وصلت كلية طب الأسنان إلى الترتيب رقم 11 على مستوى الوطن العربي، والترتيب رقم 26 على مستوى الشرق الأوسط، وهي مرتبة متقدمة إذا ما عرفنا أن هناك جامعات إيرانية وتركية وأخرى من فلسطين المحتلة شاركت في هذا التقييم.

يؤثر طبيب الأسنان في حياة الناس بشكل مباشر، ويعمل على جلب الراحة لهم بتخليصهم من آلام الأسنان وتشوهاتها، ويمنح الشخص المظهر الجمالي. فيجمع بين العلم الأكاديمي والمعارف العملية المجتمعية والعامة من مزاولة المهنة في عيادته الخاصة ومكانته العلمية والأكاديمية في الجامعات والمراكز البحثية. لهذا الاختصاص تاريخ مميز في سورية، فبعد مرور أكثر من مئة عام على افتتاحه، نجد كيف أن خريجيه يتمتعون بمكانة متميزة على المستوى المحلي والإقليمي وحتى العالمي.

كانت لـ "البوابة المعرفية" وقفة مع الذاكرة العلمية لهذا الاختصاص الذي صادف أن احتفلت كلية طب الأسنان بجامعة دمشق بالعيد الذهبي لافتتاحه. وبحسب الدكتور أسامة الجبان عميد الكلية فإن فكرة تأسيس النواة الأولى لكلية طب الأسنان يعود لعام 1919 حيث نصت إحدى مواد القانون الأساسي للمعهد الطبي على السعي لإيجاد فرع لطب الأسنان ملحق بالمعهد، فتم استدعاء أطباء الأسنان الممارسين في القطر لعمل دورة تدريبية منحوا بعدها وثيقة تسمح لهم بممارسة المهنة بشكل قانوني وكان مجموعهم آنذاك 43 متمرناً. وقد تحققت هذه الفكرة بعد مرور عامين أي عام 1921 حينما وافقت مديرية المعارف العامة على تأسيس شعبة طب الأسنان في التكية السليمانية، وجعلت مدة الدراسة فيها أربع سنوات، ينال الطالب في نهايتها درجة دكتور في طب الأسنان وجراحتها، فكانت الدفعة الأولى التي تخرجت من هذا الاختصاص في سورية عام 1925.

كلية طب الأسنان

منعطف حيوي

وتابع الجبان حديثه قائلاً: بذلت رئاسة المعهد الطبي منذ افتتاح الشعبة السنية جهوداً كبيرة في تجهيز عيادات ومخابر بأفضل ما توفر من معدات وأدوات في ذلك الوقت، كما تمكنت من تذليل الصعوبات الكثيرة التي اعترضتها وخاصة فيما يتعلق بتوفير الكادر التدريسي، حيث كان عدد الأساتذة قليلاً جداً، ولهم يرجع الفضل الكبير في وضع اللبنة الأولى في تأسيس الكلية فيما بعد، لافتاً إلى أن التطور الملحوظ الذي شهدته الشعبة كان عام 1942 عندما انتقلت إلى الطابق الأرضي العائد لأحد أبنية المستشفى الوطني، لتصبح قسماً تابعاً لكلية الطب البشري، والذي أصبح فيما بعد كلية مستقلة عام 1959. فكان ذلك عاملاً هاماً في تطورها ونموها وجعلها كياناً مستقلاً. وعلى الرغم من صغر البناء وضيق الأمكنة في تلك الفترة،فقد استطاع العاملون في الكلية من أساتذة وتقنيين تطوير الكلية ورفع مكانتها والسهر على تثقيف وتدريب الطلاب الذين وفدوا إليها من أنحاء الوطن العربي ليتخرجوا ويمارسوا المهنة كأعضاء عاملين. كما تم إرسال عدد كبير منهم إلى الخارج للتزود بالعلم والمعرفة والحصول على الشهادات العلمية الاختصاصية. وبالفعل عادوا كأعضاء في الهيئة التدريسية ولا يزال بعضهم حتى الآن يؤدون الدور الإنساني العظيم لرفع المستوى العلمي للطلبة وتخريج أطباء أسنان لديهم مخزون كبير من الخبرة يلبون حاجات المواطن الصحية والسنية.

