ناسا تدعو إلى إطار علمي جديد للبحث عن حياة خارج كوكب الأرض. والتساؤل هو: كيف نقدر أهمية النتائج العلمية الجديدة المتعلقة بالبحث عن الحياة؟ متى يمكننا أن نقول: "نعم، لقد تم العثور على حياة خارج كوكب الأرض؟".

يشجع علماء ناسا المجتمع العلمي على إنشاء إطار عمل جديد يوفر سياقاً للنتائج المتعلقة بالبحث عن الحياة. وقد نشروا حول هذا الموضوع في مجلة نيتشر Nature، واقترحوا إنشاء مقياس لتقييم ودمج خطوط مختلفة من الأدلة التي من شأنها أن تؤدي في النهاية إلى الإجابة على السؤال النهائي: هل نحن وحدنا في هذا الكون؟

في المقالة الجديدة التي نشرها جيم غرين، كبير العلماء في الوكالة، في مجلة Nature، تقدم مجموعة من ناسا أنموذجاً لمقياس لاستخدامه كنقطة انطلاق للمناقشات بين العلماء والمتصلين مثلاً. إنهم يتصورون مقياساً مستوحى من عقود من الخبرة في علم الأحياء الفلكي، وهو مجال يبحث في أصول الحياة على الأرض وإمكانيات وجود الحياة في أماكن أخرى.

هل نحن وحدنا

قال غرين: "إن وجود مقياس كهذا سيساعدنا على فهم ما نحن فيه من حيث البحث عن الحياة في مواقع معينة، ومن حيث قدرات المهام والتقنيات التي تساعدنا في هذا المسعى".

يحتوي المقياس على سبعة مستويات، تعكس الطرق المعقدة للخطوات التي من شأنها أن تؤدي إلى إعلان العلماء أنهم وجدوا حياة خارج الأرض. على سبيل القياس، يشير غرين وزملاؤه إلى مقياس مستوى الجاهزية التكنولوجية، وهو نظام مستخدم داخل وكالة ناسا لتقييم مدى استعداد المركبة الفضائية للطيران. من هنا، تبدأ التقنيات المتطورة مثل إبداع مروحية المريخ كأفكار، وتتطور إلى مكونات تم اختبارها بدقة لبعثات الفضاء التي صنعت التاريخ.

يأمل المؤلفون أن يلاحظ العلماء في المستقبل في الدراسات المنشورة كيف تتناسب نتائج البيولوجيا الفلكية الجديدة مع هذا المقياس. ويمكن للصحفيين أيضاً الرجوع إلى هذا النوع من إطار العمل لتحديد التوقعات للجمهور في القصص المتعلقة بالنتائج العلمية الجديدة، بحيث لا تبدو الخطوات الصغيرة قفزات هائلة.

قالت ماري فويتك، رئيسة برنامج علم الأحياء الفلكي التابع لوكالة ناسا في مقرها في واشنطن وهي من المشاركين في الدراسة: "حتى الآن، أعددنا الجمهور ليعتقد أن هناك خيارين فقط: إما وجود حياة أو انعدامها". "نحن بحاجة إلى طريقة أفضل لمشاركة الإثارة في اكتشافاتنا، وإظهار كيف يعتمد كل اكتشاف على التالي، حتى نتمكن من جلب الجمهور والعلماء الآخرين على طول الرحلة".

إنه لأمر مثير في كل مرة يجد فيها المسبار أو المركبة الفضائية دليلاً على أن الماء كان يتدفق على المريخ فيما مضى. وتوضح لنا كل الاكتشافات الجديدة أن مناخ المريخ في الماضي كان مشابهاً لمناخ الأرض، وأن الكوكب الأحمر ربما دعم الحياة في يوم من الأيام. لكن هذا لا يعني بالضرورة تأكيد وجود أي نوع من الحياة هناك سابقاً أو حالياً. إن اكتشافات الكواكب الصخرية التي تدور حول نجوم خارج شمسنا، وخاصة تلك التي يمكن أن تحتوي على مياه على أسطحها، مشوقة ولكنها ليست دليلاً بحد ذاتها على وجود حياة خارج الأرض. إذاً كيف نفهم هذه الملاحظات في سياقها؟

تتمثل العلوم كافة بعمليات لطرح الأسئلة، والتوصل إلى فرضيات، وبالتالي تطوير طرق جديدة للبحث عن القرائن، واستبعاد جميع التفسيرات البديلة. قد لا يتم تفسير أي اكتشاف فردي بشكل كامل من خلال عملية بيولوجية، ويجب تأكيده من خلال قياسات المتابعة والتحقيقات المستقلة. في بعض الأحيان، هناك مشاكل مع الآلات نفسها. وفي أوقات أخرى، لا تؤدي التجارب إلى أي شيء على الإطلاق، ولكنها لا تزال تقدم معلومات قيمة حول ما لا يصلح أو الأماكن التي لا يجب البحث فيها.

لا يختلف علم الأحياء الفلكي حيث هناك أكثر الأسئلة عمقاً والتي يمكن لأي شخص طرحها، فيما يتعلق بأصولنا ومواقعنا في هذا الكون. ونظراً لأن العلماء يتعلمون المزيد والمزيد حول أنواع الإشارات المرتبطة بالحياة في بيئات متنوعة على الأرض، يمكنهم إنشاء وتحسين التقنيات اللازمة للعثور على علامات مماثلة في أماكن أخرى.

