين الكشف عن طبيعة الواقع الحقيقية، حيث يجب على الباحثين معالجة السؤال المعروف بصعوبته والمتمثل بـ: كيف تتخذ الشبكات العصبية قراراتها؟

الدخول في صميم التعلم الآلي

في السنوات العشر الماضية، أصبح التعلم الآلي أداة شائعة للغاية لتصنيف البيانات الضخمة والتوصل إلى تنبؤات. ومع ذلك، قد يكون شرح الأساس المنطقي لقراراتها أمراً صعباً للغاية. تُبنى الشبكات العصبية من عقد مترابطة، على غرار الخلايا العصبية للدماغ، مع بنية تتغير مع تدفق المعلومات من خلالها. ومع أن هذا الأنموذج التكيفي قادر على حل المشكلات المعقدة، إلا أنه غالباً ما يكون من المستحيل على البشر فك شيفرة المنطق المعني.

أُطلق على هذا النقص في الشفافية اسم "مشكلة الصندوق الأسود"، لأنه لا يمكن لأحد أن يرى داخل الشبكة لشرح عملية "التفكير". ولا يؤدي هذا التعتيم إلى تقويض الثقة في النتائج فحسب، بل إنه يحد أيضاً من مقدار الشبكات العصبية التي يمكن أن تساهم في فهم البشر العلمي للعالم.

يحاول بعض العلماء جعل الصندوق الأسود شفافاً من خلال تطوير "تقنيات قابلة للتفسير"، والتي تحاول تقديم شرح تدريجي لكيفية وصول الشبكة إلى إجاباتها. قد لا يكون من الممكن الحصول على مستوى عالٍ من التفاصيل من نماذج التعلم الآلي المعقدة. لكن يمكن للباحثين في كثير من الأحيان تحديد اتجاهات أكبر في الطريقة التي تعالج بها الشبكة البيانات، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى اكتشافات مفاجئة - مثل الشخص الأكثر عرضة للإصابة بالسرطان.

قبل عدة سنوات، استخدم أنانت مادابوشي، أستاذ الهندسة الطبية الحيوية بجامعة كيس ويسترن ريزيرف، تقنيات التفسير لفهم سبب احتمال تكرار الإصابة بسرطان الثدي أو البروستات لدى بعض المرضى أكثر من غيرهم. وقام بإدخال فحوصات المريض إلى شبكة عصبية، وحددت الشبكة الأشخاص المعرضين لخطر أكبر للإصابة بالسرطان مرة أخرى. ثم قام مادابوشي بتحليل الشبكة للعثور على أهم ميزة لتحديد احتمالية إصابة المريض بالسرطان مرة أخرى. أشارت النتائج إلى أن مدى تماسك الهياكل الداخلية للغدد معاً هو العامل الأكثر دقة في التنبؤ باحتمالية عودة السرطان.

يقول مادابوشي: "لم تكن هذه فرضية. لم نكن نعرف ذلك". "لقد استخدمنا منهجية لاكتشاف إحدى سمات المرض التي اتضح أنها مهمة". كان ذلك فقط بعد استخدام الذكاء الاصطناعي، حيث استنتج مادابوشي أن فريقه وجد أن النتيجة تتوافق أيضاً مع الأدبيات العلمية الحالية حول علم الأمراض. لا تستطيع الشبكة العصبية حتى الآن تفسير سبب مساهمة كثافة بنية الغدد في الإصابة بالسرطان، لكنها لا تزال تساعد مادابوشي وزملاءه على فهم كيفية تقدم نمو الورم بشكل أفضل، مما أدى إلى اتجاهات جديدة للبحث في المستقبل.

التعلم الآلي

على الرغم من أن النظرة الخاطفة داخل الصندوق الأسود يمكن أن تساعد البشر في بناء فرضيات علمية جديدة، "لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه"، كما يقول سوميك ساركار، الأستاذ المشارك من قسم الهندسة الميكانيكية في جامعة ولاية آيوا. يمكن لتقنيات التفسير أن تلمح إلى الارتباطات التي تظهر في عملية التعلم الآلي، لكنها لا تستطيع إثبات السببية أو تقديم التفسيرات. فهي لا تزال تعتمد على خبراء الموضوع لاشتقاق معنى من الشبكة.

على الرغم من هذه المشكلات، لا يزال رينر، الفيزيائي المقيم في زيوريخ، يأمل في أن يساعد التعلم الآلي الناس على متابعة المعرفة من منظور أقل تحيزاً. يقول إن الشبكات العصبية يمكن أن تلهم الناس للتفكير في الأسئلة القديمة بطرق جديدة. في حين أن الشبكات لا يمكنها حتى الآن وضع فرضيات كاملة من تلقاء نفسها، إلا أنها يمكن أن تعطي تلميحات وتوجه العلماء نحو وجهة نظر مختلفة عن مشكلة ما.

يذهب رينر إلى حد محاولة تصميم شبكة عصبية يمكنها فحص الطبيعة الحقيقية للكون. إذ لم يتمكن الفيزيائيون من التوفيق بين نظريتين للكون - نظرية الكم ونظرية آينشتاين العامة للنسبية - لأكثر من قرن. ولكن يأمل رينر أن يمنحه التعلم الآلي المنظور الجديد الذي يحتاجه لربط فهم العلم لكيفية عمل المادة بمقاييسها المتنوعة.

يقول: "لا يمكننا أن نخطو خطوات كبيرة في الفيزياء، إلا إذا نظرنا إلى الأشياء بطريقة غير تقليدية". وحالياً، يقوم ببناء شبكة مع النظريات التاريخية، مما يضفي لمحة عن كيفية تفكير البشر في بناء الكون. في السنوات القليلة المقبلة، يخطط أن يسعى للوصول إلى إجابة خاصة حول هذا السؤال النهائي.

-----

ترجمة عن موقع: Scientific American