لا تكشف الدراسة عن تأثير الفيزياء الشهير في سياق جديد فحسب، بل تُظهر أيضاً إمكانية دراسة التأثيرات الدقيقة في أنظمة الجاذبية.

إذا كنت مؤمناً بالخرافات، فإن وجود قطة سوداء في طريقك يعد نذير شؤم، حتى لو بقيت على مسافة منها. وبالمثل، في فيزياء الكم، يمكن للجسيمات أن تشعر بتأثير المجالات المغناطيسية التي لا تتلامس معها بشكل مباشر. فقد أظهر العلماء الآن أن هذا التأثير الكمي الغريب لا ينطبق فقط على المجالات المغناطيسية، بل وعلى الجاذبية أيضاً - وهي ليست خرافة.

يجب أن يمر الجسيم عبر مجال الجسيم المغناطيسي لكي يشعر بتأثيره. لكن في عام 1959، توقع الفيزيائيان ياكير أهارونوف وديفيد بوم أن الفكرة التقليدية لن تصح في سيناريو محدد. يمكن أن يؤثر المجال المغناطيسي الموجود داخل منطقة أسطوانية على الجسيمات - والإلكترونات، وما يماثلها - والتي لا تدخل الأسطوانة أبداً. في هذا السيناريو، ليس للإلكترونات مواقع محددة جيداً، بل إن "تراكباتها"، وفق حالات كمومية موصوفة تؤدي لاحتمالات ظهور الجسيم في مكانين مختلفين. يأخذ كل جسيم مكسور في وقت واحد مسارين مختلفين حول الأسطوانة المغناطيسية. على الرغم من عدم لمس الإلكترونات مطلقاً، وبالتالي عدم تطبيق أي قوة عليها، ولكن المجال المغناطيسي يغير نمط مكان وجود الجسيمات في نهاية هذه الرحلة، كما أكدت التجارب المختلف.

في التجربة الجديدة، تلعب نفس الفيزياء الغريبة دوراً في مجالات الجاذبية، حيث يقول الفيزيائي مارك كاسيفيتش من جامعة ستانفورد: "في كل مرة أنظر إلى هذه التجربة، أقول: "إنه لأمر مدهش أن تسير الطبيعة على هذا النحو".

أطلق كاسيفيتش وزملاؤه ذرات الروبيديوم داخل حجرة مفرغة طولها 10 أمتار، وجهوا عليها أشعة الليزر لوضعها في تراكب كمي متتبعاً مسارين مختلفين، وراقبوا كيف سقطت الذرات. والجدير بالذكر أن الجسيمات لم تكن في منطقة خالية من الجاذبية. بدلاً من ذلك، تم تصميم التجربة بحيث يمكن للباحثين تصفية تأثيرات قوى الجاذبية، وإظهار تأثير أهارونوف-بوم الخفي.

Bottom of Form

لا تكشف الدراسة عن تأثير الفيزياء الشهير في سياق جديد فحسب، بل تُظهر أيضاً إمكانية دراسة التأثيرات الدقيقة في أنظمة الجاذبية. على سبيل المثال، يهدف الباحثون إلى استخدام هذا النوع من التقنية لقياس ثابت الجاذبية لنيوتن بشكل أفضل، والذي يكشف عن قوة الجاذبية، وهو معروف حالياً بشكل أقل دقة من الثوابت الأساسية الأخرى للطبيعة.

إن ظاهرة ما يسمى بـ "التداخل" هي مفتاح هذه التجربة. ففي فيزياء الكم، تتصرف الذرات والجسيمات الأخرى مثل الموجات التي يمكن أن تضيف وتطرح، تماماً كما يحدث الاندماج بموجة أكبر في المحيط. في نهاية رحلة الذرات، أعاد العلماء ربط مساري الذرات بحيث تتداخل موجاتها، ثم قاسوا مكان وصول الذرات. تعتبر مواقع الوصول للقرص حساسة للغاية والتي تغير مكان هبوط قمم وقواعد الأمواج، والمعروفة باسم تحولات أو فروقات الطور.

في الجزء العلوي من حجرة التفريغ، وضع الباحثون قطعة كبيرة من التنغستن (وهو عنصر فلزي يستخدم لتقسية الفولاذ) كتلته 1.25 كغ. ولعزل تأثير أهارونوف-بوم، أجرى العلماء التجربة نفسها مع هذه الكتلة وبدونها، ولمجموعتين مختلفتين من الذرات التي أطلقت، إحداهما طارت بالقرب من الكتلة، والأخرى طارت بشكل منخفض أكثر. تم تقسيم كل مجموعة من هاتين المجموعتين من الذرات إلى تراكبات، حيث يمر أحد المسارين بمسار أقرب إلى الكتلة من الآخر بمسافة فاصلة تصل إلى حوالي 25 سم بينهما. وأحاطت مجموعات أخرى من الذرات بالقطعة من الخارج. وبمقارنة كيفية تداخل المجموعات المختلفة من الذرات، سواء مع أو بدون كتلة التنغستن، فقد ظهر انزياح في الطور لم يكن بسبب قوة الجاذبية، ولكن بسبب تمدد الوقت، وهي سمة من سمات نظرية النسبية العامة لآينشتاين في الجاذبية، والتي تتحدث عن بطء مرور الوقت أكثر من الحال مع جسم ضخم.

لا تتوافق النظريتان اللتان تكمنان وراء هذه التجربة، النسبية العامة وميكانيكا الكم، بشكل جيد. ولا يعرف العلماء كيفية الجمع بينها لوصف الواقع. لذلك، بالنسبة إلى الفيزيائيين، كما يقول غولييلمو تينو من جامعة فلورنسا، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، "إن فحص الجاذبية باستخدام مستشعر الكم، هو حقاً أحد ... أهم التحديات في الوقت الحالي".

-----

ترجمة عن موقع: Science News