في الخطوة الأولى من المقياس، "المستوى الأول"، يقدم العلماء تلميحات عن بصمة الحياة، مثل الجزيء ذي الصلة بيولوجياً. ومن الأمثلة على ذلك القياس المستقبلي لبعض الجزيئات على المريخ التي يحتمل أن تكون مرتبطة بالحياة. بالانتقال إلى "المستوى الثاني"، سيضمن العلماء أن الاكتشاف لم يتأثر بالأدوات الملوثة على الأرض. في "المستوى الثالث" سيوضحون كيف تم العثور على هذه الإشارة البيولوجية في بيئة تمثيلية، مثل قاع بحيرة قديمة على الأرض تشبه موقع هبوط عربة Jezero Crater.

لإضافة دليل إلى منتصف المقياس، سيقوم العلماء بتكميل هذه الاكتشافات الأولية بمعلومات حول ما إذا كانت البيئة يمكن أن تدعم الحياة، مع استبعاد المصادر غير البيولوجية. بالنسبة إلى المريخ على وجه الخصوص، يمكن أن تساعد العينات التي يتم إرجاعها منه في تحقيق هذا النوع من التقدم. ستعمل المثابرة قريباً على جمع العينات وتخزينها بهدف إعادة المهمة المستقبلية لهم يوماً ما. ونظراً لأن الفرق المختلفة على الأرض ستتاح لها الفرصة للتحقق بشكل مستقل من تلميحات الحياة في عينات المريخ باستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات، فإن مجموعة أدلة يمكن أن تحقق "المستوى السادس"، ثاني أعلى خطوة على المقياس. ولكن في هذا المثال، للوصول إلى المستوى السابع، وهو المعيار الذي سيكون العلماء على يقين من أنهم اكتشفوا الحياة فيه على المريخ، قد تكون هناك حاجة إلى مهمة إضافية في جزء مختلف من الكوكب.

ينطبق هذا المقياس أيضاً على الاكتشافات من خارج النظام الشمسي؛ حيث يُعتقد أن الكواكب الخارجية، وهي كواكب خارج نظامنا الشمسي، يفوق عددها ثلاثمائة مليار نجم في مجرة ??درب التبانة. لكن دراسة الكواكب الصخرية الصغيرة أصعب من دراسة الكواكب الغازية العملاقة. وستكون المهمات والتقنيات المستقبلية ضرورية لتحليل الغلاف الجوي لكواكب بحجم الأرض مع درجات حرارة شبيهة بالأرض، تتلقى كميات كافية من ضوء النجوم للحياة كما نعرفها. يُعد تلسكوب جيمس ويب الفضائي، الذي سيتم إطلاقه في وقت لاحق من هذا العام، التقدم الكبير التالي في هذا المجال. لكن من المحتمل أن يتطلب الأمر تلسكوباً أكثر حساسية لاكتشاف مجموعة الجزيئات التي تشير إلى الحياة.

سيكون اكتشاف الأكسجين في الغلاف الجوي لكوكب خارج المجموعة الشمسية، وهو كوكب خارج نظامنا الشمسي، خطوة مهمة في عملية البحث عن الحياة. نحن نربط الأكسجين بتنفس النباتات، ولكن هناك أيضاً عمليات جيولوجية تولد الأكسجين، لذلك فهو ليس دليلاً بحد ذاته على الحياة. للتحرك صعوداً على المقياس، يمكن لفريق المهمة إثبات أن إشارة الأكسجين لم تتلوث بالضوء المنعكس من الأرض ودراسة كيمياء الغلاف الجوي للكوكب لاستبعاد التفسير الجيولوجي. كما أن دليلاً إضافياً على وجود بيئة تدعم الحياة، مثل المحيط، من شأنه أن يعزز حالة أن هذا الكوكب الافتراضي مأهول.

يتوق العلماء الذين يدرسون الكواكب الخارجية للعثور على كل من الأكسجين والميثان، وهما مزيج من الغازات في الغلاف الجوي للأرض يشير إلى وجود الحياة. نظراً لأن هذه الغازات ستؤدي إلى تفاعلات تلغي بعضها البعض ما لم تكن هناك مصادر بيولوجية لكليهما، فإن العثور على كليهما سيكون معلماً رئيسياً في "المستوى الرابع".

للوصول إلى المستوى الخامس، سيحتاج علماء الفلك إلى اكتشاف ثان مستقل لبعض إشارات الحياة، مثل الصور العالمية للكوكب بألوان توحي بوجود الغابات أو الطحالب. وسيحتاج العلماء إلى تلسكوبات إضافية أو ملاحظات طويلة المدى للتأكد من أنهم وجدوا الحياة على كوكب خارج المجموعة الشمسية.

يؤكد مؤلفو الدراسة على أنه لا ينبغي اعتبار المقياس سباقاً نحو القمة. يؤكد المقياس على أهمية الأساس الذي وضعته العديد من بعثات ناسا دون الكشف المباشر عن الإشارات البيولوجية المحتملة، مثل توصيف البيئات على الأجسام الكوكبية الأخرى.

ستوفر البعثات القادمة المتجهة إلى المشتري في وقت لاحق من هذا العقد، وكذلك البعثة المتجهة لاستكشاف قمر زحل الضخم، معلومات حيوية حول البيئات التي قد يوجد فيها شكل من أشكال الحياة يوماً ما.

وأنهت فويتك: "مع كل قياس، نتعلم المزيد عن العمليات الكوكبية البيولوجية وغير البيولوجية. ولكن البحث عن الحياة خارج الأرض يتطلب مشاركة واسعة من المجتمع العلمي وأنواع مختلفة من الملاحظات والتجارب. معاً، يمكننا أن نكون أقوى في جهودنا للبحث عن إشارات وأدلة بأننا لسنا وحدنا".

-----

ترجمة عن موقع: SeiTechDaily