تقوم جميع أجهزة تخزين الذاكرة، بدءاً من عقلك وصولاً إلى ذاكرة الوصول العشوائي في جهاز الكمبيوتر الخاص بك، بتخزين المعلومات عن طريق تغيير خصائصها المادية. إن الدماغ يخزن المعلومات عن طريق إعادة ترتيب الروابط، أو المشابك بين الخلايا العصبية.

منذ أكثر من 130 عاماً، اقترح عالم الأعصاب الرائد سانتياغو رامون إي كاجال أن الدماغ يخزن المعلومات عن طريق إعادة ترتيب الروابط، أو المشابك بين الخلايا العصبية.

منذ ذلك الحين، حاول علماء الأعصاب فهم التغيرات الجسدية المرتبطة بتكوين الذاكرة. لكن تصور المشابك ورسم خرائطها يمثل تحدياً. أولاً، نقاط الاشتباك العصبي صغيرة جداً ومعبأة بإحكام معاً. إنها أصغر بنحو 10 مليارات مرة من أصغر جسم يمكن أن يتخيله التصوير بالرنين المغناطيسي القياسي. علاوة على ذلك، هناك ما يقرب من مليار نقطة اشتباك عصبي في أدمغة الفئران التي يستخدمها الباحثون غالباً لدراسة وظائف المخ، وجميعها يتشابه لونها حيث يكون معتماً إلى شبه شفاف مثل الأنسجة المحيطة بها.

خلايا دماغية

ومع ذلك، فقد سمحت لنا تقنية تصوير جديدة طورتها أنا وزملائي برسم نقاط الاشتباك العصبي أثناء تكوين الذاكرة. وجدنا أن عملية تكوين ذكريات جديدة تغير كيفية ارتباط خلايا الدماغ ببعضها البعض. بينما تخلق بعض مناطق الدماغ المزيد من الروابط، يفقدها البعض الآخر.

رسم خرائط الذكريات

في السابق، ركز الباحثون على تسجيل الإشارات الكهربائية التي تنتجها الخلايا العصبية. بينما أكدت هذه الدراسات أن الخلايا العصبية تغير استجابتها لمنبهات معينة بعد تكوين الذاكرة، إلا أنها لم تتمكن من تحديد دوافع هذه التغييرات.

لدراسة كيف يتغير الدماغ جسدياً عندما يشكل ذاكرة جديدة، أنشأنا خرائط ثلاثية الأبعاد لنقاط الاشتباك العصبي في أسماك الزرد قبل وبعد تكوين الذاكرة. لقد اخترنا أسماك الزرد كموضوعات اختبار لدينا لأنها كبيرة بما يكفي لتكون لها أدمغة تعمل مثل تلك الخاصة بالناس، ولكنها صغيرة وشفافة بما يكفي لتوفر نافذة على الدماغ الحي.

للحث على ذاكرة جديدة في السمكة، استخدمنا نوعاً من عملية التعلم تسمى التكيف الكلاسيكي. يتضمن هذا تعريض حيوان لنوعين مختلفين من المنبهات في وقت واحد: محايد لا يثير رد فعل، وآخر غير سار يحاول الحيوان تجنبه. عندما يتم إقران هذين المنبهين معاً مرات كافية، يستجيب الحيوان للمحفز المحايد كما لو كان المحفز غير السار، مما يشير إلى أنه صنع ذاكرة ترابطية تربط هذه المنبهات معاً.

كمحفز غير سار، قمنا بتسخين رأس السمكة بلطف باستخدام ليزر الأشعة تحت الحمراء. عندما حركت السمكة ذيلها، أخذنا ذلك كمؤشر على رغبتها في الهروب. عندما تتعرض السمكة بعد ذلك لمنبه محايد، يضيء الضوء، ويعني تحريك الذيل أنها تتذكر ما حدث عندما واجهت سابقاً المنبه غير السار.

لإنشاء الخرائط، قمنا بهندسة أسماك الزرد وراثياً باستخدام الخلايا العصبية التي تنتج بروتينات الفلوروسنت التي ترتبط بالمشابك وتجعلها مرئية. ثم قمنا بتصوير المشابك باستخدام مجهر مصمم خصيصاً يستخدم جرعة أقل بكثير من ضوء الليزر من الأجهزة القياسية التي تستخدم أيضاً الفلورة لتوليد الصور. نظراً لأن مجهرنا تسبب في تلف أقل للخلايا العصبية، فقد تمكنا من تصوير نقاط الاشتباك العصبي دون فقدان هيكلها ووظيفتها.

