اكتشف العلماء طريقة جديدة للتعامل مع البلورات النانوية بهدف تطويرها والاستفادة القصوى من إمكانياتها اللامحدودة. قبل التعرف على الآلية الجديدة تعالوا معنا نتعرف أولاً على البلورات النانوية.

البلورة النانوية هي عبارة عن جسيم بلوري له بعد واحد على الأقل يقاس بأقل من 1000 نانومتر (نانومتر) حيث يتم تعريف 1 نانومتر على أنه جزء من ألف مليون من المتر (10-9 م).

البلورات النانوية لها مجموعة متنوعة من التطبيقات المثبتة والمحتملة. لقد تم استخدامها في صناعة المرشحات التي تقوم بتكرير النفط الخام وتحويله إلى وقود ديزل. يمكن أيضاً وضع البلورات النانوية على طبقات وتطبيقها على ركائز مرنة لإنتاج الألواح الشمسية. أسفرت الأبحاث في جامعة كوينزلاند (أستراليا) عن نتائج واعدة في هذا المجال. يمكن تعليق بلورات تيتانيا النانوية في شكل سائل وتطبيقها على الأسطح مما يجعل من الممكن حرفياً طلاء لوح شمسي على جدار أو سقف خارجي.

تشمل الاستخدامات المستقبلية المحتملة للبلورات النانوية ما يلي:

إنتاج الهيدروجين، إزالة الملوثات والسموم، التصوير الطبي بمختلف مجالاته، دراسة العلامات الحيوية لتحديد الجينات، صناعة الأدوية، تحليل البروتين، صناعة الشاشات المسطحة، تطبيقات متنوعة في مجال الإضاءة، الليزر البصري والأشعة تحت الحمراء، انتاج رقائق الذاكرة الضوئية الممغنطة، إضافة إلى تصنيع مواد ذكية ذاتية التنظيم تستخدم في الذكاء الاصناعي.

البلورات النانوية هي لبنات بناء واعدة للأجهزة الإلكترونية الجديدة والمحسّنة، نظراً لخصائصها القابلة لضبط الحجم والقدرة على الاندماج في الأجهزة بتكلفة منخفضة.

لم يتمكن أحد من مشاهدة عملية التجميع الكاملة للبلورات رغم أن دراسة بنية هذه البلورات قد تمت على نطاق واسع.

العلماء يحلقون شعيرات البلورات النانوية.

في بحثنا العلمي الذي نقدمه هنا، فكر العلماء أن يحلقوا الشعيرات من البلورات النانوية لتحسين خصائصها الإلكترونية. عندها يمكن للكيميائيين إنتاج أجهزة مستقبلية مثل شاشات الجيل التالي والخلايا الشمسية.

يمكنك حمل جهاز كمبيوتر كامل في جيبك اليوم لأن وحدات البناء التكنولوجية أصبحت أصغر وأصغر منذ الخمسينيات. ولكن من أجل إنشاء أجيال مستقبلية من الإلكترونيات - مثل الهواتف الأكثر قوة، أو الخلايا الشمسية الأكثر كفاءة، أو حتى أجهزة الكمبيوتر الكمومية - سيحتاج العلماء إلى ابتكار تقنية جديدة تماماً على أصغر المستويات.

أحد مجالات الاهتمام هو البلورات النانوية؛ حيث يمكن لهذه البلورات الصغيرة أن تتجمع في العديد من التكوينات، لكن العلماء واجهوا صعوبة في معرفة كيفية جعلها تتحدث مع بعضها البعض.

تقدم هذه الدراسة الجديدة طفرة في جعل البلورات النانوية تعمل معاً إلكترونياً. وقد يفتح البحث الذي نُشر في 25 آذار - مارس في مجلة Science، قد يفتح الأبواب أمام أجهزة مستقبلية ذات قدرات جديدة.

قال البروفيسور ديمتري تالابين بجامعة شيكاغو، المؤلف الرئيسي للورقة البحثية: نطلق على هذه اللبنات الأساسية اسم البلورات فائقة الذرية، لأنها يمكن أن تمنح قدرات جديدة - على سبيل المثال، السماح للكاميرات بالرؤية في نطاق الأشعة تحت الحمراء. ولكن حتى الآن، كان من الصعب جداً تجميعها في هياكل وجعلها تتحدث مع بعضها البعض. الآن وللمرة الأولى، ليس علينا الاختيار. هذا تحسين تحويلي كبير في هذا الشأن، فقد بدأنا نتعرف الطريقة المناسبة لتجميع هذه البلورات، ووجدنا اللغة المناسبة لكي تتحدث مع بعضها وتشكل حزمة واحدة.

جوش بورتنر طالب في الكيمياء ومن أوائل مؤلفي الدراسة، والحاصل على درجة الدكتوراه، قال شارحاً: وضع العلماء قواعد التصميم التي يجب أن تسمح بإنشاء العديد من أنواع المواد المختلفة.

