كثيراً ما تختلط لدى المتلقي كلمتا الخيال والعلم، إلا أن السير في هذا الطريق لدى الروائي طالب عمران يشكل حراكاً ثقافياً على مستوى العالم، ويقدم الخيال العلمي كجنس أدبي له خصائص يتفرد بها، يرسم توقعات المستقبل بلغة المعرفة.

بدأت مسيرة الكاتب الدكتور طالب عمران العلمية مع انطلاق طاقته الإبداعية. فمنذ طفولته كان مولعاً بحب القراءة بشكل غير عادي، وكان يضع الروايات والكتب العلمية داخل كتاب المنهاج المدرسي خفية عن أهله. هذه الثقافة كانت مفتاحاً حقيقياً للإبداع في سن صغيرة، فكتب الخواطر والقصص والشعر وهو في سن العاشرة من عمره، لتبدأ المسيرة التي بدأت بشكل فعلي في أول مقال نشر له عام 1968 بعنوان (الكون أرقام وحكايات) في المجلة العسكرية التي كانت مشهورة جداً في ذلك الوقت.

مسيرة الخيالي المبدع

بدأت ملامح أدب الخيال العلمي لدى الكاتب طالب عمران بأشكال إبداعية مختلفة، فكتب في مجلة "جيش الشعب"، ونشرت أكثر مقالاته العلمية في "جريدة الثورة" منذ عام 1971 وفيما بعد حققت صفحته العلمية في جريدة تشرين انتشاراً واسعاً، إذ كان يكتب فيها القصص القصيرة المتنوعة. وقد أشار المرحوم نصر الدين البحرة إلى قصته التي تحمل عنوان (كوكب الأحلام) وكتب عنها بأنها أول قصة تتناول الخيال العلمي في سورية.

تطلعات البشر

فيما بعد تنوعت كتاباته، وقدم أول كتاب له في وزارة الثقافة بعنوان (العالم من حولنا) عام 1976 مخترقاً فيه الأزمان ومتسلحاً بأحداث ومعارف علمية. تلقى ثناء كبيراً من قبل الدكتورة نجاح العطار التي كانت مسؤولة النشر في الوزارة آنذاك. لينشر بعدها سلسلة من القصص تحت عنوان (كوكب الأحلام) في اتحاد الكتاب، واستمر نشره لدرجة أنه في كل عام كان ينشر رواية أو اثنتين أو مجموعة قصص ومعها كتاب. واستمر هذا الإنتاج حتى سفره إلى الهند لمتابعة دراسته العليا وهناك تابع الكتابة ودرس الفلك. وفي عام 1987 خصص له صفحة في جريدة تشرين، استمرت 29 عاماً حتى عام 2006 وكانت صفحة مقروءة جداً نظراً لما تتضمنه من قصص علمية.

ظواهر وآفاق

كان طالب عمران صاحب أطول برنامج تلفزيوني اسمه "ظواهر مدهشة"، بدأه منذ عام 1988 واستمر فترة طويلة، قدم من خلاله آلاف الحلقات المتعلقة بالخيال العلمي، وفي الوقت نفسه كان له برنامج "آفاق علمية"، وقد استمر في تقديم هذه البرامج حتى قبل عامين فقط، إذ تم إيقافه لصعوبة الإنجاز في ظل الضغط المادي. إلا أن مسيرته لم تتوقف، ففي عام 2008 بدأ العمل بمجلة الخيال العلمي، وهي مجلة شهرية تصدر عن وزارة الثقافة ليبدأ بعدها بمشروع سلسلة الخيال العلمي الشهرية التي من خلالها ينشر لكتاب عرب وكتباً مترجمة، وقد صدر منها حتى الآن 82 كتاباً، وهي أول سلسلة لها علاقة بالخيال العلمي في سورية.

د. طالب عمران

الخيال العلمي

مجلات الخيال العلمي

بالتخيل والعلم حلق عمران في عوالم غير مرئية، مع أن بداياته كانت أدبية من قصص ودواوين شعر، إلا أنه فضل التخصص بنوع واحد من الكتابة، تميزت بقوة العقل الفريدة وقدرة التخيل، فكان لكل كلمة مكتوبة معناها وسحرها الخاص، فانطلق عبر آفاق الزمن نظراً للحاجة الماسة في بلادنا لهذا النوع من الكتابات. وهذا ما دفعه في عام 2009 إلى تأسيس "رابطة الكتاب العرب للخيال العلمي" في دمشق. والانطلاق بمشروع الأدب العلمي قبل تسع سنوات في جامعة دمشق بهدف إيصال الثقافة العلمية لطلبة الجامعات؛ حيث كانت البداية بمجلة "الأدب العلمي" الشهرية ومجلة "دوائر الإبداع" الفصلية الجامعة لكتابات السينما والمسرح والفنون الأدبية الأخرى، إضافة إلى الكتاب الشهري الذي أنجز منه 72 كتاباً.

