نظراً لخصوصية المجتمع فيما يتعلق بزواج الأقارب، ووجود بعض البيئات المغلقة، فإن الأمراض الوراثية تكون أكثر شيوعاً مقارنة بباقي المجتمعات في الدول الأخرى، والكشف عنها والعمل على تجنبها مسألة إنسانية ووطنية إضافة لأهميتها العلمية والبحثية.

يعتبر فحص ما قبل الزواج خدمة تقدم للأزواج الذين يرغبون بالتأكد من أن أطفالهم لن يتعرضوا لخطر وراثة أي مرض جيني وخاصة إذا كانت لديهم قصص عائلية، فإن فحص الجينات يحدد الخطورة التقريبية ويكشف عن عدة حالات مرضية محتملة عند إنجاب أطفال مصابين أو لديهم أمراض وراثية قد تكون مميتة أو معطلة اجتماعياً.

كشف الأمراض الصبغية

يبين الأستاذ الدكتور مروان الحلبي الباحث في مجال العقم وطب الإخصاب وعلم الجنين ورئيس الجمعية السورية للمولدين والنسائيين: إن الربط بين الإخصاب والوراثة هو أحد التطورات الكبيرة في الطب الحديث. وإذا عدنا إلى العشر سنوات الأخيرة، نجد أن جميع من حازوا على جائزة نوبل كانوا من المختصين بما يسمى البيولوجيا الجزيئية والإخصاب. موضحاً أنه في حال لم تكتشف بعض الأمراض الوراثية قبل الزواج، فهناك أمراض يمكن تعديلها وراثياً، كما هو الحال بالنسبة إلى فلح الشفة التي يمكن إجراء عمل جراحي لها، وبعض الأمراض الوراثية يمكن تعديلها بالحميات والأدوية التي تساعد على التكيف مع المرض ليصبح أقل ضرراً. كما أنه يمكن كشف الأمراض الوراثية أثناء الحمل بعدة وسائل وأهمها وأحدثها هي فحص الخلايا الجنينية بعد عزلها عن خلايا الأم، وتحليل الصبغيات التي يمكن من خلالها كشف كل الأمراض الصبغية بشكل رئيسي، مثل متلازمة داون ومتلازمة إدواردز ومتلازمة باتاو. أو عن طريق بذل السائل الأمينوسي وسحبه في الشهر الرابع من الحمل وعزل الخلايا الجنينية والقيام بالدراسة الوراثية والصبغية لهذه الخلايا، وأيضاً عن طريق أخذ عينة من المشيمة التي تعتبر جزءاً من الجنين، وبالتالي دراسة الخلايا من الناحية الصبغية والوراثية وكشفها، إضافة إلى اختبار أخير، وهو بزل دم الحبل السري وأخذ عينة منه.

الدكتور مروان الحلبي

التشخيص الوراثي

جنين

التشخيص الوراثي قبل التعشيش لكشف الأجنة المصابة بأمراض وراثية كالتلاسيميا وفقر الدم المنجلي وداء ليبر، هو أمر مهم لإرجاء الأجنة السليمة، وبالتالي تحسين نوعية الحياة للأسرة والوقاية من استمرار الأمراض الوراثية في مجتمعنا. يؤكد الدكتور الحلبي هذا الأمر موضحاً: أنه حتى لو تمكنا من تشخيص المرض الوراثي خلال فترة الحمل، فإن أغلب الأهل وفقاً للمعتقدات لا يوافقون على الإجهاض، كما أن القوانين لا تسمح بإجهاد الجنين حتى لو كان لديه تلاسيما أو فقر دم منجلي، وبالتالي الوسيلة الوحيدة المسموح بها شرعاً وقانوناً وأخلاقاً هي ما يسمى التشخيص الوراثي قبل التعشيش، وهو جزء من عمل الإخصاب وجزء من عملية أطفال الأنابيب؛ إذ يتم تحريض الإباضة عند الزوجة وإزالة الجريبات للحصول على البويضات وحقنها مجهرياً أو تلقيحها من نطاف الزوج، والوصول إلى أجنة بمرحلة الثماني خلايا، ليتم بعدها أخذ خلية أو أثنيتن من كل خلية ويتم تحليلها صبغياً ووراثياً ومعرفة المرض الوراثي في هذا الجنين. فعلى سبيل المثال إذا حصلنا على عشرة أجنة ووجدنا 7 منها مصابين و3 سليمين، نعيد إلى الرحم الأجنة السليمة، فنحصل على حمل سليم وأجنة سليمة بشكل مؤكد، من دون أي مشكلة شرعية، لأنه في ذلك لا يوجد إجهاض للجنين ولا يود خطورة على الآم.

حلول أخرى

أهم اختراق في الطب وفي الإخصاب، هو موضوع التشخيص الوراثي قبل التعشيس، إلا أن هناك بعض الأمراض الوراثية يمكن حلها فقط باختيار جنس الجنين، وهناك بعض الأمراض الوراثية التي تنتقل بالجنس مثل الناعور. وبحسب مدير مشفى الشرق، فإنه ينظر إلى نوع المرض الوراثي، فإذا كان يصيب الإناث نختار الذكور لإرجاعها إلى الرحم، وبالعكس إذا كان يصيب الذكور نختار الإناث. إذ يتم تحديد جنس الجنين واختياره وإرجاعه إلى الرحم، بمعنى آخر يتم إرجاع الجنس الذي لا يصاب، وهذا عمل إجرائي يقوم به الأطباء منذ 15 سنة في سورية، وفيه نسبة نجاح كبيرة وعالية، وهو إجراء يحل بعض مشاكل الأمراض الوراثية.

