زاد الاهتمام العالمي بموضوع المستخلصات النباتية لاستخدامها بديلاً عن المبيدات الكيماوية التي أثبتت ضررها وخطرها على البيئة وصحة الإنسان، ليس فقط في مجال الصيدلانيات والعقاقير الدوائية بل في عدة اتجاهات.

بدأ العلماء والمؤيدون لاستخدام التقانة الحيوية في السنوات الأخيرة، بالتأكيد على أنها المخرج الوحيد لزيادة الإنتاج والقضاء على الجوع وحل المشاكل الناجمة من الاستعمال المكثف للكيماويات في الزراعة. فقد حملت الدراسات الحديثة معها الكثير من الإثباتات عن دور المكافحة الحيوية في الحفاظ على البيئة وصحة الإنسان، خاصة بعد ظهور مخاطر المبيدات وما سببته من تدمير للتوازن البيولوجي للكون. إذ تعتبر التقانة الحيوية بمعناها الواسع، أي تقنية تستخدم كائنات حية أو مواد من تلك الكائنات لإنتاج وتعديل مستخلصات تفيد في أغراض التحسين، والتي يمكن تطبيقها على جميع أنواع الكائنات من الفيروسات والبكتريا لدى النبات أو الحيوان. وقد عرّفت اتفاقية التنوع البيولوجي في عام 1992 التقانة الحيوية بأنها أي تطبيق تكنولوجي يستخدم نظماً بيولوجية أو كائنات حية أو مشتقاتها في صنع أو تعديل المنتجات.

ليس صعباً

يرى الدكتور خالد مكوك، رئيس تحرير مجلة "وقاية النبات العربية" التي تصدرها الجمعية العربية لوقاية النبات، أن جلّ الأبحاث العلمية تركز اليوم على البحث في مجال الفيروسات النباتية. ومن المواضيع المهمة التي عمل عليها في أبحاثه، هي المكافحة الحيوية للأمراض البكتيرية من خلال الفيروسات، مبيناً أن الموضوع ليس جديداً، وليس صعباً، ففي السنوات الأخيرة حصلت نقلة نوعية على مستوى العالم في هذا الجانب ودراسته ونشره، وهو مناسب لطلاب الدراسات العليا للتعرف أكثر على الإمكانيات التي يحدثها العالم في هذا المجال.

المكافحة الدكتور خالد مكوك

ومن الأمراض البكتيرية التي ذكرها الدكتور مكوك والموجودة في البيئة السورية، هي البكتريا التي تصيب النباتات، ومنها مرض (اللفحة النارية في التفاحيات) التي كانوا يستخدمون مركبات نحاسية كمبيدات للقضاء على البكتريا المسببة لها، ولكن بعد أن ظهرت أضرارها البيئية الكبيرة جداً، ذهبت الاتجاهات نحو استعمال الفيروسات الحية للقضاء على هذه البكتيريا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى البكتريا التي تصيب أشجار الزيتون ومنها ما يسمى (مرض عقد أو تدرن الزيتون). وبحسب التجارب التي أجريت عام 2004 واستخدام الفلاتر لعزل هذه البكتريا عن أشجار الزيتون، تبين إمكانية معالجتها عن طريق الفيروسات. وقد أكد الدكتور مكوك إمكانية القيام بهذا العزل محلياً وعدم الحاجة لاستيراد هذه الكائنات الحية من الخارج، خاصة وأن المخابر البحثية السورية تحتوي على عازلات رائحة. وهناك الكثير من قصص النجاح والتجارب لحالات وأصناف نباتية تم عزلها ضمن هذه المخابر وتمت الاستفادة منها.

ولفت رئيس تحرير "مجلة وقاية النبات" إلى أن الأمر لا يحتاج لأكثر من فريق عمل جماعي يمتلك الإرادة القوية، وخاصة أن الكثير من المقالات البحثية التي تأتي إلى المجلة من قبل الباحثين السوريين تهتم بالمكافحة الحيوية، وتبين أنها طريقة لضمان الإنتاجية العالية وتقليل مخاطر الاعتماد على استخدام المبيدات الكيماوية والمشاكل الناتجة عنها. وقد توجهت الشركات اليوم لإنفاق الأموال الكثيرة للبحث في مجال التقانة الحيوية والكائنات الدقيقة التي تستخدم في مكافحة الآفات، وصناعة المخصبات وزيادة الإنتاجية تحت شعار (التقانة الحيوية هي مستقبل الزراعة).

المكافحة بالرش

مضادات طبيعية

بسام عودة

أشارت الدكتورة رندة أبو طارة اختصاصية في المكافحة الحيوية ومدرسة بكلية العلوم بجامعة دمشق، إلى الاهتمام العالمي بموضوع المستخلصات النباتية لاستخدامها بديلاً عن المبيدات الكيماوية التي أثبتت ضررها وخطرها على البيئة وصحة الإنسان، ليس فقط في مجال الصيدلانيات والعقاقير الدوائية بل في عدة اتجاهات. وقد بينت أهمية استخدام مستخلصات النباتات الطبية والعطرية الموجودة في البيئة السورية للمساهمة في مجال مكافحة الآفات ومعالجة العديد من الأمراض التي يمكن أن تفوق فعاليتها فعالية المنتجات الكيماوية.

