تستغرق أدمغتنا وقتاً ليس بالطويل لتحديثها مثلما يحدث مع حساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي. وتظهر دراسة جديدة تأخر معالجة المحفزات البصرية لـ 15 ثانية.

في عام 1998، أجرى باحثون من جامعة هارفارد وجامعة كينت دراسة استهدفت طلاباً في الحرم الجامعي لتحديد إلى أي مدى يلاحظ المرء بيئته المباشرة. في هذه التجربة، توجه أحد العاملين في فريق البحث إلى أحد الطلاب العابرين في الحرم الجامعي وسأله عن مكان ما داخل الجامعة. وبينما كان الشخص يصف للسائل كيفية الوصول إلى هذا المكان، جاء رجلان يحملان باباً خشبياً كبيراً ومرا من بينهما، بطريقة حجبت تماماً رؤيتهما لبعضهما البعض لعدة ثوان. وخلال ذلك الوقت، تم استبدال هذا الشخص (الباحث) بآخر مختلف تماماً في الشكل والطول والهيئة والزي. ولم يلاحظ نصف المشاركين في هذه التجربة عملية الاستبدال. كانت التجربة من أولى التجارب التي أوضحت ما يسمى بظاهرة "عمى التغيير" (عمى عدم الانتباه الناشئ عن تغير المشهد)، والتي تظهر مدى انتقائية ما نلاحظه من أي مشهد بصري معين، يبدو أننا نعتمد على الذاكرة ونمط الإدراك أكثر بكثير مما نعتقد!

يحدث "عمى التغيير" عندما يكون الشخص غير قادر على ملاحظة التغيرات البصرية في بيئته، على الرغم من أنها غالباً ما تكون واضحة إلى حد كبير.

تغيير الرؤية

مؤخراً أجرى عدد من الباحثين في جامعة كاليفورنيا دراسة تناولت هذا الموضوع، وخلصوا إلى أن أدمغتنا تعمل باستمرار على تحميل محفزات بصرية غنية أشبه بنشاطاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن بدلاً من رؤية أحدث صورة في الوقت الفعلي، نرى في الواقع إصدارات سابقة لأن الوقت الذي يستغرقه دماغنا للتحديث يصل لحوالي 15 ثانية، وفقاً لبحث جديد من جامعة كاليفورنيا.

تضيف النتائج، التي نُشرت في 12 كانون الثاني في مجلة Science Advances، إلى مجموعة متزايدة من الأبحاث حول الآلية الكامنة وراء "مجال الاستمرارية"، وهي وظيفة من وظائف الإدراك التي يدمج فيها دماغنا ما نراه على أساس ثابت لمنحنا الشعور بالاستقرار البصري.

قال كبير مؤلفي الدراسة أستاذ علم النفس وعلم الأعصاب وعلوم الرؤية بجامعة كاليفورنيا ديفيد ويتني: "إذا كانت أدمغتنا تتطور دائماً في الوقت الفعلي، فسيكون العالم مكاناً متوتراً مع تقلبات مستمرة في الظل والضوء والحركة، وسنشعر وكأننا نهلوس طوال الوقت".

عوضاً عن ذلك، قال المؤلف الرئيسي للدراسة أستاذ مساعد في علم النفس بجامعة أبردين في اسكتلندا وزميل سابق لما بعد الدكتوراه في مختبر ويتني في جامعة كاليفورنيا في بيركلي ماورو ماناسي، "إن دماغنا يشبه آلة الزمن. إنه يعيدنا بالزمن إلى الوراء. يبدو الأمر كما لو أن لدينا تطبيقاً يدمج المدخلات البصرية كل 15 ثانية في انطباع واحد حتى نتمكن من التعامل مع الحياة اليومية".

بالنسبة إلى الدراسة، نظر ماناسي وويتني في الآلية الكامنة وراء عدم ملاحظة التغييرات الطفيفة التي تحدث بمرور الوقت، مثل الاختلاف بين الممثلين أو الأخطاء الشنيعة التي تحدث في الأفلام.

لقد أجروا الدراسة على حوالي 100 مشارك متطوع وجعلوهم يشاهدون لقطات مقربة لوجوه تتغير وفقاً للأعمار أو الجنس في مقاطع فيديو بفواصل زمنية مدتها 30 ثانية. لم تتضمن الصور في الفيديوهات شعر الرأس أو الوجه، فقط العيون والحواجب والأنف والفم والذقن والخدين، لذلك سيكون هناك القليل من الدلائل، مثل انحسار خطوط الشعر، على أعمار الوجوه.

عندما طُلب من المشاركين تحديد الوجه الذي رأوه بعد مشاهدة الفيديو، اختار المشاركون بشكل متسق تقريباً إطاراً شاهدوه في منتصف الفيديو بدلاً من الأخير، والذي كان سيمثل الصورة الأكثر حداثة.

قال ويتني: "يمكن للمرء أن يقول إن دماغنا يماطل. إن تحديث الصور باستمرار يتطلب الكثير من العمل، لذا فهو يتمسك بالماضي لأن الماضي مؤشر جيد للحاضر. نحن نعيد تدوير المعلومات من الماضي لأنها أسرع وأكثر كفاءة وتحتاج لعمل أقل".

في الواقع، تشير النتائج إلى أن الدماغ يعمل بتأخر طفيف عند معالجة المنبهات البصرية، وهذا له آثار إيجابية وسلبية.

قال ماناسي: "التأخير عظيم لمنعنا من الشعور بعدد كبير من المدخلات البصرية في الحياة اليومية، لكنه يمكن أن يؤدي أيضاً إلى عواقب حاسمة تحدد فيها حياة أو موت عندما تكون هناك حاجة إلى دقة جراحية مثلاً. حيث يقوم أخصائيو الأشعة بفحص الأورام ويحتاج الجراحون إلى القدرة على رؤية ما هو أمامهم في الوقت الفعلي؛ فإذا كانت أدمغتهم متحيزة لما رأوه قبل أقل من دقيقة، فقد يفوتهم شيء ما".

قال ويتني إن ظاهرة عمى التغيير بشكل عام تكشف كيف أن مجال الاستمرارية هو وظيفة هادفة للوعي وماذا يعني أن تكون إنساناً. وأضاف: "نحن لسنا عميان بالمعنى الحرفي للكلمة. إن تباطؤ نظامنا البصري في التحديث يمكن أن يجعلنا عميان عن التغييرات الفورية لأنه يمسك بانطباعنا الأول ويجذبنا نحو الماضي. في النهاية وعلى الرغم من كل ما سبق ذكره إلا أن عمى التغيير يدعم مجال استمرارية تجربتنا في عالم مستقر".

----

ترجمة عن موقع: ScienceDaily