مع تفشي حالة من القلق والجدل تجاه المرض الذي يدعى الفطر الأسود ضمن الأوساط الشعبية، وتخبط الأحاديث حول الأعراض وعلامات الإصابة وما قد يرافقه من حدوث جلطات دموية وموت و. و. وغيرها من الأمور التي خلقت جواً عاماً من المخاوف، هناك تفاصيل هامة تتعلق بهذا المرض ومؤشرات تصحح العديد من المقولات الشعبية والشائعات.

الفطر الأسود، الذي يعرف علمياً باسم فطار الغشاء المخاطي ( mucormycosis) لكونه عدوى فطرية تصيب الجيوب وتنتقل إلى الدماغ أو الرئتين، إلا أنه لا يحدث إلا عند بعض الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهازهم المناعي، فقد أكد الدكتور عصام الأمين مدير عام مشفى المواساة الجامعي بأن الفطر الأسود مرض انتهازي يصيب ناقصي المناعة خاصة المرضى السكريين والمرضى الذين يتناولون أدوية مثبطة للمناعة. وما جعله مصدراً للمخاوف مؤخراً، هو تزامن تواتر ارتفاع حدوثه مع موضوع الكوفيد 19 خاصة أنه في حالات الكوفيد الشديدة والحرجة يأخذ المرضى كميات كبيرة من الكورتيزون، المعروف عنها علمياً بأنها تُضعف المناعة، ما أدى إلى زيادة عدد حالات الفطار الأسود. مبيناً: أن التسمية جاءت من تلون جلد الخد تحت العين باللون الأسود عند الإصابة.

السيرة التاريخية

لا يعتبر الفطار الأسود حديث العهد لا في سورية ولا في دول العالم؛ فهناك سيرة تاريخية لوجوده منذ الأزل لكونه متعايشاً في الطبيعة وفي الكثير من الزوايا. وفي البحث عن الأسباب فإنه يظهر بسبب أنواع مختلفة من الفطريات التي توجد غالباً في المواد العضوية المتحللة، وتشمل هذه المواد الخبز الفاسد والفواكه والخضروات، وكذلك التربة وأكوام السماد.

مضاد حيوي

بدأت حكاية الظهور الأخيرة للفطار الأسود في الهند؛ حيث كانت هناك مجموعة كبيرة من الحالات، ثم انتقلت بعدها إلى دول أخرى. يقول الأمين إن حالات تزايد الفطار الأسود في سورية بدأت مع ظهور الكورونا، وقد وصلت الإصابات إلى 25 حالة في كل الشهرين، بعد أن كان عدد الحالات لا يتجاوز حالة واحدة خلال نفس المدة الزمنية.

ليس معدياً

يقول مدير مشفى المواساة الجامعي إنه لا داعي للهلع والذعر والتهويل من هذا المرض، فعلى الرغم من أنه مرض انتهازي، إلا أنه غير معدٍ بالمطلق ولا يؤثر على الأشخاص العاديين ممن لديهم مناعة سوية، وإنما يؤثر فقط على من لديهم مشكلة مناعية، وفي قصتهم السريرية إصابة بالكورونا وتناولوا كميات كبيرة من الستيروئيدات القشرية التي يؤدي استعمالها المديد إلى تدني المناعة وإصابة المرضى بهذا النوع من الفطور الانتهازية. كما أنه ليس وباء وإنما هناك زيادة في عدد الحالات، فقد كان موجوداً قبل الكورونا ولكن بصورة متباعدة، وهو لا ينتشر عبر اتصال البشر يبعضهم البعض أو بالحيوانات، لكنه ينتشر من خلال أبواغ فطرية منتشرة في الهواء أو في البيئة، ومن المستحيل تقريباً تفاديها. إذ إن الفطريات والبكتريا موجودة حولنا وفي أجسامنا بشكل فعلي، ولكن الجهاز المناعي يكبلها، وبالتالي هو مرض لا يتمكن من الإنسان إلا عندما ينهار الجهاز المناعي بسبب علاجات السرطان ومرض السكري، أو استخدام المنشطات، حينها فإن هذه الأحياء الدقيقة تصبح لها اليد العليا وتتكاثر.

الأكثر شيوعاً

للفطر الأسود أشكال متعددة، وما نراه في مشفى المواساة بحسب الدكتور الأمين هو الشكل الأنفي الحجاجي الدماغي والذي يسمى العدوى الأنفية الدماغية، يبدأ من الأنف ويتجه نحو الجيوب ثم ينتقل إلى العين ويخرج إلى الدماغ، وقد يتسبب أيضاً في حدوث جلطات دموية تسد الأوعية الدموية إلى الدماغ. ويرى الأمين أن المشكلة الحقيقية لهذا المرض ارتفاع نسبة الوفيات التي قد تصل إلى 50%، إلا أنه وبفضل التدابير وفريق العمل في مشفى المواساة فإن الأمر معكوس، وقد تم تحقيق نسبة شفاء عالية وتخفيض نسبة الوفيات إلى تحت الـ 20% وحالياً توجد ثماني حالات فقط بالمواساة وهي تتلقى المقاربة العلاجية بالشكل الأفضل.

العلاج

وفقاً للأبحاث المتعلقة بالفطار الأسود، يجب إجراء الجراحة على الفور لإزالة جميع الأنسجة الميتة والمصابة. وعلى الرغم من أنها قد تنطوي على بعض التشوهات في الحنك أو الأنف، إلا أنه من دون هذه الجراحة تقل فرص البقاء على قيد الحياة بشكل كبير. يبين الدكتور عصام الأمين أن الدواء النوعي الذي يعطى للمصابين بالفطر الأسود هو إنفو تريسين نبوزومل إضافة إلى المعالجة الجراحية، بعد أن تتم مقاربته من قبل فريق عمل طبي يتألف من طبيب جراحة أنف وأذن وحنجرة يتقن الجراحة التنظيرية المجهرية، وطبيب أمراض إنتانية، وطبيب مناعة. ومن خلال هذا الفريق الذي تم تشكيله في المواساة، كانت المساهمة في معالجة مرضى الفطار الأسود كبيرة جداً ونسب شفاء جيدة تعتبر أفضل من النسب العالمية.

نسب وأعراض

لدى مرضى الفطر الأسود معدل وفيات مرتفع للغاية، حتى عند إجراء الجراحة، توضح بيانات بعض المراكز الصحية العالمية إن زيادة استخدام أدوية بعينها في جائحة كوفيد -19 لكبح الجهاز المناعي، ربما يكون السبب في زيادة حالات الفطر الأسود. وبدوره أكد مدير مشفى المواساة الجامعي بدمشق : أن معدل الوفاة بمرض الفطر الأسود عالمياً يبلغ 54%، وربما تتباين هذه النسبة بناء على حالة المريض ومكان الإصابة، والسيرة المرضية المتوقعة والمضاعفات المحتملة. ومن الضروري توجه المريض مباشرة إلى المشافي المختصة في حال شعوره بأعراض المرض الذي يبدأ بانسداد بالأنف وجحوظ العين والتأثير على الرؤية لتظهر بعدها أعراض دماغية، إذ إن تشخيصه الأكيد يكون عن طريق أخذ خزعة من الكتلة الفطرية الموجودة لدى المريض وهو يحتاج إلى عناية خاصة.