مشروع بحثي لتقديم حلول وتصاميم إنشائية وعمرانية لصناعة الإسمنت بأقل التكاليف وأفضل الأنواع، وذلك لتغطية احتياجات السوق المحلية.

يشكل موضوع إعادة الإعمار العمراني محوراً بحثياً هاماً يشغل عشرات الباحثين السوريين كل بحسب اختصاصه، لتقديم حلول وتصاميم إنشائية وعمرانية يأتي في مقدمتها صناعة الإسمنت بأقل التكاليف وأفضل الأنواع. وبحسب الباحث محمود إسماعيل، دكتوراه في كلية الهندسة المدنية اختصاص مواد البناء والتكنولوجيا والخرسانة، فهناك شقان يتم التركيز عليهما في الأبحاث المتعلقة بالجانب العمراني، الأول هو الاستفادة من الأنقاض الموجودة وإعادة تدويرها في المكان لإعادة استخدامها في رصف الطرقات أو ضمن الخلطات الخرسانية بنسب معينة بعد طحنها وفرزها، بحيث يمكن خلط هذه الحصويات بالخلطات البيتونية بشكل جزئي مع الحصويات الطبيعية المأخوذة من الصخور بشكل مباشر ضمن معادلة التدوير. خاصة بعد أن أثبتت الأبحاث ضرورة الابتعاد عن الحل الذي يقول بنقلها إلى مناطق بعيدة، لما يسببه ذلك من ضرر اقتصادي وبيئي، إضافة إلى أن هذه الكميات الكبيرة من الأنقاض سوف تشغل مساحات كبيرة من الأراضي وتخرجها من الاستثمار.

فجوة كارثية

ويشير الدكتور محمود إلى الشق البحثي الثاني، وهو تأمين مادة الربط الرئيسية (الإسمنت) وخاصة في ظل ما تعرضت له معامل الإسمنت في سورية مثلها مثل أي قطاع، من عمليات تخريب، أو نقص صيانة وصعوبة تأمين القطع والبدائل التي تهالكت مع الزمن، إذ إن أحدث معمل للإسمنت حالياً يعود لعام 1977، وعليه فإن الدراسة الحالية تتوجه إلى جودة الإسمنت والكميات الموجودة في الأسواق، ومدى كفايتها لتغطية الاحتياجات. وتدل المؤشرات إلى إنتاج كميات إسمنت تتراوح ما بين 15 وحتى 20 مليون طن سنوياً، في حين المتواجد في الأسواق لا يتجاوز الـ 4 مليون طن, وهذا يدل على وجود فجوة بين المتوقع إنتاجه وما هو مُنتج فعلياً.

معمل

يوضح الدكتور إسماعيل أن ذلك سوف يؤثر كثيراً على مرحلة إعادة الإعمار التي تحتاج كميات كبيرة للترميم والبناء. مشيراً إلى وجود مفارقة غريبة في ظل 33 ترخيصاً جديداً لمعامل الإسمنت بطاقة إنتاجية كبيرة قد تصل إلى 60 مليون طن سنوياً وهي أكثر من الحاجة بكثير. ويقول: إن هذا المنتج غير موجود على أرض الواقع حالياً، ولم يتم البدء بعمليات إنتاج هذه الكميات، ولكن تطبيق ذلك يعتبر كارثة بيئية واقتصادية، لأن إنتاج كميات كبيرة جداً من الأسمنت أكثر من الحاجة العمرانية لها، يعني حفر الكثير من الصخور واستهلاك المواد الطبيعية وتدمير البيئة. وفي النتيجة نحصل على مادة لا يمكن تخزينها لأكثر من ثلاثة أشهر، ولا يمكن تصديرها لوجود منافسة كبيرة في الأسواق المحيطة، إضافة إلى أن ذلك يخالف مبدأ التنمية المستدامة وحق الأجيال القادمة بهذه الثروات. وهذا ما يتم النظر إليه ضمن هذا البحث.

التخفيف من co2

يأتي الاهتمام بالبيئة ضمن أولويات الدراسة التي يعمل عليها الباحث في صناعة الإسمنت، مبيناً أن الإسمنت البورتلاندي العادي الذي يتم تصنيعه حالياً هو عبارة عن مواد ملوثة للبيئة لكونه يطلق غاز co2 بكميات كبيرة باعتباره ناتجاً عن أحجار كلسية، فمع كل طن من الإسمنت يتم إنتاجه، يقابله إطلاق طن من غاز الكربون في الهواء، وعليه فإن الدراسة تركز على وضع إضافات إسمنتية تخفف من كمية إطلاق غاز الكربون، وهي المادة البوزولانية الموجودة في سورية بكثرة ومتوفرة في المنطقة الجنوبية، وقد تم تجربتها في مرحلة سابقة بحدود 17% وكانت النتيجة هي تخفيف الكربون بنفس النسبة، إضافة إلى خفة تكلفتها لكونها لا تحتاج شيء سوى عملية تجفيف وطحن، بالتالي هي مادة ربط نظامية عند إضافتها إلى الإسمنت وصديقة للبيئة ومتوفرة دون أي تكلفة.

