لم يقتصر التقدم الحضاري والتكنولوجي على تسهيل حياة البشر، بل كانت له آثار سلبية على كائنات أخرى على وجه الأرض، ومن هذه الكائنات نحل العسل الذي تعرّض لظاهرة انهيار طوائف النحل "colony collapse disorder" الذي كان أحد أسبابه التعرض للأشعة الصادرة عن الهواتف الخلوية.

النحل من الحشرات المهمة وتشكل قرابة 80% من الكائنات الحية، وتعتبر عالماً من أغرب عوالم المخلوقات المحيطة، وللنحل حوالي 20 ألف نوع حول العالم، يساهم في تلقيح معظم المحاصيل الزراعية وبالتالي إنتاج الثمار اللازمة للإنسان والحيوان، لذا فإن ظاهرة اختفاء النحل يؤثر سلباً على التوازن الطبيعي، وسيؤدي إلى اختفاء النباتات تدريجياً، وبالتالي انتهاء الحياة.

خلال السنوات الأخيرة وتحديداً منذ 2006 ظهر مصطلح انهيار طوائف النحل"colony collapse disorder" الذي كان بداية ظهوره في أمريكا الشمالية، وسجلت حالات في أوروبا عام 1998، وكانت الحالة عبارة عن اختفاء خلايا النحل حيث تختفي عاملات النحل من الخلية دون العودة إلى المملكة تاركة الملكة مع عدد قليل من العاملات والغذاء المخزّن في الخلية، الأمر الذي أدى إلى خسارات اقتصادية فادحة لمنتجي العسل ومربي النحل.

ولعبت التكنولوجيا دوراً في اختفاء النحل وضياعه؛ حيث يعتقد باحثون من الهند أن السبب هو الإشعاعات المنبعثة من الهواتف الخلوية. وقام باحثون بجامعة البنجاب في جنوب الهند بوضع هواتف خلوية قرب قفير نحل لمدة ربع ساعة يومياً. وبعد مضي ثلاثة أشهر تبين لهم أن النحل توقف عن إنتاج العسل، كما أن البيض الذي تضعه ملكة النحل انخفض بنسبة النصف، وتراجع حجم القفير بشكل كبير.

أثبتت دراسة أخرى عن تأثير الحقول الكهرومغناطيسية أجراها "أندرو غولدزوورثي" أستاذ في علم الأحياء بكلية "إمبيريال كوليدج" في لندن، أن الإشعاعات الصادرة عن الهواتف الخلوية قد تؤثر على النحل، وقد تؤثر على صباغ في النحل اسمه "كريبتوكروم" تستخدمه الحشرات من أجل مساعدتها على معرفة طريقها والعودة إلى القفير بعد الحصول على غذائها.

وخلص علماء من بريطانيا إلى تأكيد تأثير أبراج تقوية إرسال الهواتف المحمولة على النظام البيئي والتي تؤدي الذبذبات اللاسلكية التي ترسلها هذا الأبراج إلى تضليل النحل وضياعه عن خلاياه بعد انتهائه من رحلة جمع الرحيق وغبار الطلع.

وعن انتشار ظاهرة انهيار النحل يقول "مينوس أسعد" ماجستير في الهندسة الزراعية اختصاص تربية نحل: "انتشرت هذه الظاهرة في عدة بلدان، وقد وضعت عدة أسباب محتملة لحدوث هذه الظاهرة عالمياً، إضافة إلى تأثير آفات النحل المختلفة، والتغيّرات المناخية والبيئية التي تحدث نتيجة التطور الصناعي والتكنولوجي. أمّا في بلدنا فمازالت هذ الظاهرة في الحد الأدنى. ويعتقد أنّ فقد طوائف النحل في سورية يعود إلى كثير من العوامل، وننصح النحالين للتقليل من ظاهرة فقد طوائف النحل باتخاذ الإجراءات التالية: اختيار موقع مناسب للمنحل، بحيث يكون مظللاً صيفاً ومعرضاً لأشعة الشمس المباشرة في الشتاء، وعدم وضع النحل في بساتين وحقول تتعرض للرش بالمبيدات. كما يجب الحفاظ على مخزون جيد من الغذاء داخل طائفة النحل، تشتية طوائف النحل بشكل جيد، وأن تكون ملكات طوائف النحل فتية وانتخابها من طوائف النحل المحلية، لأنها تكون أكثر مقاومة للأمراض وتحملاً للظروف البيئية، والعمل على المكافحة الجماعية لآفات النحل مثل "القراد" باستخدام المواد الطبيعية كمستخلصات النباتات الطبية والعطرية والأحماض العضوية، والابتعاد عن الاستخدام المتكرر للمبيدات لمنع ظهور سلالات من الآفات مقاومة لتلك المبيدات".

وأظهرت الدراسة التي قام بها المهندس "مينوس" المنشورة في "المجلة السورية للبحوث الزراعية" في شهر حزيران 2019 أن تطفل الآفات يُعتقد أنه يساهم في هذه الظاهرة، فيقول: "عالمياً سجّل تحوّل بعض الآفات من التطفل على بعض الحشرات إلى حشرات تطفل عليها للمرة الاولى، فمثلاً هناك ذبابة من عائلة الذباب الأحدب تسمى "Apocephalus borealis"، كانت تتطفل على النحل الطنان. وقد جرى توثيق تحول تطفلها على نحل العسل منذ فترات ليست بعيدة 2008 في أمريكا، وتم تسجيل تطفل هذه الذبابة على النحل في جمهورية مصر عام 2014، وفي سورية تم تسجيل وجود هذه الذبابة وتطفلها على نحل العسل عام 2019 لكن إلى الآن لا تزال الإصابات في الحد الأدنى. وتأتي أهمية تحديد وتوثيق الآفات الجديدة التي تهاجم نحل العسل لوضع استراتيجيات للوقاية ومنع تطور الإصابة وتحديد مدى علاقة ارتباط المتطفلات بالعوامل الممرضة الأخرى. فمثلاً الإصابة بآفة "ألفاروا" تنقل بعض الأمراض الفيروسية التي لها ضرر كبير على طوائف النحل، والتي تؤدي لاحقاً إلى فقدها. وللتقليل من هذه الظاهرة يجب الاعتماد على إنتاج ملكات من طوائف النحل المحلية وإنتاج الملكات وفق أسس علمية تعتمد على عدة معايير منها السلوك الصحي العالي والهدوء والإنتاجية ريثما يتم العمل على تأصيل سلالة النحل السورية، كونها أكثر تأقلماً مع البيئة ومقاومة للأمراض والآفات المختلفة التي تهاجم النحل.