يتساءل الكثيرون عما إذا كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه حقيقة لديها حس إبداعي. وعلى الرغم من أنها متطورة في تقليدها، إلا أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الإبداعية هذه تبدو غير قادرة على الابتكار الحقيقي لأنها تفتقر إلى القدرة على دمج تأثيرات جديدة من بيئتها. إنها تتطلب الكثير من التدخل البشري والإشراف والمعرفة التقنية العالية في الوصول إلى نتائج إبداعية. الإبداع الحقيقي هو البحث عن الأصالة. إنه إعادة تجميع للأفكار المتباينة بطرق جديدة. إنه الحلول غير المتوقعة. ومن وجهة نظر الكثيرين في مجال الإبداع الحسابي، لم تتمكن الآلات من تحقيق ذلك بعد.

عندما رأى الفنان البريطاني هارولد كوهين أول جهاز كمبيوتر في عام 1968، تساءل عما إذا كان بإمكان الآلة أن تساعد في حل لغز كان يحيره لفترة طويلة: كيف يمكننا أن ننظر إلى رسم، وبعض الخربشات الصغيرة، ونرى وجهاً؟ بعد خمس سنوات، ابتكر فناناً آلياً يدعى AARON لاستكشاف هذه الفكرة. قام بتجهيزه بالقواعد الأساسية للرسم وكيفية رسم أجزاء الجسم في لوحة وجعلها فنية.

لم يكن الملحن ديفيد كوب بعيداً عن الركب، فقد صاغ عبارة "الذكاء الموسيقي" لوصف تجاربه مع التركيب المدعوم بالذكاء الاصطناعي. أخبرني كوب ذات مرة أنه في بداية الستينيات، بدا له "منطقياً تماماً القيام بأشياء إبداعية باستخدام الخوارزميات" بدلاً من أن يرسم يدوياً كل كلمة في قصة أو ملاحظة لتأليف قطعة موسيقية أو ضربة فرشاة على لوحة. قام في البداية بإصلاح الخوارزميات على الورق، ثم انتقل في عام 1981 إلى أجهزة الكمبيوتر للمساعدة.

فن

كان كل من كوهين وكوب من بين حفنة ممن يغردون خارج السرب بدفعهم الحواسيب لما هو مخالف لطبيعتها الباردة والتي تعمل في الحسابات. كان مجال الذكاء الاصطناعي الذي لا يزال ناشئاً يركز بشكل مباشر على المفاهيم مثل التفكير والتخطيط، أو على مهام مثل لعب الشطرنج أو لعبة الداما أو حل المشكلات الرياضية. توقف معظم الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي عن فكرة الآلات الإبداعية.

غير أن كوب وكوهين أطلقا سلسلة أوراق بحثية وكتب تناولت عملهما وأحدثت ما سمي مجالاً من الإبداع الحسابي. وتضمنت دراسة وتطوير الأنظمة الإبداعية المستقلة، والأدوات التفاعلية التي تدعم الإبداع البشري، والنهج الرياضي لنمذجة الإبداع البشري. وفي أواخر التسعينيات، أصبح الإبداع الحسابي مجالًا رسمياً للدراسة مع مجموعة متزايدة من الباحثين وفي نهاية المطاف صار له مجلته الخاصة وحدثه السنوي.

فن اإلكتروني

بعد فترة وجيزة - وبفضل التقنيات الجديدة المتجذرة في التعلم الآلي والشبكات العصبية الاصطناعية، حيث تحاول العقد الحاسوبية المتصلة أن تعكس عمل الدماغ - تمكن الذكاء الاصطناعي الإبداعي من استيعاب بيانات العالم الواقعي وتحديد الأنماط والقواعد التي يمكن أن تنطبق عليها إبداعاته.

قضى عالم الكمبيوتر سيمون كولتون، الذي كان يعمل في جامعة إمبريال كوليدج بلندن وحالياً في جامعة كوين ماري بلندن وجامعة موناش في ملبورن بأستراليا، جزءاً كبيراً من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في بناء لعبة The Painting Fool وهي برنامج فني يتمتع بقدرات اتخاذ القرار في عالم الإبداع الحسابي. فقام برنامج الكمبيوتر بتحليل نصوص المقالات الإخبارية وغيرها من الأعمال المكتوبة لتحديد المشاعر واستخراج الكلمات الأساسية. ثم قام بدمج هذا التحليل مع البحث الآلي في موقع التصوير الفوتوغرافي Flickr لمساعدته على إنشاء صور مجمعة تتناسب مع المقالة الأصلية. ولاحقاً، تعلم هذا البرنامج أن يرسم صوراً للأشخاص الذين التقاهم من خلال كاميرا ملحقة، ومرة أخرى بتطبيق "حالة المزاج" على نمط الصورة (أو في بعض الحالات رفض رسم أي شيء في حال كان في مزاج سيئ).