معمل إسمنت

أنواع ومخاوف

وأشار الدكتور إسماعيل إلى خطة بحثية جديدة لإنتاج أنواع أخرى من الإسمنت أكثر توفيراً يستفاد منها في الجدران والطينة، بحيث يُترك الإسمنت البيتوني للاستخدام في إنشاء الأسقف والقواعد والأعمدة، مبيناً أن هذا النوع من الإسمنت لا يحتاج إلى نسبة كبيرة إلى البورتلاند ومواده الأولية موجود بكثرة في سورية، وبالتالي يمكن إنتاج إسمنت رخيص جداً ويفي بالغرض، ولكن الذي يخيف في هذا الأمر ثقافة المجتمع الذي تركز على استخدام كيس الإسمنت لكل أنواع وأعمال البناء. إذ إن الإسمنت الجديد سيكون بمواصفات أقل من الإسمنت البيتوني ويستخدم لأعمال الإنشاء الخفيفة مثل الطينة وتشييد البلوك ولا يستخدم لعمليات البناء الأخرى كالأعمدة والقواعد والسقف. وعليه فإن الخوف كل الخوف من أن يستغل البعض أسعاره الرخيصة ويقوم باستخدامه لجميع عمليات البناء. وهنا يجب أن يكون الدور كبيراً لعملية التسويق والتوضيح والمراقبة في كيفية استخدامه ومواصفاته التي تتناسب مع الجدران والطينة فقط، تفادياً من حدوث الكوارث.

مجالان للإعمار

يعود الباحث ليؤكد وجود مجالين في إعادة الإعمار، وهما الاستفادة من الأنقاض والتدوير في المكان، التي لا تحتاج لأكثر من الكسارات والمناخ المناسب وعملية فرز أولية، وخاصة أن البودرة التي تخرج من عملية الفرز يمكن استخدامها في صناعة الإسمنت، في حين يمكن استخدام المادة الحصوية في الجبلة البيتونية وفي تعبيد الطرقات. والأمر الثاني هو الاهتمام بتصنيع مادة الإسمنت لكونها أساسية في العمران، وهي مسألة لا تحتاج لأكثر من تنظيم ورؤية جديدة في المحافظة على البيئة وخاصة أن المواد الأولية متوفرة بكثرة في سورية سواء كانت الصخور الكلسية والرمل والبازلت.

أبحاث مشابهة

يقول الدكتور إسماعيل: نحن حالياً نعمل ضمن نتائج تقرير إسمنت البيئة للحصول على المنتج بعد أن تم وضع المحاور التحليلية والتطويرية لصناعة الإسمنت ووجود تجاوب كبير من قبل المؤسسة العامة لصناعة الإسمنت والهيئة العليا للبحث العلمي، ولكن كان همنا معرفة ما يوجد من أبحاث مشابهة في الجامعات والمراكز البحثية الأخرى، حتى لا يكون العمل فردياً، ونقع في إشكالية ضياع الجهد، فقد يكون هناك باحثون يعملون بنفس الاتجاه ولا يستفاد من أبحاثهم، فيأتي باحث آخر ويعيد نفس البحث بعد عشر سنوات لأنه لا يعرف شيئاً عن الأبحاث التي سبقت وبقيت حبيسة الأدراج. وبالتالي فإن التنسيق بين الجهات البحثية والأتمتة العمل البحثي أمر هام جداً.

مصادر أخرى

يتناول الباحث في تقريره البحثي الذي أعده مع مجموعة من الباحثين محاور متعددة منها موضوع التكلفة والطاقة اللازمة لصناعة الإسمنت، خاصة أن هذه الصناعة تحتاج إلى كميات كبيرة من الفيول والكهرباء، إذ يجب أن تبقى الأفران في معامل الإسمنت مشتعلة، لأن إطفائها ثم إعادة تشغيلها يحتاج لكميات كبيرة من الفيول والطاقة للوصول إلى درجة حرارة 1450 درجة مئوية، ولا يكون أداء الفرن جيداً إذا لم يصل إلى هذه الحرارة.

وبالتالي فإن المحاور الأخرى للتقرير البحثي تتناول موضوع الفيول والبحث عن مصادر أخرى للطاقة، مثل الإطارات البالية التي يوجد منها أطنان في سورية والنفايات والطاقة الشمسية، وهذه ضمن المقترحات الموضوعة لتخفيض التكلفة وخاص مع وجود شح وغلاء لسعر الفيول، إضافة إلى وجود دراسات تتحدث عن تفل الزيتون وعن بقايا المنازل المهدمة والتي تشكل مصدراً هاماً للطاقة البديلة.