أكثر من ذاكرة

يبين الجبان: أن طب الأسنان في سوريا ليس فقط ذاكرة فهو فرع من فروع الطب، ويختص بدراسة وتشخيص ومعالجة أمراض الفم والوجه والفكين والأسنان والأنسجة المحيطة بها ويتفرع إلى العديد من الاختصاصات منها معالجة وإصلاح الأسنان، والتعويضات السنية والتقويم، والجسور الثابتة والزراعات الوقائية، وجراحة الفم والوجه والفكين، وطب أسنان الأطفال، وأمراض اللثة؛ إذ يقترب عدد طلاب الدراسات العليا في الكلية حالياً إلى 900 طالب وطالبة ما بين طلاب دكتوراه وطلاب ماجستير بحثي، وطلاب ماجستير من السنة الأولى والثانية، بالإضافة إلى وجود 9 ماجستيرات أكاديمية في: التقويم والتعويضات الثابتة، علم النسج حول السنية، التعويضات متحركة المداواة، طب الفم، وتعويضات الأسنان المتحركة وقسم الجراحة وقسم طب أسنان الأطفال، إضافة إلى وجود ماجستير وتخصص تجميلي يتبع إدارياً لقسم المداواة وقسم التعويضات الثابتة.

رقم 11

يشهد لهذه الكلية متابعة القائمين عليها على عملية التطوير. فمنذ عشر سنوات والعمل مستمر لإعداد خطة درسية جديدة لطلاب الدراسات العليا تكون مميزة. وقد أكد عميد الكلية على موضوع تشجيع النشر الخارجي وبراءات الاختراع مع ما قامت به الكلية من اعتماد مجموعة متخصصة بالنشر الخارجي لمساعدة جميع طلاب الدراسات العليا للنشر في مجلات دولية محكمة، وسيكون جميع طلاب الدكتوراه في الكلية ملزمين بذلك، لما يحققه من فائدة كبيرة في رفع ترتيب الجامعة وخاصة بعد أن وصلت كلية طب الأسنان إلى الترتيب رقم 11 على مستوى الوطن العربي، والترتيب رقم 26 على مستوى الشرق الأوسط، وهي مرتبة متقدمة إذا ما عرفنا أن هناك جامعات إيرانية وتركية وأخرى من فلسطين المحتلة شاركت في هذا التقييم. ولفت الجبان إلى أهمية الحصول على هذا المركز رغم الظروف الصعبة ورغم الحصار، وكيف استطاعت الكلية المحافظة على مجموعة متميزة من طلاب الدكتوراه، إضافة إلى افتخارها بأن جزءاً كبيراً من خريجيها الموجودين في المهجر أصبحوا متسلمين لمراكز بحثية عالمية وجامعات مرموقة.

مخبر الديجيتال

من المقاييس الهامة للتطور العلمي والبحثي في الكلية، هو توفر المخابر الحديثة. وقد أشار عميد الكلية إلى وجود عشرة مخابر مخصصة لطلاب المرحلة الجامعية الأولى، إضافة إلى وجود مخابر علم الحياة وقسم الأسس والتشريح المرضي لتخديم طلاب الدراسات العليا. وقد تم في عام 2020 افتتاح مخبر المجاهر بطاقة تدريبية استيعابية عالية لتدريب طلاب الدراسات العليا لمرحلة ما قبل السريرية باستخدام المجهر.وتضع الكلية حالياً اللمسات الأخيرة لافتتاح مخبر طب الأسنان المحوسب الديجيتال دين كستري الذي يعنى بالتحول الرقمي في طب الأسنان، وهو مخصص لطلاب المرحلة الجامعية الأولى. لافتاً إلى التطور الكبير الذي شهدته الكلية خلال السنوات الأخيرة من حيث نوعية الأبحاث والمواد والأجهزة ومواكبة التطور العالمي وخاصة في علم مداواة الأسنان واستعمال التكبير الذي ساهم في تحقيق نجاحات كبيرة بالمعالجات. وهناك أبحاث بالزرع والتجميل والمداواة اللبية وطب أسنان الأطفال. وما تنتجه من مشاريع تخرج تصل إلى 100 رسالة ماجستير كحد أدنى في العام، منها عشرين مشروعاً حول طب الأسنان التجميلي.

بالعربية

تفتخر كلية الطب الأسنان شأنها شأن باقي كليات الجامعة بأنها اتخذت العربية منذ نشأتها لغة التأليف والتدريس.فبالعربية تؤلف الكتب وتلقى المحاضرات، وهذا ما أعطى البرهان الساطع على قدرة لغتنا الفصحى على استيعاب العلوم بما تملكه من مصطلحات كثيرة ومتزايدة باستمرار، كما تفخر بأن أحد أساتذتها وهو الدكتور ميشيل خوري كان عضواً في مجمع اللغة العربية بالإضافة لكونه أستاذاً لمادة التشخيص. ولدى مراجعة جنسيات الطلاب الذين درسوا في الشعبة منذ تأسيسها عام 1959 تبين أنهم أتوا من كل حدب وصوب من العراق والأردن ومصر ولبنان والسعودية بالإضافة إلى الطلاب السوريين، وكان لذلك اللبنة الأولى في نشر تعريب العلوم الطبية، إذ كانوا دعاة التدريس باللغة العربية، وهذا ما يبرز الدور الذي لعبته هذه الكلية في تزويد الأقطار العربية بأطباء أسنان درسوا في جامعة دمشق.