إن هيئة الجودة والاعتمادية ليست وليدة اليوم، ولكن كانت هناك صعوبة في تطبيق معايير الجودة والاعتمادية بسبب الأسلوب الذي أديرت به المنظومة. ولهذا كان هناك توجه للنظر بالمحصلات انطلاقاً من كون طلاب الثانوية الذين يحملون علامات عالية سوف يعطون مخرجاً جيداً، وكذلك لتطوير المناهج.

ينظر اليوم إلى الجودة وإصلاح التعليم العالي على أنهما وجهان لعملة واحدة، بحيث يمكن القول إن الجودة الشاملة هي التحدي الحقيقي الذي ستواجهه الجامعات في العقود القادمة، لكون المعايير هي أساس المفاضلة والتميز وهي مفتاح ضمان الجودة وتحقيقها.

بهذا التوجه تتابع الكليات الطبية بجامعة دمشق مشوارها مع الاعتمادية والجودة، وخاصة بعد صدور القرار 33 بإحداث الهيئة الوطنية للجودة والاعتمادية في التعليم العالي، لضمان بقائها على الطريق الصحيح وتعزيز التنافسية وتعزيز الثقة بالمخرجات التعليمية والبحثية محلياً وعالمياً وبيان جوانب القصور في أدائها. حيث يرى غالبية الباحثين أن الجودة تبدأ من التقييم الذاتي، لكونه الصورة التي يُكونها المختصون عن مؤسساتهم من خلال استقصاء البيانات والمعلومات وفحص واقع حال الكلية وإظهار مواطن القوة والضعف والفرص والتحديات وكيفية معالجة السلبيات.

الدكتورة لمى يوسف

دلائل مؤثرة

كلية طب الأسنان

تشير الدكتورة لمى يوسف عميدة كلية الصيدلة بجامعة دمشق، إلى وجود عدة أنوع للتقييم منها المؤسسي والبرامجي والفردي والمقارن وتقييم المستفيدين، وهو أمر ضروري لكونه يحدد الثغرات التي تحتاج إلى معالجة، ويحول البيانات إلى مؤشرات ودلائل تساعد في وضع السياسة العلمية للباحثين والدارسين، وتمهد للاعتمادية على المستوى الوطني والعالمي، مبينة أنه في سورية وقبل الحرب كانت هناك مجموعة من التحديات التي واجهت هذا الأمر، ومنها زيادة الطلب على التعليم العالي، فظهرت مشكلة لالتحاق ومشكلة التموين، وبالتالي فإن التحديات الجديدة التي يواجهها التعليم الطبي أثناء الحرب وبعدها، يتمثل بدمار البنى التحتية الذي لحق بقطاع التعليم العالي وتوقف العمل في بعض الجامعات وانتقال الجامعات الخاصة من مقراتها الأساسية، والعبء الذي تشكله منظومة التعليم الخاصة، لأنها حتى الآن لم تتمكن من تأمين كوادر تعلميه خاصة بها أو مشافٍ لتدريب طلابها. إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الناجحين في الثانوية العامة الذي يتوجب على التعليم العالي استيعابهم وما يسببه ذلك من خلل بين المقبولين والإمكانيات، وأيضاً خسارة الجامعات لنسبة هامة من أعضاء الهيئة التعليمة الذين تركوا الجامعات وتوجهوا نحو الخارج.

ليست جديدة

وتتابع اليوسف قائلة: إن هيئة الجودة والاعتمادية ليست وليدة اليوم، ولكن كانت هناك صعوبة في تطبيق معايير الجودة والاعتمادية بسبب الأسلوب الذي أديرت به المنظومة التي غلبت عليها أساليب إطفاء الحرائق على القرارات. ولهذا كان هناك توجه للنظر بالمحصلات انطلاقاً من كون طلاب الثانوية الذين يحملون علامات عالية سوف يعطون مخرجاً جيداً، وكذلك لتطوير المناهج. وقد وضعنا المعايير لذلك دون أن نبدأ من الصفر، حيث يتم اعتماد النقدية في الكليات وتحسين التنافسي بينها والتقييم من قبل الأقران ونشر ثقافة الجودة، ومراجعة معاييرالـ ners.

على وشك الوصول

نقاط مضيئة حول الاعتمادية والجودة في سورية، أظهرها الدكتور أسامة الجبّان عميد كلية الصيدلة بجامعة دمشق، عملت عليها الكلية منذ عام 2010 حيث تشكلت لجنة في الكلية أنجزت التقرير الذاتي المخصص بالواقع المؤسسي والأكاديمي للكلية بما يعادل 233 صفحة تضمن كل شيء، ويتم حالياً العمل على تعديله في موضوع الخطة الدرسية، وإضافة المخابر والعيادات الجديدة التي أنجزت خلال الفترة الأخيرة، ليتم رفعه إلى هيئة الجودة والاعتمادية في التعليم العالي. مبيناً أنه منذ ذلك الوقت والعمل مستمر على موضوع الجودة، وقد كانوا على وشك الوصول إلى الاعتمادية الأوروبية، وبالتالي كانت الجهود مميزة وتساعد للانطلاق بقوة وخاصة بعد تحقيق المعايير المطلوبة ووجود الاعتمادية المؤسساتية التي ستقوم بها الهيئة المحدثة، بحيث يستمر العمل على الاعتمادية الأكاديمية التي تمنح التعليم المتخصص والمهنية، وتبين قدرة الشخص المتخرج على أداء العمل المهني.

