يدرك العالم جيداً أن الألعاب الإلكترونية تنطوي في جانب منها على مخاطر ومشكلات عديدة لممارسيها... لكن هل هذا كل شيء؟ يكشف بعض الدارسين لنا اليوم أن هناك جانباً آخر ذا طبيعة إيجابية لا يمكن تجاهلها.

يعد فك تشفير الأحرف إلى صوت، نقطة أساسية في تعلم القراءة، ولكنه لا يكفي لإتقانها. تشير دافني بافيلير الأستاذة في قسم علم النفس بكلية علم النفس والعلوم التربوية (FPSE) في جامعة جنيف إلى أن القراءة تستدعي العديد من الآليات الأساسية الأخرى التي لا نفكر فيها بالضرورة، مثل معرفة كيفية تحريك أعيننا على الصفحة أو كيفية استخدام ذاكرتنا العاملة لربط الكلمات معاً في جملة متماسكة. تشرح أنجيلا باسكوالوتو، المؤلف الأول لهذه الدراسة والتي تستند إلى أطروحة دكتوراه في قسم علم النفس والعلوم المعرفية بجامعة تورينتو، أن هذه المهارات الإضافية مثل الرؤية والانتباه والذاكرة الفاعلة والمرونة المعرفية، يمكن تحسينها من خلال ألعاب الأكشن.

مع وضع ذلك في الاعتبار، تم تصميم لعبة فيديو تجمع بين ألعاب الأكشن والألعاب المصغرة التي تدرب وظائف تنفيذية مختلفة، مثل الذاكرة الفاعلة والكبح والمرونة المعرفية، وهي الوظائف التي يتم استدعاؤها أثناء القراءة. تضيف أنجيلا باسكوالوتو: عالم هذه اللعبة هو عالم بديل يجب أن يقوم فيه الطفل برفقة مخلوقه الطائر المدعو راكو، بمهام مختلفة لإنقاذ الكواكب وإحراز تقدم في اللعبة. الفكرة هي إعادة إنتاج مكونات لعبة الحركة ولكن من دون استخدام العنف، بحيث تكون مناسبة للأطفال الصغار. على سبيل المثال يطير راكو عبر وابل من النيازك، ويتحرك لتجنبها أو يستهدفها لإضعاف تأثيرها، بينما يجمع الموارد المفيدة لبقية اللعبة مثل ما تجده في ألعاب الفيديو الحركية.

ثم عمل العلماء مع 150 تلميذاً إيطالياً تتراوح أعمارهم بين 8 و 12 عاماً، مقسمين إلى مجموعتين: الأولى لعبت لعبة الفيديو التي طورها الفريق، والثانية لعبت لعبة سكراتش، وهي لعبة تعلم الأطفال كيفية البرمجة. تتطلب كلتا اللعبتين التحكم والانتباه والقيام بالوظائف التنفيذية، ولكن بطرق مختلفة. تتطلب لعبة راكو من الأطفال أداء المهام في غضون فترة زمنية محددة مثل تذكر سلسلة من الرموز أو الاستجابة فقط عندما يصدر راكو صوتاً معيناً مع زيادة صعوبة هذه المهام وفقاً لأداء الطفل. في المقابل لعبة سكراتش هي لعبة التحكم والتخطيط والتفكير وحل المشكلات. يجب على الأطفال معالجة الكائنات والبنى المنطقية لإنشاء تسلسل البرمجة المطلوب.

توضح دافني بافيلير: أولاً، اختبرنا قدرة الأطفال على قراءة الكلمات والعبارات والفقرات، وأجرينا أيضاً اختبار انتباه يقيس تحكم الطفل بدرجة الانتباه، وهي قدرة نعلم أنها تتحسن من خلال ألعاب الأكشن. ثم تابع الأطفال التدريب إما بلعبة راكو أو لعبة سكراتش، لمدة ستة أسابيع، ساعتين في الأسبوع تحت إشراف المدرسة. تم اختبار الأطفال في المدرسة من قبل الأطباء في مختبر المراقبة والتشخيص والتعليم (UNITN).

تحسين مهارات القراءة على المدى الطويل

بعد فترة وجيزة من انتهاء التدريب، كرر العلماء الاختبارات على كلا المجموعتين من الأطفال. تقول أنجيلا باسكوالوتو: وجدنا تحسناً بمقدار 7 أضعاف في التحكم في الانتباه لدى الأطفال الذين لعبوا لعبة راكو مقارنة بالمجموعة التي لعبت سكراتش. والأهم من ذلك، لاحظ فريق البحث تحسناً واضحاً في القراءة، ليس فقط من حيث سرعة القراءة، ولكن أيضاً من حيث الدقة، بينما لم يلاحظ أي تحسن للمجموعة الثانية. يحدث هذا التحسن في معرفة القراءة والكتابة على الرغم من أن لعبة راكو لا تتطلب أي نشاط للقراءة.

تقول أنجيلا باسكوالوتو: الشيء المثير للاهتمام بشكل خاص في هذه الدراسة هو أننا أجرينا ثلاثة اختبارات تقييم أخرى خلال 6 أشهر و 12 شهراً و 18 شهراً بعد التدريب. وفي كل مناسبة كان أداء الأطفال المدربين أفضل من المجموعة الثانية، ما يثبت استمرار هذه التحسينات، علاوة على ذلك أصبحت درجات الأطفال المدربين في اللغة الإيطالية أفضل بشكل ملحوظ بمرور الوقت، ما يُظهر تحسناً إيجابياً في القدرة على التعلم.