يقول الدكتور عمران عنه نفسه: "لست مغامراً، لكني أحب أن أقوم بعمل مختلف، أعمال يحتاجها الوطن العربي كثيراً، إذ إنني أكتب عن المستقبل وعن اللحظة التي ينتصر فيها الإنسان على عوامل ضعفه في الكون، وخير دليل على ذلك رواية (الأزمان المظلمة) التي صدرت عام 2003 فهي تعطي تصوراً لقرن بدأت ملامحه في الحادي عشر من الشهر التاسع عشر، وكل ما حدث فيه يمكن استقراؤه في الرواية دون مسميات، فقد أشرت إلى الاجتياح الكامل من قبل الصهيونية العالمية للمنطقة بشكل غير عادي، والضربات والقذائف، كل ذلك موجوداً في الرواية".

ويتابع حديثه: "أنا كاتب متشائم، لأن المستقبل بالنسبة إلي ليس جيداً للإنسانية، فهي بدأت تغوص في الوحل والدمار، وهناك مآس كثيرة وفيروسات وضغوط مختلفة، وليس غريباً أن أطلق على هذا الكوكب "كوكب الأحزان". وما أكبته ليس تنجيماً، فأنا أتنبأ المستقبل بشكل علمي منهجي".

اهتمام عالمي

يبين الدكتور طالب عمران الفرق بين القصة الأدبية والخيال العلمي، لافتاً إلى أن الأولى تُكتب بحبكة أدبية بينما الخيال العلمي يتحدث عن المستقبل، لافتاً إلى وجود كتاب عالميين في هذا المجال، وأعظمهم عالمياً هو الإنكليزي هربوت جورج ويلز الذي يكتب عن الفقراء وسحق الإنسان والذي يعتبر أيقونة الأدب العلمي الخيالي، لدرجة أنه يكتب عن المستقبل ويحذر الناس من الحكومات الظالمة والكوارث القادمة مشيراً إلى الهم المستقبلي للإنسانية.

وأشار عمران إلى الاهتمام العالمي لما يكتبه، ومنهم الكاتب والناقد الإنكليزي إيان كاميل، وهو حالياً في الثمانين من عمره الذي خصص فصلاً كاملاً في كتابه يتحدث فيه عن كتابات الدكتور طالب عمران حول الخيال العلمي. وكان لرواية (حاجز خلف الزمن) نصيب كبير فيه، كما استعرض كتاباته حول الصوفية وتحدث عن الأزمان المظلمة. هذا وقد تُرجمت روايته (أحزان السندباد) إلى عدة لغات ومنها الهندوسية، أما روايته (جزيرة الموت) فقد ترجمت إلى الفارسية وحصل عليها المترجم درجة امتياز بالماجستير من جامعة طهران، وحالياً هناك كاتب روماني يعكف على ترجمة كتبه إلى اللغة الرومانية.

رصيده العلمي

من الصعب إحصاء ما قدمه الكاتب من إبداعات، ولكن بالتأكيد هي تفوق الـ 120 كتاباً وقصة علمية وجمعيها طبعت عدة مرات والكثير منها مترجم إلى عدة لغات، وهو مستمر في هذا الخيال العلمي الجاد والمنضبط، ولديه حالياً رواية في اتحاد الكتاب اسمها (كنوز الأعماق) تتحدث عن عام 2070 حول القوى العظمى المبرمجة التي تحاول أن تحكم الكوكب بشكل كامل مع المافيا الموجودة التي هي أزذع هذه القوى العظمى، تسعى إلى حفر آبار عميقة جداً لسحب كل مكونات الثروة الداخلية للكوكب وتختار منطقة القطب الشمالي وتبدأ بالحفر لسهولة الحفر فيه أكثر من آي مكان آخر، ولكن يفاجؤون أن هناك كائنات تعيش في الداخل تقاومهم ولها ارتباط بكائنات فضائية كانت فيما مضى كائنات أرضية.

وهناك قصة (نزيف الفقراء) في وزارة الثقافة، واتفاق مع مؤسسة نشر لتقديم نحو 20 رواية جديدة، والكثير من الروايات التي لم تنشر ولا يزال يبحث عن المزيد من الأفكار، فهناك الأشياء الكثيرة التي لم يقلها بعد، فالإنتاج مستمر. باختصار هو كاتب الخيال العلمي طالب عمران أستاذ في جامعة دمشق اختصاص فلك وهندسة تفاضلية.