وبيّن الدكتور الجبان ضرورة قياس الأداء لجميع المراحل الدراسية في الإجازة والدراسات العليا من خلال العديد من الاستبيانات التي تم وضعها وعرضها إلكترونياً. الأمر الذي يسهل المعالجة وتقديم النتائج، بالاستفادة من موقع الكلية وموقع الهيئة لتغذية النتائج وتسهيل هذا العمل.

معايير أوروبية

أشار الدكتور زهير مرمر عميد كلية العلوم الصحية بجامعة دمشق إلى أن الاعتمادية لا تهتم فقط بالمنتج النهائي للعملية التعليمية، بل بكل مقومات المؤسسة التعليمة التي تؤهلها للاعتراف بها. وهي الخطوة الأولى لضمان جودة التعليم، وطبعاً تتضمن البناء والبنى التحتية وأعضاء الهيئة التدريسية، وصلاحية البرامج لتحقيق الوظيفية الأكاديمية وفقاً لمعايير محددة وقابلة للقياس. لافتاً إلى ضرورة الاستناد على الجودة لكونها الخطوة الأولى للاعتمادية، وهي تمثل مجموع السياسات والهياكل التنظيمية المتميزة باستخدام كافة الموارد المادية والبشرية لتحسين الأداء والخدمات.

وتحدث مرمر عن وجود معايير أوروبية شاملة لهذه الاعتمادية، تتعلق بالقبول والكادر التدريسي وسياسات تقييم الطلاب، والبحث العلمي والبرامج التدريسية وفقاً لتصنيفات عالمية لها شهرتها وكل منها يعتمد مؤشرات مختلفة في تقييم الجامعات، إلا أن هناك تقاطعات بينها. وهنا يتوجب علينا الاطلاع على هذه التجارب لكي نأخذ قيمة كل منها. فقد بيت التجارب أن التصنيفات العالمية تحتاج إلى زيادة درجات تأثير الاستشهادات وزيادة معدل النشر العالمي والتعامل العلمي مع الصناعة وجودة التعليم وحجم التعاون الدولي وسياسات البحث العلمي والتعامل مع الباحثين من دول العالم المختلفة. وهذا يستدعي الانتباه في جامعاتنا إلى موضوع الاستشهاد والنشر باسم الجامعة وليس بأسمائهم الخاصة، ونشر ثقافة المنفعة العامة للبحوث، والعمل على توفير الوسائل التدريسية الحديثة واتباع أساليب التدريس التفاعلي التي ترفع من السوية العلمية للطالب، واتباع طرق محدثة للتقييم وتمكين المدرسين من التواصل مع جامعات عالمية وإجراءات مؤتمرات دولية في الجامعات وإنشاء تعزيز المواقع الإلكترونية لمديريات العلاقات الدولية.

ما بعد عام 2023

يؤكد الدكتور رائد أبو حرب عميد كلية الطب البشري بجامعة دمشق أنه منذ عام 2010 تم وضع شروط لاعتماد الكليات الطبية اعتباراً من بداية عام 2023 التي وضعت من قبل الـ بي أي سي وهي المسؤولة عن الكفاءة العلمية للأطباء الراغبين في متابعة الاختصاص من كليات الطب في مختلف الجامعات العالمية لتحسين جودة التعليم الطبي عالمياً، حيث كان يتم الاعتماد سابقاً على تصنيف بسيط هو جدول منظمة الصحة العالمية، بمعنى أن الأمر ليس متعلقاً بسورية، وعليه فإن عدم الحصول على هذه الاعتمادية يفقد شهادتنا مصداقيتها بالنسبة إلى دول أوروبا وأمريكا.

ويتابع أبو حرب قائلاً إن الشروط التي وضعت لمعايير تقييم التعليم الطبي في جامعات العالم وتدريب الطلاب بالشكل الأمثل، ليست جديدة ولكن لم تُتبع لدينا، وما يفصلنا عنها هو عامين فقط. وعليه فإن ما يتوجب على كل طبيب يتقدم على شهادة بي أس أم جي بدءاً من عام 2024 أن يكون متخرجاً من إحدى كليات الطب المعتمدة من قبل وكالة اعتماد محلية معترف بها رسمياً من قبل الاتحاد العالمي للتعليم الطبي. وهذا يعني أنه بعد عامين من الآن يجب أن تكون كليات الطب السورية معتمدة من قبل هيئة الجودة والاعتمادية التي أصبحت موجودة لدينا في سورية، وأن يتم التواصل مع الـ wwfe من قبل هذه الوكالة المحلية. ويصبح خريجو الكليات الطبية مؤهلين لدخول امتحانات الـ بي اس أم جي والتي هي الخطوة الأولى للحصول على الشهادة وإجراء الامتحانات ضمن الشروط الخاصة باعتمادية الكلية.

وبهذا يتضح أن موضوع الاعتمادية للطبيات قبل عام 2023 تختلف عما بعده، فالطلاب الذين قدموا أوراقهم قبل هذا التاريخ يسمح لهم، لأن كلية الطب في جامعة دمشق معتمدة. ولكن بعده، يجب أن تكون الجامعة معتمدة وفقاً للمعايير الجديدة. ومن هنا تأتي أهمية الهيئة المحلية الخاصة بالجودة التي أحدثت مؤخراً في سورية للتواصل مع الوكالة العالمية للاعتمادية، وفي وضع القواعد الاعتمادية العلمية المبنية على رؤية الجامعة أو الكلية وآلية القبول وقياس جودة العملية التعليمية على الصعيد الأكاديمي والبحث العلمي والتطبيق المجتمعي، وإجراء الامتحانات الوطنية لمنتجات هذه الجامعات والقيام بجولة تدقيقية ميدانية للتأكد من مصداقية الاعتماد ومطابقته للشروط الموضوعة.