تقول دافني بافيلير: وبالتالي فإن التأثيرات طويلة المدى، تتماشى مع لعبة راكو التي تعزز القدرة على تعلم كيفية التعلم.

في إطار معهد NCCR Evolution Language وبالتعاون مع ايرين التاريلي (مؤلفة مشاركة للمقال وباحثة في LaPsyDE، جامعة باريس)، سيتم نقل اللعبة إلى الألمانية والفرنسية والإنجليزية. عند القراءة يكون فك التشفير أكثر أو أقل صعوبة اعتماداً على اللغة ذاتها. فالإيطالية على سبيل المثال شفافة للغاية - يتم نطق كل حرف - في حين أن الفرنسية والإنجليزية غامضتان تماماً، ما يؤدي إلى تحديات تعليمية مختلفة نوعاً ما. تتطلب القراءة بلغات مبهمة القدرة على تعلم الاستثناءات وذلك لمعرفة كيف تؤثر مجموعة متنوعة من السياقات على النطق كما تتطلب اعتماداً أكبر على الحفظ. هذه كانت تعليقات إيرين ألتاريلي. هل ستمتد فوائد ألعاب الفيديو الحركية على اكتساب القراءة إلى بيئات التعلم المعقدة مثل القراءة باللغة الفرنسية أو الإنجليزية؟ هذا هو السؤال الذي ستساعد هذه الدراسة في الإجابة عليه. بالإضافة إلى ذلك ستكون لعبة الفيديو هذه متاحة بالكامل في المنزل ويتم لعبها عن بعد، وكذلك بالنسبة إلى إدارة اختبارات القراءة والانتباه، من أجل استكمال الدروس المدرسية، بدلاً من قضاء وقت إضافي خارج ساعات الدراسة.

مصممو الألعاب وعلماء الدماغ

قال أستاذان متخصصان في هذا المجال في مقال تعليقي نُشر في مجلة Nature العلمية، إن علماء الأعصاب يجب أن يساعدوا في تطوير ألعاب رقمية مقنعة تعزز وظائف المخ وتحسن الرفاهية.

حيث حث الاثنان: دافني بافيلير من جامعة روتشستر وريتشارد جيه ديفيدسون من جامعة ويسكونسن ماديسون مصممي الألعاب وعلماء الدماغ على العمل معاً لتصميم ألعاب جديدة تدرب الدماغ وتؤدي إلى نتائج إيجابية من حيث التأثيرات على السلوك مثل تقليل القلق وزيادة الانتباه وتحسين التعاطف. وأشار المؤلفون إلى أن بعض ألعاب الفيديو مصممة بالفعل لعلاج الاكتئاب ولتشجيع مرضى السرطان على الاستمرار في العلاج.

ديفيدسون هو مؤسس ورئيس مركز تحريات العقول السليمة في مركز وايزمان التابع لجامعة واشنطن. بافيلير أستاذة في قسم الدماغ والعلوم المعرفية في روتشستر.

ارتبط استخدام ألعاب الفيديو، الذي يستمر في الارتفاع بين الأطفال الأمريكيين، بعدد من النتائج السلبية، مثل السمنة والعدوانية والسلوك المعادي للمجتمع، وفي الحالات القصوى، الإدمان. كتب المؤلفون: في الوقت نفسه، تتزايد الأدلة على أن ممارسة الألعاب يمكن أن تكون لها آثار مفيدة على الدماغ.

في العام الماضي، ترأس كل من بافيلير وديفيدسون اجتماعاً في البيت الأبيض، التقى فيه علماء الأعصاب بخبراء وسائل الإعلام الترفيهية لمناقشة طرق استخدام التكنولوجيا التفاعلية مثل الألعاب الإلكترونية لزيادة فهم وظائف الدماغ، فضلاً عن توفير أدوات جديدة وجذابة لزيادة الاهتمام والرفاهية.

يركز عمل بافيلير على كيفية تعلم البشر وكيف يتكيف الدماغ مع التغيرات أثناء التجربة، إما عن طريق الطبيعة (كما هو الحال في الصمم) أو عن طريق التدريب (مثل لعب الألعاب الإلكترونية). يبحث مختبرها في كيفية الاستفادة من الوسائط الجديدة، بما في ذلك الألعاب الإلكترونية لتعزيز التعلم وزيادة مرونة الدماغ.

يقود ديفيدسون، الذي يدرس العاطفة والدماغ، مشروعاً تموله مؤسسة بيل آند ميليندا غيت لتطوير لعبتي فيديو مصممتين لمساعدة طلاب المدارس المتوسطة على تطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية، مثل التعاطف والتعاون والتركيز العقلي والتنظيم الذاتي.

يقول ديفيدسون: تدريجياً، سيبدأ هذا العمل في توثيق السؤال الاجتماعي الملتهب حول كيفية تأثير التكنولوجيا على أدمغتنا وحياتنا، وتمكيننا من اتخاذ خيارات قائمة على الأدلة حول تقنيات المستقبل لإنتاج مجموعة جديدة من الأدوات لتنمية العادات الإيجابية للعقل.

-----

ترجمة من موقع: scitechdaily.com