وبالمثل، في أوائل عام 2010، تحول الإبداع الحسابي إلى الألعاب. فقد كرس باحث الذكاء الاصطناعي ومصمم الألعاب مايكل كوك أطروحة الدكتوراه في جامعة لندن لإنشاء أنجلينا ANGELINA - التي صنعت ألعاباً بسيطة بناء على المقالات الإخبارية من صحيفة الغارديان، وتجمع بين تحليل مقالات تتناول الأحداث الجارية وتقنيات التصميم والبرمجة ذات الترميز الثابت.

يقول كولتون إنه خلال هذه الحقبة، بدأت أنظمة الذكاء الاصطناعي تبدو وكأن كل منها فنان مبدع بحد ذاته - بدمج عناصر الإبداع مثل القصد والمهارة والتقدير والخيال. لكن ما تبع ذلك كان التركيز على التقليد، إلى جانب الجدل حول معنى أن تكون مبدعاً.

ساعدت التقنيات الجديدة الذكاء الاصطناعي على إتقان الأساليب الإبداعية الحالية والتي برعت في تصنيف البيانات بدرجات عالية من الدقة من خلال التحليل المتكرر. وصار بإمكان الذكاء الاصطناعي الآن تأليف أعمال مثل أعمال الملحنين الكلاسيكيين والرسامين المشهورين والروائيين وغيرهم.

ومن الجدير ذكره هنا أنه تم بيع لوحة من عمل الذكاء الاصطناعي على غرار آلاف اللوحات المرسومة بين القرنين الرابع عشر والعشرين لقاء 432.500 دولار في مزاد علني. وفي حالة أخرى، سعى المشاركون في الدراسة للتمييز بين المقطوعات الموسيقية ليوهان سيباستيان باخ وتلك التي تم ألفها برنامج كمبيوتر يسمى Kulitta تم تدريبه على مؤلفات باخ. حتى أن شركة IBM دخلت هذا المجال الترفيهي، وكلفت نظام واتسون للذكاء الاصطناعي الخاص بها بتحليل 9000 وصفة لابتكار أفكار مطبخية خاصة بها.

لكن الكثيرين في هذا المجال، وكذلك المتابعين، تساءلوا عما إذا كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه حقيقة لديها حس إبداعي. وعلى الرغم من أنها متطورة في تقليدها، إلا أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الإبداعية هذه تبدو غير قادرة على الابتكار الحقيقي لأنها تفتقر إلى القدرة على دمج تأثيرات جديدة من بيئتها. وقد وصفها كولتون وزملاؤه بأنها تتطلب "الكثير من التدخل البشري والإشراف والمعرفة التقنية العالية" في الوصول إلى نتائج إبداعية. ومن أجل اتخاذ خطوة نحو الإبداع الحقيقي، أشار العالم السويدي بالي داهلستيد إلى أن الذكاء الاصطناعي "يجب أن يصوغ أسباب الاستماع للموسيقى، وظروف نشوئها - وليس النتائج".

الإبداع الحقيقي هو البحث عن الأصالة. إنه إعادة تجميع للأفكار المتباينة بطرق جديدة. إنه الحلول غير المتوقعة. قد يكون بالموسيقى أو الرسم أو الرقص، ولكن أيضاً قد يكون بوميض الإلهام الذي يساعد على التقدم في ترتيب المصابيح الكهربائية والطائرات والجدول الدوري. ومن وجهة نظر الكثيرين في مجال الإبداع الحسابي، لم تتمكن الآلات من تحقيق ذلك بعد.

في السنوات القليلة الماضية فقط، توسعت أنظمة الذكاء الاصطناعي الإبداعية إلى اختراع للأسلوب - إلى التأليف الفردي بدلاً من التقليد والذي يعرض المعنى والقصد، حتى لو لم يكن موجوداً. بالنسبة إلى كولتون، فإن عنصر القصد هذا - التركيز على العملية، أكثر من الناتج النهائي - هو مفتاح تحقيق الإبداع. لكنه يتساءل عما إذا كان المعنى والأصالة ضروريين أيضاً، حيث يمكن أن تؤدي القصيدة نفسها إلى تفسيرات مختلفة إلى حد كبير إذا علم القارئ أن الكاتب رجل أو امرأة أو مجرد آلة.

إذا كان الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى الوعي الذاتي للتفكير في أفعاله وخبراته، فهل هو حقاً إبداعي؟ أم أن الإبداع لا يزال سمة المؤلف الذي غذى البيانات ووجه العمل؟

في النهاية، قد يؤدي الانتقال بالآلات نحو الإبداع إلى تغيير فهمنا لأنفسنا. فقبل سبعين عاماً، ابتكر آلان تورينغ - الذي يوصف أحياناً بأنه والد الذكاء الاصطناعي - اختباراً أطلق عليه "لعبة التقليد" لقياس ذكاء الآلة مقابل ذكاءنا. كتب فيلسوف التكنولوجيا جويل بارثيمور من جامعة سكوفد في السويد أن "عظمة رؤية تورينغ تكمن في رؤية أجهزة الكمبيوتر الرقمية كمرآة يمكن للعقل البشري من خلالها أن يرى نفسه بطرق لم تكن ممكنة من قبل".

----

ترجمة عن موقع: Science News