عندما قارنا خرائط المشابك ثلاثية الأبعاد قبل وبعد تكوين الذاكرة، وجدنا أن الخلايا العصبية في منطقة دماغية واحدة، الباليوم الظهري الأمامي الجانبي، طورت مشابك عصبية جديدة بينما الخلايا العصبية في الغالب في منطقة ثانية، الباليوم الظهري الأمامي، فقدت المشابك العصبية. هذا يعني أن الخلايا العصبية الجديدة كانت تتزاوج معاً، بينما دمر البعض الآخر الروابط فيما بينها. اقترحت التجارب السابقة أن الباليوم الظهري للأسماك قد يكون مشابهاً لـ اللوزة المخية للثدييات، حيث يتم تخزين ذكريات الخوف.

من المثير للدهشة أن التغيرات في قوة الروابط الموجودة بين الخلايا العصبية التي حدثت أثناء تكوين الذاكرة كانت صغيرة ولا يمكن تمييزها عن التغيرات في الأسماك التي لم تشكل ذكريات جديدة. هذا يعني أن تكوين ذاكرة ارتباطية ينطوي على تكوين وفقدان المشابك، ولكن ليس بالضرورة تغييرات في قوة المشابك الموجودة، كما كان يعتقد سابقاً.

هل تؤدي إزالة نقاط الاشتباك العصبي إلى إزالة الذكريات؟

طريقتنا الجديدة في مراقبة وظيفة خلايا الدماغ يمكن أن تفتح الباب ليس فقط لفهم أعمق لكيفية عمل الذاكرة بالفعل، ولكن أيضاً للسبل المحتملة لعلاج الحالات العصبية والنفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة والإدمان.

تميل الذكريات الترابطية إلى أن تكون أقوى بكثير من الأنواع الأخرى من الذكريات، مثل الذكريات الواعية حول ما تناولته على الغداء بالأمس. علاوة على ذلك، يُعتقد أن الذكريات النقابية التي يسببها التكيف الكلاسيكي تشبه الذكريات المؤلمة التي تسبب اضطراب ما بعد الصدمة. لهذا السبب فإن المنبهات غير الضارة المشابهة لما عانى منه الشخص وقت الصدمة، يمكن أن تؤدي إلى استدعاء الذكريات المؤلمة. على سبيل المثال، يمكن للضوء الساطع أو الضوضاء العالية أن يعيدا ذكريات القتال. تكشف دراستنا عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الاتصالات المشبكية في الذاكرة، ويمكن أن تفسر سبب استمرار الذكريات الترابطية لفترة أطول وتذكرها بوضوح أكثر من الأنواع الأخرى من الذكريات.

العلاج الأكثر شيوعاً حالياً لاضطراب ما بعد الصدمة، وهو العلاج بالتعرض، يتضمن تعريض المريض بشكل متكرر لمحفز غير ضار ولكنه محفز من أجل قمع استدعاء الحدث الصادم. من الناحية النظرية، يعمل هذا بشكل غير مباشر على إعادة تشكيل نقاط الاشتباك العصبي في الدماغ لجعل الذاكرة أقل إيلاماً. على الرغم من وجود بعض النجاح في العلاج بالتعرض، إلا أن المرضى عرضة للانتكاس. هذا يشير إلى أن الذاكرة الأساسية التي تسبب الاستجابة الصادمة لم يتم القضاء عليها.

لا يزال من غير المعروف ما إذا كان تولد المشابك وفقدانها يؤديان بالفعل إلى تكوين الذاكرة. طور مختبري تقنية يمكنها إزالة نقاط الاشتباك العصبي بسرعة وبدقة دون الإضرار بالخلايا العصبية. نخطط لاستخدام طرق مماثلة لإزالة نقاط الاشتباك العصبي في أسماك الزرد أو الفئران لمعرفة ما إذا كان هذا يغير الذكريات الترابطية.

قد يكون من الممكن محو الذكريات الترابطية جسدياً التي تكمن وراء الظروف المدمرة مثل اضطراب ما بعد الصدمة والإدمان باستخدام هذه الأساليب. قبل التفكير في مثل هذا العلاج، يجب تحديد التغييرات المشبكية التي تشفر الذكريات الترابطية بدقة أكبر. ومن الواضح أن هناك عقبات أخلاقية وتقنية خطيرة يجب معالجتها. ومع ذلك، فمن المغري تخيل مستقبل بعيد يمكن أن تزيل فيه جراحة المشابك الذكريات السيئة.

-----

بقلم دون أرنولد

ترجمة عن موقع: https://scitechdaily.com/