قدّمَ مجموعة من العلماء منهج التهذيب الإيجابي عبر مجموعة كتب تعد من أكثر كتب العالم مبيعاً، حيث إن نشأة الطفل في بيئة صحيّة تساعده على نمو مهاراته العقلية والبدنية. والتربية الإيجابية هي شكل من أشكال التربية التي تهتم بتنمية مهارات الطفل اللغوية والحركية والسلوكية والعاطفية بطريقة مثمرة وبناءة.

يقول جين نيلسن: "لا أفهم كيف يعتقد الناس أن أطفالهم سوف يتصرفون بصورة جيدة عندما يشعرون بشعور سيئ، فالإنسان لا يتصرف بصورة صحيحة إلا حين يعامل جيداً ويتم تقديره".

وحتى يتمكّن المربي في المنزل أو المدرسة من أداء دوره الصحيح في التربية الإيجابية، لا بد من تأكيد وعيه بعدّة مفاهيم أساسية، سنتناولها في مقالنا البحثي حول التربية الإيجابية.

التربية الإيجابية

نحو الهدف

"زمزم عبد الجليل البيطار، وهي المنسّق التربوي في المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية، تخص موقع البوابة المعرفية برأي حول أهمية التربية الإيجابية بقولها: "تأتي أهمية تبنّي أنموذج التربية الإيجابية الأبوية أو إدارة فصول التعلّم، لتحقيق غاية ينشدها كل ولي أمر وكل مسؤول عن التربية في تنشئة أطفال أكثر سعادة وتفاؤلاً، قادرين على إدارة مشاعرهم وسلوكياتهم وتكوين العلاقات الاجتماعية، يتمتعون بثقة عالية واحترام للذّات، ولديهم الرغبة في اتباع السلوك الصحيح بعيداً عن الصراعات النفسية".

بين الحزم والتدليل

وتوضح المنسق التربوي "البيطار" أن ألفريد أدلر قدّم فكرة تعليم الأبوة والأمومة لجمهور الولايات المتحدة الأميركية في عشرينيات القرن الماضي؛ حيث دعا إلى معاملة الأطفال باحترام وناقش فكرة تدليل وتلبية رغبات الأطفال بشكل مبالغ فيه كأمر غير مُشجع لهم، يؤدي إلى مشاكل سلوكية واجتماعية. وعدّ كل من رودولف داريكرز، وألفريد أدلر استعمال منهج اللطف والحزم للتعليم والتربية نوعاً من أنواع الديمقراطية. أما برنامج مدرسة التربية الإيجابية بشكلها الحالي، فقد قام على تطويره جين نيلسن، وقدّمَ مجموعة من العلماء منهج التهذيب الإيجابي عبر مجموعة كتب تعد من أكثر كتب العالم مبيعاً، حيث إن نشأة الطفل في بيئة صحيّة تساعده على نمو مهاراته العقلية والبدنية. والتربية الإيجابية هي شكل من أشكال التربية التي تهتم بتنمية مهارات الطفل اللغوية والحركية والسلوكية والعاطفية بطريقة مثمرة وبناءة.

وتتابع المنسق التربوي "البيطار" قولها: "يتأثر الإنسان سلوكياً بالعلاقات الأفقية في مجتمعنا عندما يشعر بالأهمية والانتماء، بمعنى أنه يكون هدف الأم أو الأب هو تعليم أبنائهم التحكم بالنفس والتعاطف مع الآخرين وحسن التصرف. فبدلاً من الصراخ عليهم لجمع الألعاب التي نثروها، نشجعهم على إيجاد حل لكي تصبح غرفة المعيشة نظيفة".

أهداف التربية الإيجابية

وتبين أن هدفها معرفة الأسباب التي أدت إلى تصرف الطفل بهذه الطريقة، فهي تعمل على تغيير هذه المُعتقدات وليس تغيير السلوك نفسه، وهي طريقة لتدريب وتوجيه وإعداد الطفل ليفكّر منذ البداية بشكل إيجابي، وإذا واجهته مشكلة يكون أول من يفكر في الحلول، لا بدّ أن يكون هو المتحكم في سلوكه، وأن قيمة الانضباط الذاتي تمكّنه من التصرف بشكل سليم وسوي، من دون الحاجة إلى مراقبته، فيكون قراره يكون ناتجاً عن قناعاته الشخصية، بعيداً عن التحكّم وفرض الآراء.