مشكلة صغيرة

يمكن للعلماء إنتاج بلورات نانوية من العديد من المواد المختلفة: كل من المعادن وأشباه الموصلات والمغناطيس ينتج عن بلوراتها النانوية خصائص مختلفة. لكن المشكلة كانت أنه كلما حاول العلماء تجميع هذه البلورات النانوية معاً في مصفوفات، فإن البلورات الفائقة الذرية الجديدة ستنمو مع "شعيرات" طويلة حولها.

جعلت هذه الشعيرات من الصعب على الإلكترونات القفز من بلورة نانوية إلى أخرى. الإلكترونات هي رُسُل الاتصالات الإلكترونية، إنها الطريقة التي عثر عليها العلماء لجعل البلورات تتحدث مع بعضها، تعد قدرتها على التحرك بسهولة جزءاً أساسياً من أي جهاز إلكتروني.

احتاج الباحثون إلى طريقة لتقليل الشعر حول كل بلورة نانوية، حتى يتمكنوا من حزمها بشكل أكثر إحكاماً وتقليل الفجوات فيما بينها. قال تالابين المتخصص في الكيمياء والهندسة الجزيئية في جامعة كاليفورنيا: عندما تكون هذه الفجوات أصغر بمقدار ثلاثة أضعاف فقط، فإن احتمال قفز الإلكترونات بين البلورات يزيد بنحو مليار مرة. إن الأداء يتغير بشدة تبعاً لهذه المسافة.

لحلق هذه الشعيرات سعى الباحثون إلى فهم ما يجري على المستوى الذري. لهذا احتاجوا إلى مساعدة من الأشعة السينية القوية في مركز المواد النانوية في مختبر أرغون ومختبرات ستانفورد لضوء الإشعاع السنكروتروني في مختبر المسرع الوطني SLAC، بالإضافة إلى الاستعانة بنماذج محاكاة قوية والاستعانة بنماذج قوية للكيمياء والفيزياء أثناء العمل. كل هذا العمل وهذه التجارب سمحت لهم بفهم ما كان يحدث على السطح - والعثور على المفتاح لتسخير إنتاجهم وتحقيق الهدف بتقليص المسافات بين البلورات عن طريق إزالة هذه الشعيرات.

يتم جزء من عملية تكوين البلورات الفائقة الذرية في محلول - أي في سائل. اتضح أنه مع نمو البلورات، فإنها تخضع لتحول غير عادي تتعايش فيه المراحل الغازية والسائلة والصلبة. من خلال التحكم الدقيق في كيمياء تلك المرحلة يمكن للعلماء إنشاء بلورات ذات واجهات خارجية أكثر صلابة ونحافة بحيث يمكن تجميعها معاً بشكل وثيق أكثر. قال بورتنر: كان فهم سلوك البلورات المرحلي بمثابة قفزة هائلة إلى الأمام بالنسبة إلينا.

لا يزال النطاق الكامل للتطبيقات غير واضح، لكن يمكن للعلماء التفكير في مجالات متعددة يمكن أن تستخدم فيها هذه التقنية. قال تالابين: على سبيل المثال ربما يمكن أن تشكل كل بلورة كيوبت في الكمبيوتر الكمومي، إن اقتران الكيوبتات في المصفوفات هو أحد التحديات الأساسية لتكنولوجيا الكم في الوقت الحالي.

يهتم بورتنر أيضاً باستكشاف الحالة الوسيطة غير العادية للمادة التي شوهدت أثناء نمو البلورات الفائقة: التعايش ثلاثي الطور مثل الذي شهدناه أثناء تشكل البلورات النانوية الفائقة الذرية هو نادر بما يكفي لدرجة أنه من المثير للاهتمام ليجعلنا نبدأ بالتفكير في كيفية الاستفادة من هذه الكيمياء بهدف بناء مواد جديدة.

اشتملت الدراسة على علماء من جامعة شيكاغو وجامعة دريسدن للتكنولوجيا وجامعة نورث ويسترن وجامعة ولاية أريزونا ومختبر أرغون ومختبر لورانس بيركلي الوطني وجامعة كاليفورنيا في بيركلي.

تم إجراء البحث جزئياً في مركز المواد المتقدمة لأنظمة الطاقة والمياه التابع لوزارة الطاقة، ومركز الغرب الأوسط المتكامل للمواد الحسابية، ومركز المواد النانوية في أرغون، ومصدر الضوء الإشعاعي للإشعاع السنكروتروني من ستانفورد في مختبر التسريع الوطني SLAC.

وتم تقديم التمويل لهذا البحث الرائد من قبل وزارة الطاقة الأمريكية ووزارة الدفاع الأمريكية ومؤسسة العلوم الوطنية إضافة إلى مساهمة مؤسسات بحوث خاصة متعددة.

----

بواسطة: جامعة شيكاغو

المصدر: Science Daily