يتميز علم البصريات اللاخطية بأنه يقوم بتخزين البيانات والمعلومات، بشكل يفوق التخزين الإلكتروني بكثير، والسعة الكبيرة للكمبيوترات والسرعة الفائقة هي أحد تطبيقات هذا العلم، فلا يوجد مجال إلا ويحتاج إلى هذا العلم بشكل تقريبي.

بعد تطور تقنيات الليزر، بدأت الأبحاث تتجه نحو الميزات التي يتمتع بها الضوء المترابط لخدمة العلوم في مجالات مختلفة، فأخذت أهمية الضوء اللاخطي تظهر في مجالات عديدة كالاتصالات وحفظ المعلومات وغيرها من التطبيقات الكثيرة.

وعليه فإن الحاجة الكبيرة لمواكبة العالم في هذا العلم، شكل دافعاً كبيراً لدى الدكتور يوسف سلمان أستاذ الفيزياء بجامعة دمشق لإحداث مخبر البصريات اللاخطية الذي بدأ وضع لمساته الأولى منذ عام 2016 في كلية العلوم، ليكون المخبر البحثي الأول في الجامعات السورية يعنى بالبصريات اللاخطية، ويضاهي المخابر العالمية بتجهيزاته وهندسته.

في المخبر

إنجاز كبير

مخبرخطي

حول هذا الإنجاز تحدث سلمان إلى البوابة المعرفية مبيناً أهمية اختصاص علم البصريات اللاخطية الذي نشأ بعد عام 1961 بعد اختراع الليزر بفترة وجيزة، وشملت تطبيقاته الهائلة جميع المجالات والاختصاصات، ليصبح كياناً مستقلاً بحد ذاته، تعقد له المؤتمرات والندوات الخاصة به. فكان ضرورياً لجامعة عريقة مثل جامعة دمشق أن تكون من الجامعات الرائدة للدخول إلى حقل البصريات اللاخطية، وضرورياً لأنه لم يكن هناك مخابر بحثية سابقاً في الجامعة. وأضاف أنه في عام 2016 بدأت الفكرة، وانطلقوا بإنشاء مخبر البصريات اللاخطية بجامعة دمشق- كلية العلوم، وتم وضع البنية التحتية الخاصة به، من عزل للصوت، والاهتزازات، والعزل الكهربائي، ووضع شبكة من الغازات وأخرى من الهواء، وتأمين التجهيزات مع مراعاة شروط الأمان، واستخدام الليزر؛ وذلك بدعم كامل من رئاسة الجامعة في ذلك الوقت. بعدها توقف العمل في المخبر لمدة ثلاث سنوات، ثم عادت عملية البناء والتطوير للمخبر ليصبح جاهزاً من الألف إلى الياء بدعم من الدكتور محمد يسار عابدين رئيس الجامعة الذي أعطى اهتماماً كبيراً لهذا الإنجاز العلمي البحثي.

على المستوى الإقليمي

يبين الدكتور سلمان أن البصريات هي فرع من الفيزياء، أما البصريات اللاخطية فهي تفاعل الليزر مع المواد عند الشدات العالية، وبالتالي لا يمكن دراسة البني الخاصة بالعينات لولا البصريات اللاخطية، في إشارة إلى أهمية هذا العلم الذي وفر إمكانية في نقل الإشارات، عجزت عنها التقنيات التقليدية في الاتصالات القائمة على الإشارات الإلكترونية. الأمر الذي يعطي أهمية كبيرة لمخبر البصريات بجامعة دمشق، كاختصاص ليس موجوداً في الجامعات السورية وغير موجود في قسم الفيزياء أصلاً. كما أنه مخبر فريد من نوعه على المستوى الإقليمي، بما يحمله من مواصفات عالمية وأهمية بحثية وعلمية. ولفت الدكتور سلمان إلى أن المخبر يتألف من قسمين: قسم التحضير الكيميائي ويتم فيه تحضير العينات للدراسة، ومخبر البصريات اللاخطية والذي يتم فيه دراسة السلوك الخطي واللاخطي للعينات التي تم تحضيرها مسبقاً. وقسم آخر مجهز لتحضير مجموعة من التجارب لطلاب الدراسات العليا لإجرائها لاحقاً.