ومن أهدافها أيضاً التهذيب يعلَم؛ فالغرض من التربية الإيجابية ليس التأديب كما أنه ليس أسلوباً للتدليل والتساهل، بل الهدف هو التعلم، وعند قيام الطفل بسلوك غير مناسب يجب أن يكون التركيز على حل المشكلة أو العواقب التي ترتبت على ما حدث وليس على العقاب، بالإضافة إلى استبدال المديح أو الإشادة بالسلوك اللّحظي ليحل مكانه التشجيع الذي يعتبر أحد وسائل التهذيب القيّمة جداً التي نعتمد عليها بشكل أساسي في التربية الإيجابية.

التواصل قبل التصحيح؛ حيث الإنصات الفعّال وحل المشكلات والتعاطف مع الطفل من أهم مبادئ التربية الإيجابيّة. وهذا التواصل له قواعد ليتم بالشكل المطلوب مثل الاستماع الجيد وإظهار التعاطف بتعبيرات الوجه ونبرات الصوت ومشاركة الطفل مشاعره وأفكاره عند الحاجة.

تأتي بعد ذلك مساعدة الطفل على إيجاد حلول تنبع من نفسه لا من والديه، وذلك بطريقة الأسئلة لا بطريقة التوجيه المباشر، كأن نقول: "هل ترى أن الغضب حل مشكلتك؟ كيف تحب أن تواجه تلك المشكلة في المرة القادمة؟".

واكتساب هذه المفاهيم يتطلب مهارات أساسية تعتمد عليها التربية الإيجابية، مثل تكوين علاقات فعالة والانضباط الذاتي.

المُربي الإيجابي

يسعى المربي الإيجابي، بحسب المنسق التربوي "البيطار"، إلى معرفة مراحل نمو طفله والطرق المناسبة للتعامل مع كل مرحلة وتفسير وتقويم وتوجيه سلوكه بطريقة سليمة تحترم شخصية طفله ولا تعرضه للضرر النفسي من خلال أساسيات هي؛ الحزم اللطيف الذي يتمثل بالاحترام لرغبات واحتياجات الطفل؛ تنمية مهارات التواصل مع البيئة المحيطة سواء أكانت في المنزل أم كانت في المدرسة؛ وكذلك لابد من تنمية مهارة حل المشكلات المختلفة بما يناسب عمر وعقلية الطفل.

رشوة الطفل

وتضرب لنا مثلاً حول نوبات الغضب، وهو سلوك سلبي ينتج عن شعور الطفل بالإحباط، وقد يكون الحل التقليدي على المدى القريب هو أن تعطيه كل ما يريده (أي أن تقوم برشوته) حتى يهدأ، وحينها سيتكرر الفعل دائماً طلباً للمزيد، بينما الحل الإيجابي على المدى البعيد هو أن تخبره بأنك تقر مشاعره ورغبته في الفعل، ولكنك لا تستطيع الاستجابة له الآن حتى يهدأ أو تتغير الظروف، وحينها سيتعلم السيطرة على رغباته وتهدئة نفسه بنفسه.

معايير التربية الإيجابية

هنالك عدة معايير تحققها التربية الإيجابية تذكرها المنسق التربوي "البيطار" وهي؛ مساعدة الطفل على الشعور بالهوية والانتماء، الاحترام: لأن إحساس الطفل أنه يتم احترامه وتشجعيه في الوقت نفسه على إصلاح ذاته دون تقليل من شأنه، التأثير طويل المدى: فالاهتمام يجب أن يكون بما يفكّر فيه الطفل وما يشعر به لتنمية نفسه وتطويرها، تعليم مهارات مختلفة: حيث يجب أن يكتسب الطفل مهارات اجتماعية وسلوكية، قدرة الطفل: إذ يجب أن يتم حث الأطفال لإدراك قدراتهم وتشجيع استعمال الطفل البنّاء لقدراته الشخصية والإحساس بالاستقلال. توظيف أدوات مبتكرة: حيث يوظف المربي أدوات ملائمة لعمر الطفل لتساعده في حل مشكلاته والتعبير عن مشاعره وإظهار الاحترام للآخرين مثل: الأنشطة المشتركة بأنواعها الصحّية والفكريّة والمجتمعية، كتابة اليوميات، خطة اليوم، قصاصات التهنئة، رسائل المحبّة، تزيين المنزل والعديد من المشروعات البيتية والمبادرات وغيرها الأدوات التي تؤكّد عناية الطفل بمجتمعه وتساهم في احتواء وتفهم مشاعره.