العقم الوراثي

يوضح الدكتور الحلبي أن الوراثة نوعان: قسم يورث، وقسم يحدث على شكل طفرات، فقد يكون الأب سليماً، ولكن أثناء عملية توليد النطاف تحدث طفرة مصابة، وهناك بعض حالات قصور المبيض المبكر. فعلى سبيل المثال قد تكون الأم مصابة بقصور المبيض المبكر، وفي هذه الحالة تستنفذ البيوضات لديها من عمر الـ 25 سنة، وبالتالي إذا تزوجت هذه الفتاة قبل هذا العمر تستطيع الإنجاب، وإذا تزوجت بعد الـ 25 سنة فإنها لا تنجب، وهذا يعتبر عقماً وراثياً، وهو مؤكد عند الجنسين. وهناك العديد من الطفرات المتهمة والمسببة له.

وجه الاختلاف

السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو الاختلاف بين الزرع وطفل الأنبوب؟ وهنا يفيدنا أستاذ علم العقم وطب الإخصاب وعلم الجنين في جامعة دمشق: إن كلمة الزرع كلمة واسعة، يمكن إطلاقها على أي تقرير للإخصاب، حين يطلقون الزرع على الحقن ضمن الرحم أو التلقيح الصناعي، وأحياناً تطلق عملية الزرع على عملية حقن أطفال الأنابيب، ولكن الأكثر شيوعاً أن تطلق عملية الزرع على عملية التلقيح الصناعي، وهي حقن نطاف الزوج ضمن رحم المرأة، والذي يسمى التلقيح الداخلي. في حين يطلق على الإخصاب خارج الجسم بطفل الأنبوب.

والفرق كبير، ففي المرحلة الأولى توجد ثلاث استطبابات رئيسية هي: إذا كان لدينا نقص النطاف المعتدل سواء كان بالعدد أو الحركة، أو إذا كان هناك مشكلة بعنق الرحم بحيث لا تستطيع النطاف الدخول إلى الرحم، وهناك حالات تسمى العقم مجهول السبب، إضافة لاستطبابات أخرى لاحقة وبسيطة يمكن اللجوء إليها للتلقيح الصناعي، وهو إجراء مقلد للحمل الطبيعي، وتعتبر نسبة النجاح الشهيرة له 25%.

بينما الإخصاب خارج الجسم أو ما يسمى طفل الأنابيب، هو تحريض الإباضة وسحب البيوضات ليتم التلقيح خارج الجسم من نطاف الزوج بشكل كلاسيكي أو بحقن النطفة داخل البيوضة، وهي عملية الإخصاب بالحقن المجهري، ونسبة النجاح فيها أعلى من التلقيح الصناعي، وقد تصل إلى 50% وسطياً بحسب عمر المريضة.

الطب البديل

تلجأ نسبة لا بأس بها من الناس إلى الطب البديل لمعالجة العقم أو الأمراض الوراثية لديهم، وعليه يبين الدكتور الحلبي أن ذلك سلاح ذو حدين، حيث لا توجد دراسات علمية موثقة حول استخدامهن فإننا لا ننصح بذلك خوفاً من أن يحدث مفعول عكسي، فإن لم يكن هناك طب بديل مسند بالبينة والدراسات التي تفيد مواطن العلة وكيفية الاستخدام، فلا ينصح بأي تداخل في الطب البديل.

وقال: إن العمل البحثي والأكاديمي مستمر في المواضيع التي نواجهها في مجتمعنا، وقد تم إجراء أبحاث تتعلق بقصور المبيض المبكر عند النساء، نشرت ووثقت عالمياً، وهناك أبحاث تتعلق بأسباب العقم الوراثي وبعض الطفرات التي تؤدي إلى العقم الذكري مع دراسة الشائع منها في المنطقة العربية، وأخرى تتعلق بدراسة البرتوكولات المثالية لتحريض الإباضة، دراسات تتعلق بالتقنيات الأنسب لعملية طفل الأنبوب وتحسين التعشيش، والعشرات من الأبحاث المثبتة علمياً في موضوع العقم في منطقتنا.

العلم مستمر

يشير الحلبي إلى أهمية استبدال كلمة العقم بكلمة نقص الخصوبة، لأن معظم حالات تأخر الحمل والإنجاب أصبح لها علاج، والقليل القليل التي ليس لها حل شائع، مثل الأمور الخلقية. إلا أن العمل مستمر لمعالجتها عن طريق الخلايا الجذعية. ولفت إلى أن التطورات مستمرة في هذا المجال وأخذت تتوسع منذ أول حالة ولادة حقن مجهري للطفلة لويز براون عام 1978. ويعتبر ربوت إدوارد أول طبيب قام بعملية طفل الأنابيب، وقد حصل على جائزة نوبل في عام 2010 ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن أصبح هناك 8 مليون طفل في العالم مولود أنابيب. وبالتالي فإن التطورات مستمرة في هذا المجال بهدف زيادة فرص الحمل وتسيير التقنيات وتخفيف العبء عن المرضى.

تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ والدكتور مروان الحلبي حائز على دكتوراه في علم الجنين وطب الإخصاب، وهو المدير الطبي ورئيس وحدت الإخصاب ومعالجة العقم في مشفى الشرق.

يشغل عضوية العديد من المنظمات الطبية والجمعيات على المستوى المحلي والعالمي، ولديه أكثر من 100 ورقة بحثية نشرت في مؤتمرات الإخصاب في الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا.