يركز البحث على عملية التوطين كونها تحسين واقع الإنتاج المحلي من خلال توفير في فاتورة القطع الأجنبي والحفاظ على استقرار الصناعة المحلية.

يُعرف التوطن الصناعي بأنه قيام صناعة معينة في مكان معين، حيث يكون لها أهمية نسبية أكثر من تلك التي تتمتع بها الصناعات الأخرى في بقية المناطق، والتوطن الصناعي يعني انتقاء المكان الملائم للمصانع بواسطة توظيف الموقع على المستويين الإقليمي والمحلي. وقد جاءت نظرية مساحة السوق (ليندار) للإجابة على السؤال الخاص بماهية التوطن الصناعي من خلال توفير المواد الأولية محلياً والتقليل من السعر، وكانت قبلها نظرية ألفريد فيبر عالم الاقتصاد الألماني صاحب كتاب "نظرية توطن الصناعات" عام 1909، والذي ترجم إلى اللغة الإنجليزية سنة 1929، وأصبح مرجعاً لدراسة التوطن بتزايد أهمية الصناعة في تكوين التجمعات البشرية الجديدة. ويهدف فيبر في هذا الكتاب إلى شرح توطن النشاط الصناعي على ضوء ثلاث متغيرات اقتصادية هي: تكاليف النقل، وتكاليف العمل والوفرة الناجمة عن التركز الصناعي، وأسس شرحه على إيجاد أدنى تكلفة لتوطن الإنتاج الصناعي.

إشباع حاجة الإنسان

وفي بحثه الذي تم اعتماده من قبل الهيئة العليا للبحث العلمي بدمشق لتمويله، تحت عنوان (التوطين الصناعي لمواد مستخدمة في الصناعات النسيجية والكيميائية والنفطية كبدائل للمستوردات) يبين الدكتور والباحث عمار ملي أن المواد الأولية ليست هي دائماً المواد الخام التي تستخرج من الأرض أو تأخذ من الطبيعة، إذ إن الصناعة التحويلية تقوم بتغيير شكل أو حالة المادة الأولية لخلق أو زيادة منفعتها للإنسان عن طريق العمليات الإنتاجية بأنواعها المختلفة أي قدرتها على إشباع الحاجات البشرية. وإن الدور الذي يمكن أن تؤديه المادة الأولية في تحديد مواقع الصناعات أو المشاريع، يأتي من خلال نسبة مساهمتها في الكلفة الإجمالية للإنتاج. ومن هنا تأتي أهمية البحث حول توطين المواد لأهم الصناعات الموجودة في سورية والخاصة بالنسيج والصناعة الكيميائية والنفط. خاصة بعد أن أكدت الدراسات أن كلفة المواد الأولية تعد أهم عامل في الصناعة، فقد تصل نسبتها إلى النصف من إجمالي نفقات الإنتاج. وبالتالي: إن ضرورة وجود المادة الأولية كماً ونوعاً يعمل على تخفيض كلفة الإنتاج الصناعي ثم تخفيض كلف السلعة المنتجة، وبذلك تستطيع الصناعة الاستمرار والتوسع.

التوطين أثناء اعتماد البحث

الأهمية العلمية والتطبيقية

الدكتور عمار ملي

يركز البحث على تطوير عدد من مستلزمات الإنتاج الصناعي ضمن الإمكانيات المتوفرة محلياً، بحسب ما أكده الباحث ملي خاصة في ظل تضافر كافة الجهود في الوقت الراهن ولا سيما وزارة الصناعة، للوصول إلى منظومات صناعية متكاملة مبنية على الاقتصاد المعرفي. وقد لفت إلى الدور الداعم الذي تلعبه الهيئة العليا للبحث العلمي كجهة راعية لحركة البحث والتطوير في سورية، بالإضافة إلى أهمية الدور المحفز للجهات المعنية بالمخرجات البحثية، خاصة المؤسسة العامة للصناعات النسيجية.

يهدف المشروع لتوطين حزمة أولى من المواد التي تستخدم في تطبيقات متعددة وذات الاستهلاكات العالية في القطاعات الصناعية, مع التركيز على ربط مخرجات البحث العلمي بالأعمال الصناعية في القطاعين الخاص والعام.