الماجستير الأول

بالتوازي مع الانتهاء من إحداث المخبر وإحضار جهاز الميكانيك البصري اللازم لإجراء العمل والقطع البصري واستكمال الملحقات وتأمين الليزرات الخاصة للإقلاع بالعمل البحثي الحقيقي، افتتحت جامعة دمشق ماجستير الدراسات العليا في علم البصريات اللاخطية في قسم الفيزياء، لتبدأ الدراسة فيه اعتباراً من هذا العام كأول اختصاص يدرس في الجامعات السورية. يشير الدكتور سلمان إلى أهمية هذه الخطوة لنقل هذا العلم إلى الطلاب، بحيث يصبح لدينا بعد ثلاث أو أربع سنوات خريجون مختصون بعلم البصريات اللاخطية، وستكون هناك إمكانية لبناء فريق بحثي في علم يفيد مختلف القطاعات والمؤسسات الحيوية. وفي الوقت نفسه تكون الجامعة قد تمكنت من إدخال هذا العلم إلى حيز التطبيق والإنتاج.

مرحلة الإنتاج

يُعتبر الدكتور يوسف سلمان أول دكتوراه في سورية حاملة لهذا العلم، وعليه فهو يرى أن فرص العمل متوفرة لجميع الطلبة الذين سجلوا في ماجستير البصريات الخطية كدفعة أولى، مبيناً أن المخبر بجاحة إلى جميع الخريجين على مدى عشر سنوات على الأقل. كما أنه لا خوف عليهم في كافة الأحوال، فإذا ذهبوا إلى سوق العمل فكل المخابر ستكون بحاجتهم، وكذلك الجامعات كافة لكونها تحتاج لهذا الاختصاص غير الموجود لديها أصلاً. وهم أيضاً مطلوبون في مراكز الأبحاث، وبالتالي من الآن وحتى عشر سنوات، هناك ضمان في سوق العمل لحاجة هؤلاء الخريجين، ولكن من المحتم أن الخريجين الأوائل هم من نصيب المخبر الحالي، وخاصة أنه سينتقل إلى المرحلة الثانية، ألا وهي مرحلة الإنتاج.

الفائدة

يبين مؤسس مخبر البصريات اللاخطية أن هذا العلم يفيد في مختلف القطاعات، ومن بعض فوائده على سبيل المثال: التخزين الضوئي للمعلومات والبيانات الذي يفوق التخزين الإلكتروني بكثير، السعة الكبيرة للكمبيوترات والسرعة الفائقة هي أحد تطبيقات هذا العلم، الحاجة إليه في سرعة الاتصالات والألياف البصرية التي أصبحت بسرعة الضوء، ضرورته القصوى في المجال الطبي والتي من أهم تطبيقاته المناظير المخصصة لعمليات التنظير بأنواعها، وكذلك الحاجة الكبيرة له في تطبيقات الزراعة والصناعة. فلا يوجد مجال إلا ويحتاج إلى هذا العلم بشكل تقريبي. مشيراً إلى أن علم البصريات هو علم قديم وعمره أكثر من 3000 سنة، إلا أن علم البصريات اللاخطية هو علم حديث ظهر الاهتمام به بعد اختراع الليزر.

مشروع منتج

كل الأجهزة البصرية تحتاج إلى اختبار وفحص، ويمكن اختبارها في هذا المخبر الأمر الذي يحقق عائداً مالياً للجامعة. وبحسب الدكتور سلمان فإن مخبر البصريات اللاخطية هو أكثر من مركز لإجراء الأبحاث أو تدريب طلاب الماجستير والدكتوراه، بل هو مشروع منتج، أولاً على مستوى اكتشاف الحلول للمواضيع والمشاكل العلمية التي تظهر أثناء العمل البحثي والتي تمكن من الوصول إلى صورة متكاملة للمنتج والنشر العلمي والحصول على نقاط عالمية للجامعة، وثانياً: الحاجة إليه من قبل جميع الاختصاصات الأخرى للقيام بالقياسات، مثل حالة الجسم الصلب والنانو وأنصاف النواقل. فكل الاختصاصات لديها عينات تحتاج لإيجاد خواصها الضوئية أو البصرية، وحتماً هي بحاجة إلى هذا المخبر. وهذا يعني التعاون العلمي مع الأقسام والاختصاصات الأخرى على اختلافها، إضافة إلى ضرورته في التطبيقات الصناعية التي قد يتم تحضير عينات لها في المخبر مثل الصناعات الكيميائية والتلدين البلاستيكي.