التناول الصحيح لسم النحل يعتبر مادة علاجية هامة للعضوية كلها وتجاه معظم الأمراض الإنتانية، فهو عند دخوله إلى العضوية يستنفر قواها الدفاعية. وهذا ما يفسر كيف أن النحالين العاملين في الهواء الطلق في مناحلهم يبدون بصحة جيدة وشيخوخة قوية وعمر مديد، وحيث أن مناعة واضحة متأصلة في عضويتهم نجدها تجاه الأمراض المختلفة.
عرفت الحضارات القديمة في الصين والهند ومصر وبابل واليونان العلاج بوخز النحل، وقد ورد ذلك في كتاب huandi neijing وهو كتاب صيني طبي قديم، كتب منذ قرابة 500 عام قبل الميلاد، ورد فيه العلاج بوخز النحل. كما أشار أرسطو إلى جهاز اللسع عند النحل منذ حوالي 300 سنة قبل الميلاد والخصائص العلاجية لسم النحل في كتابه historia animmalia، واستخدم الطبيب اليوناني أبقراط سم النحل لأغراض علاجية، ووصفه بأنه مادة غامضة سحرية لها خواص علاجية كثيرة. ولم يتوقف التاريخ العلاجي لسم النحل عند هذا الحد، فقد طبق الدكتور فيليب تريك النمساوي منتجات النحل على علاج التهاب المفاصل الروماتيزمي، وعالج مرضاه ببرنامج استخدم فيه من 1 حتى 50 نحلة فصلياً، وأعد تقارير بعلاج 660 مريضاً.
خصائص كيميائية
لا يتوقف العلاج بسم النحل على حقبة زمنية معينة. ففي دراسته البحثية، يبين الدكتور عصام محمد عودة من مؤسسي الرابطة السورية لطب وتربية النحل في سورية أن هناك خمسة أنزيمات مختلفة تم اكتشافها في سم النحل، أهمها الببتيدات المتعددة، وهي مركبات ذات وزن جزيئي أقل، وتحتوي على الميلتين الذي يعتبر العنصر الأهم في سم النحل، بالإضافة للأدولابين والدوبامين، كما أنه يحتوي على المركبات ذات الوزن الجزيئي المنخفض وفيها 18 مادة علاجية. لافتاً إلى أن الببتيد النشط بيولوجياً يشكل من 50 وحتى 55% من سم النحل، وهو من أهم العناصر النشطة بيولوجياً والذي يقلل من التوتر السطحي للأغشية ومضاد للالتهابات في جرعات صغيرة جداً، ويحفز العضلات الملساء، ويزيد من نفاذية الشعيرات الدموية، ما يؤدي إلى زيادة الدورة الدموية وخفض ضغط الدم ويقلل من تجلط الدم وينشط المناعة، كما أنه واقٍ من الإشعاع ويؤثر على الجهاز العصبي المركزي. أما الفسفوليباز (الأنزيم a) فإنه يقلل من تخثر الدم وارتفاع الضغط ويمنع موت الخلايا العصبية التي يسببها بريون الببتيد.
مناعة عضوية
يؤكد الدكتور عصام على وجود علاقة بين المناعة العضوية وسم النحل، إذ إن التناول الصحيح لسم النحل يعتبر مادة علاجية هامة للعضوية كلها وتجاه معظم الأمراض الإنتانية، فهو عند دخوله إلى العضوية يستنفر قواها الدفاعية. وهذا ما يفسر كيف أن النحالين العاملين في الهواء الطلق في مناحلهم يبدون بصحة جيدة وشيخوخة قوية وعمر مديد، وحيث أن مناعة واضحة متأصلة في عضويتهم نجدها تجاه الأمراض المختلفة.
وقد أثبتت الأبحاث من خلال التجارب على البرامسيوم وهو من وحيدات الخلية أهم خواص النحل المضادة للحيوية، وللجراثيم، وأنه قاتل للطفيليات من زمرة وحيدات الخلية كالبرامسيوم والمتحول الأميبي. وعليه فإن الآثار البيولوجية المفيدة والسامة لسم النحل في التجارب على الحيوانات والخلايا بينت: أن تأثيره بالنسبة إلى التهابات المفاصل مشابه لتأثير الأسبرين، كما له تأثيرات مضادة للسرطانات وأورام الكبد والبروستات وسرطان الجلد والكلى والرئة وسرطان الدم؛ حيث تكون آليات العمل تبعاً لنوع الورم. أما تأثيره على الجهاز العصبي المركزي والمحيطي، فإنه يعتبر مهدئاً للألم ويزيد من التروية الدموية في الدماغ وله تأثير مضاد للتصلب اللويحي، كما له تأثيرات للوقاية من الإشعاعات من خلال تحسين وتجديد كريات الدم البيضاء والحمراء، وهو مضاد حيوي لبعض أنواع الجراثيم والمبيضات وفيروس نقص المناعة المكتسبة.
التأثير السمي والتحسسي
يعاني بعض الناس من حساسية من سم النحل وتحصل لهم العديد من ردود الفعل التي يمكن أن تحدث من لدغة النحل أو من المنتج المستخلص من سم النحل، لكن في العادة تكون ردود الفعل موضعية مع احمرار وورم يحيطان بموضع اللدغة، إلا أنه قد يعاني البعض من ردة فعل أقوى، ويحصل ذلك عندما يزداد الورم وينتشر في كامل الطرف ويسبب مشاكل حركية. كما أنه قد تحدث حوادث الانسمام الشديدة أو المميتة رغم ندرتها في الأدب الطبي، حيث تعتبر منطقة الرقبة والرأس من أخطر المناطق التي يمكن أن تعرض صاحبها للموت بلسع النحل وفي مقدمتها خطورة هي الطرق التنفسية العليا وسقف الحنك والبلعوم وكرة العين، وعليه ينصح الدكتور عصام في الحالات الانسمامية الشديدة بإعطاء المريض الأدرينالين حقناً تحت الجلد ومقويات القلب كالكافئين والكورازول، كما تعطى المهدئات العصبية مثل اللومينال والكلورازين وبروموي الصوديوم وغيرها، وفي حال غلبة المظاهرة التحسسية تعطى مضادات الهستامين والكورتيزون حقناً عضلياً أو وريدياً.