ينصب البحث بشكل رئيسي على تصنيع عدد من المنتجات المستهدفة للتوطين كحزمة أولى أهمها: مانع ترسيب، أصبغة معلقة، عامل تبليل، كاسر استحلاب للمواد النفطية، محسنات الأيكتان ولواصق متنوعة بالاعتماد على المواد الأولية المتوفرة محلياً، وتشمل تطبيقاتها القطاع النسيجي وقطاع النفط والقطاع الكيميائي.

ما بعد المرحلة البحثية

إن العائق الرئيسي الذي يواجهه القطاع الصناعي يكمن في أن معظم المواد الكيميائية والمساعدة يتم استيرادها كمنتج نهائي من الخارج وتخضع لتقلبات الأسعار والمناخ السياسي. ولهذا نجد الباحث يركز على عملية التوطين كونها تحسين واقع الإنتاج المحلي من خلال توفير في فاتورة القطع الأجنبي والحفاظ على استقرار الصناعة المحلية. ويبين ملي أن المشروع سيتم بالتعاون مع القطاع الخاص وبرعاية ودعم الهيئة العليا للبحث العلمي وبإشراف وزارة الصناعة متمثلة بالمؤسسة العامة للصناعات النسيجية. ولدى الانتهاء من المرحلة البحثية وتجاوز المنتجات المرحلة الإختبارية، ستبدأ مرحلة الإنتاج الصناعي من خلال تامين تسهيلات مالية من القطاع الخاص وتوطين المنتجات في إحدى جهات القطاع العام ضمن إطار التشاركية.

يأمل الدكتور ملي أن يتمكن من إنجاز المرحلة البحثية والاختبارات للمنتجات خلال ستة إلى ثمانية أشهر، طبعاً إذ إن الأمر يتوقف على مدى الصعوبات التي ستواجه المشروع أثناء التنفيذ، وتتمثل بشكل رئيسي في الحاجة إلى إجراء بعض التغييرات في عمليات التصنيع نتيجة ظهور انحرافات عشوائية في البحث غير مخططة، بالإضافة إلى العوائق العامة التي تواجه البحث العلمي عموماً كتوفر السيولة المالية الكافية وفي الوقت المناسب، وسهولة الوصول إلى البنى التحتية المؤهلة لإجراء الاختبارات والمرونة الإجرائية لدى الانتقال إلى مرحلة الإنتاج الصناعي. ويتابع ملي: إن إنجاز البحث في كافة مراحله يعتمد على مجموعة من الباحثين في عدة اختصاصات تشمل الكيمياء والنسيج وهندسة المواد، ويتمثل دوري في البحث كعضو من مجموعة العمل ومدير تنسيقي للبحث.

الدرجات العلمية

حصل عمار ملي على بكالوريوس في هندسة كيمياء النسيج وعلوم الألياف، وماجستير في نظم المعلومات الإدارية، ودكتوراه في تخطيط سياسات العلم والتكنولوجيا. حيث بدأت مسيرته العملية بالعمل لدى الشركة العربية المتحدة للصناعة التابعة للمؤسسة العامة للصناعات النسيجية عام 2006 كمتدرب في قسم الصباغة والطباعة والتجهيز، ومن ثم عمل في عدة أماكن من مخبر الجودة إلى مهندس إشراف على العمليات في الأقسام الإنتاجية ومعاون مدير إنتاج وثم مدير إنتاج للشركة العربية المتحدة للصناعة. وفي نهاية عام 2020 "تم تكليفي مدير الرقابة الإنتاجية في المؤسسة العامة للصناعات النسيجية، ومن ثم معاون لمدير عام المؤسسة العامة للصناعات النسيجية".

المنشورات

للباحث عمار ملي عدد من المنشورات، وهي تأثير أدوار الجهات الفاعلة في انتقال التكنولوجيا على التعلم التكنولوجي, دراسة قطاع النسيج السوري، في مجلة إدارة تطوير التكنولوجيا, 2017.

وكذلك منشور حول اختبار التعلم التكنولوجي المنهجي لقطاع النسيج السوري، في مجلة سياسات العلم والتكنولوجيا, 2019. وهناك دراسة طبيعة منظومة التغيير التكنولوجي وآثار السياسات الصناعية لقطاع النسيج السوري. ومنشورات تتعلق بمؤتمر آسياليكس والمؤتمر الدولي لإدارة التكنولوجيا, 2017. وأخرى في مجلة إدارة تطوير التكنولوجيا, 2017.