لماذا يلجأ المربي إلى العنف؟

بحسب المنسق التربوي "البيطار"، قد يلجأ بعض المُربّين إلى القسوة أو أحد أشكال العنف مع أطفالهم، لعدم قدرتهم على التعامل مع السلوكيات السلبية لأبنائهم، أو لأنهم استنفدوا الحلول المتاحة، أو لأنهم يتعرضون لضغط نفسي يجعلهم أقل صبراً على هذه السلوكيات، وله أشكال متنوعة، أبرزها العنف الجسدي مثل استخدام الضرب كوسيلة للعقاب، والعنف النفسي مثل الإهانة والسباب والتقليل من شأن الطفل.

اختلاف أنماط الذكاء

من جهته "عبد القادر عموري" رئيس شعبة التوجيه التربوي في "ريف دمشق" يعرّف لنا التربية الايجابية بقوله: "هي التركيز على السلوك الجيد وتشجيعه بدلاً من معاقبة السلوك السيئ، ما يعزز فكرة أنه لا يوجد طالب غبي وطالب ذكي، إنما يوجد اختلاف وتعدد في أنماط الذكاء ولكل طفل احتياجاته الخاصة وميوله واهتماماته الخاصة، فعندما يشعر الطفل بالأمان يصبح أكثر قدرة على فهم الصواب".

مفهوم التربية قديماً

ويبين عموري أن الفلاسفة والعلماء اهتموا بمفهوم التربية الإيجابية وجهدوا في الكشف عن مضامينه العلمية وأوجدوا له عدداً من التفسيرات التي اختلفت في شكلها ومتفقة في جوهرها، ومن أمثالهم أفلاطون (427-347 ق.م) الذي عرف التربية بأنها إعطاء الجسم والروح كل ما يمكن من الجمال والكمال، ومنحه حرية مزاولة النشاطات العقلية والبدنية التي تمكنه من إدراك الهدف التربوي المطلوب.

أما أرسطو (384-322 ق.م) فيرى بأن الغرض من التربية هو عمل المفيد والضروري في الحرب والسلم، والذي به يصل الإنسان إلى السعادة في الدنيا.

جهود تربوية رسمية

وهنا يشير "عموري" رئيس شعبة التوجيه التربوي في "ريف دمشق"، إلى أن التركيز قديماً كان على بناء الشخصية بكافة جوانبها الروحية والجسدية والفكرية بشكل يخدم بناء المجتمعات. ومع هذا التطور العلمي المتسارع وهذه الثورة التكنولوجية، أصبح هناك إغفال في موضوع التربية والتركيز في المدارس على الجانب العلمي، ما دفع وزارة التربية لتسليط الضوء مرة أخرى على هذا الجانب من خلال ورشات العمل المتعاقبة التي تهدف إلى الاهتمام بميول الطفل واحتياجاته ورصد كل جوانب التعلم، بما فيها التعلم الوجداني، وضرورة بناء الفكر القويم لدى أطفالنا.

وتتلخص قواعد التربية الإيجابية، بحسب "عموري" الذي يستند إلى العالم "جين نيلسن"، بالاحترام المتبادل، فهم عالم الطفل، الاتصال الفعال، مهارات حل المشكلات، التشجيع بدلاً من المدح، والتركيز على الحلول بدلاً من اللوم.

وفي الختام نجد أن التربية الإيجابية هي مزيج ما بين الحب والتفاهم والعطف والحماية.

جرت اللقاءات بتاريخ 1 آذار 2022

المراجع:

- positive discipline A-Z : الكتاب من تأليف المعالج والأخصائي النفسي والاستشاري الأسري جين نلسن والمعالجة ليان لوت مؤلفة أهم كتب ودلائل التربية في حقبة الثمانينات، ود. ستيفن غلين. ويقدم الكتاب 1100 حل للمشكلات اليومية التي تواجه الآباء والمُربين.

- دليل التربية الأسرية الإيجابية: الإصدار تم تنفيذه بدعم من الاتحاد الأوروبي منظمة اليونيسف.

- دراسة جامعات ستانفورد وسان فرانسيسكو وكاليفورنيا المنشورة في جريدة Child Improvement .

- كتاب positive discipline tools for teachers : الكتاب من تأليف المعالج والأخصائي النفسي والاستشاري الأسري جين نلسن ود. كيلي جيفرير. الكتاب مصمم لمساعدة المعلمين على إدارة فصول التعلم من أجل تحقيق نجاح عاطفي وأكاديمي واجتماعي.

1

1

1