استخدامه في المعالجة
هناك طرق معينة للمعالجة بلسع النحل الحي، بحسب الدكتور عصام؛ إذ يجب أن تمسك النحلة من ظهرها بملقط خاص، وتوضع، بحيث يواجه بطنها المنطقة من الجلد التي يراد تطبيق اللسع عليها، على أن تكون محضرة بغسلها بالماء والصابون، ولا يستحسن مسحها بالغول مطلقاً. ولا يجوز إعادة اللسع في نفس المكان قبل مضي خمسة أيام، وذلك حتى يتم تراجع الورم والألم وغيرها من الأعراض الناجمة عن اللسع الأول. وينتخب للسع النحل، الأجزاء من البدن التي يجري فيها عادة حقن الأدوية تحت الجلد كسطح الكتف والناحية الوحشية من الفخذ أو العضد. موضحاً: أن سم النحل المحقون يمتص سريعاً وبعد اللدغ تطير النحلة تاركة وراءها رمحها مع كامل جهاز اللسع والذي يستمر في التقلص لعدة دقائق حتى يتم إفراغ حويصل السم، وعندئذ يجب إزالة الحمة بعد أن يكون السم قد وصل إلى الجرح، ويمكن رؤية تقلص جهاز اللسع ونهاية ذلك التقلص بالعين المجردة.
المعالجة بالتشريد الكهربائي Electrophoraisis
تطبق المعالجة بإدخال المواد الدوائية إلى جسم المريض بالتشريد الكهربائي عموماً في كثير من مشافي العالم اليوم وخاصة في عيادات الأمراض العصبية والنسائية والجلدية وغيرها. ويعتبر إدخال المادة الدوائية عبر الجلد بالتشريد الكهربائي من أفضل طرق الاستشفاء في الطب الحديث، فهي طريقة سهلة لا تؤذي الجلد ولا تستدعي أي تخريش أو ألم، باستثناء بعض الاحمرار مكان التطبيق. ونظراً لأن السم يحتوي على جواهر فعالة يمكن أن تعبر الجلد إلى الجسم عبر القطب الموجب Catod وعلى جواهر أخرى تدخل عبر القطب السالب Anod، فإن محلول سم النحل يجب أن يطبق على القطبين بالتناوب حيث تتمكن جميع جواهره الفعالة من الدخول إلى العضوية.
مراهم واستنشاق
بيّن الدكتور عودة في بحثه إمكانية إدخال سم النحل إلى جسم المريض بدهن الجلد بالمراهم الحاوية عليه مع حمض الصفصاف والفازلين، نظراً للخواص المطرية للبشرة، ويضاف إلى المرهم بللورات صغيرة جداً من السيليكات التي تحدث رضاً مجهرياً في البشرة. وكذلك عن طريق الاستنشاق حيث تتكون رئتا الإنسان من 700 مليون من الفصيفصات الرئوية، بطانتها غزيرة بالأوعية الدموية. وهذه الطريقة تقوم على استنشاق الأبخرة أو الرذاذ الحاوي على سم النحل؛ حيث يصل إلى الحويصلات الرئوية، وتمتص هناك لتدخل الدم مباشرة، وليصل إلى كافة أعضاء البدن حيث ظهرت نتائج علاجية ممتازة.
طرق أخرى للعلاج
وتحدث الباحث عن مقترح تناول سم النحل بعد تصنيعه على شكل مضغوطات تمص تحت اللسان، مستفيدين من خاصية اللسان والغشاء المخاطي للفم بامتصاص الأدوية ودخولها إلى الدم مباشرة والتي وصفها لأول مرة البرفسور الأمريكي جوزيف برودمان، والتي ظهرت أهيمتها العلمية الكبيرة، ولونت المضغوطات بألوان مختلفة تناسب جرعة السم التي تحتوي عليها، وجرعتها العلاجية الكاملة 28 مضغوطة تحتوي على سم 215 نحلة. كما تحدث عن نجاح المعالجة بسم النحل عن طريق الأمواج فوق الصوتية، والتي أكد العلماء على أنها طريقة ممتازة لمعالجة آفات الركبتين الأليمة الالتهابية، ومن ثم في تحضير المفاصل المذكورة لتمارس عملها الطبيعي.
تجدر الإشارة إلى أن الدكتور عصام محمد عودة طبيب بيطري خريج جامعة البعث ومن مؤسسي الرابطة السورية لطب وتربية النحل واستشاري بالعلاج بمنتجات النحل. له عدة مقالات في مجلة سافكو العلمية، ومشاركات متعددة في محاضرات ضمن المراكز الثقافية بدمشق ونقابة الأطباء البيطريين، ومديرية زراعة ريف دمشق،، وجمعية تربية النحل بدمشق.
وله مشاركة في مؤتمر التقانة الحيوية ببحث عن خبز النحل، ومشاركة خلال الشهر الماضي في الملتقى العربي لتطوير قطاع النحل.