وبحسب الباحثة فإن جميع الدراسات اليوم تسير في هذا الاتجاه، منها الأبحاث المتعلقة بزراعة نبات الزعفران التي دخلت إلى سورية مؤخراً، بعد أن أثبت فعاليته ضد الكثير من الأمراض النباتية وتبين أنه مضاد بكتيريا ومضاد فيروسي وفطري، إذ يكفي أن يزرع إلى جانب المزروعات الأخرى ليكون مضاداً حيوياً لها، وخاصة بعد أن أثبتت التحاليل بالطاقة الذرية أن مياسم الزعفران الذي زرع في البيئة السورية يحمل مواد فعالة تفوق ثلاثة أضاف المواد الفعالة التي يحملها الزعفران المزروع في العالم، وذلك لتوفر البيئة المناسبة لزراعته. وعليه يمكن استخدامه بطريقتين إما بالمياسم التي يأخذ منها مستخلصات للمكافحة ومعالجة اعتلال الشبكية للعيون لدى الإنسان الناتجة عن مرض السكري، أو معالجة الأورام السرطانية وفقاً للدراسات القائمة حالياً. أو بطريقة البتلات التي هي عالمياً تُهمل ولا يستخدمونها لأي شيء. ولكن بعد تحليلها محلياً تبين أنها تحمل زيوتاً ومواد ذات فعالية عالية يمكن استخدامها علاجاً للعديد من الأمراض، ومنها معالجة مرض اللايشمانيا والفطريات المسببة لوجود الحبة.

أبحاث جديدة

وفي حديثها حول الأبحاث الجديدة المتعلقة بالمكافحة الحيوية للأمراض عن طريق مستخلصات النباتات الموجودة في البيئة، بينت طارة: أن أي غذاء عليه بعض العفن يمكن أن يسبب السموم الفطرية الخطيرة، وبالتالي يمكن استخدام تأثير بتلات الزعفران للقضاء عليها. وهناك أبحاث مشابهة يتم العمل عليها حالياً في مخابر كلية العلوم وهي (مستخلصات الختمية الدمشقية) الموجودة بكثرة في سورية وبألوان مختلفة، ولا يوجد أي دارسة عنها حتى على المستوى العالمي، وقد تم الحصول على مستخلصاتها لدراسة مدى تأثيرها على نوعين من الفطور، وذلك ضمن المساعي المستمرة للابتعاد تماماً عن استخدام المبيدات الكيميائية وآثارها التي خربت التوازن البيئي وتسببت في ارتفاع أمراض السرطان بشكل كبير جداً ومستغرب لدى الأطباء.

استخدام المصائد

الدكتور بسام عودة من مركز البحوث بجامعة حمص، اختار شجرة الزيتون المباركة ليتحدث من خلالها عن أهمية المكافحة الحيوية للأمراض التي تصيب هذه الشجرة، وذلك لما لها من مكانة تاريخية وبيئية وغذائية وطبية هامة لدى الشعب السوري، لافتا إلى أن أحد الآفات الرئيسية والخطرة التي تصيب هذه الشجرة هي الذبابة، والتي جرت العادة لدى المزارعين باستخدام المبيدات الكيميائية للتخلص منها. في حين أثبتت الدراسات أهمية استخدام البدائل سواء اليدوية كالمصائد البلاستيكية الجاذبة للذباب والآمنة بيئياً على صحة الإنسان بشكل عام، أو المصائد اللاصقة أو المصائد الصفراء، أو مصائد ماكفون التي تبين أنها الأفضل بين تلك المصائد، وجميعها لا تحتاج إلى تكلفة كبيرة حيث توضع في هذه المصائد مواد غذائية يمكن الحصول عليها من الإرشاديات الموزعة في كل المناطق الريفية والتي تتغذى عليها الذبابة ومن ثمة تموت.

وبيّن عودة أن المكافحة الحيوية هي أحد الوسائل الناجحة ضمن برنامج مكافحة متكامل للأمراض النباتية وهى البديل الآمن للمبيدات الكيميائية التي استخدمت لفترات طويلة وأدت إلى ظهور العديد من الأمراض الفتاكة والخلل في التوازن البيولوجي.

الأثر السيئ

هذا ويرى الباحثون أن استعمال الكيماويات في الزراعة خلال الأربعين السنة الماضية كان أساسياً وأدى إلى زيادة الإنتاج، حيث تميزت هذه المبيدات الكيمائية بفعالية ناجعة وسريعة وبثمن ليس مرتفعاً وسهولة في التطبيق، لكنها أعطت سمية واسعة حيث تخلصت من الآفات والحشائش بنسبة 100% . وقد صاحبتها آثار صحية سيئة للمزارعين وسكان الريف، وكذلك التلوث البيئي للأطعمة، ومياه الشرب، وصاحبها تدمير الحياة البرية، وعليه ينتقل العالم إلى التقانة الحيوية كوسيلة حديثة ومعجزة في الإنتاج الزراعي.