حدد علماء الفلك وجود ثقب أسود سريع النمو في بدايات الكون والذي يعتبر "حلقة مفقودة" حاسمة بين مجرات تشكل النجوم الفتية وتشكل أولى الثقوب السوداء فائقة الكتلة. استخدموا بيانات من تلسكوب هابل الفضائي التابع لناسا لتحقيق هذا الاكتشاف.

سنبدأ بحثنا هذا في شرح الصورة المرفقة بالمادة والتي تمثل رسماً توضيحياً قدم فيه الفنان رؤيته التخيلية عن ثقب أسود فائق الكتلة يقع داخل اللب المغطى بالغبار لمجرة "انفجار نجمي" نشطة وتستمر بتشكيل النجوم، حيث سيصبح هذا اللب في النهاية نجماً زائفاً ساطعاً للغاية بمجرد زوال الغبار. يعتقد فريق البحث الحالي أن الجسم الذي تم اكتشافه في مسح هابل للسماء العميقة، يمكن أن يكون "الحلقة المفقودة" التطورية بين النجوم الزائفة ومجرات الانفجار النجمي. يعود تاريخ الثقب الأسود المترب إلى 750 مليون سنة فقط بعد الانفجار العظيم. فقد تم الكشف عن الحلقة المفقودة الغريبة والتطورية في مسح هابل العميق للمجرات.

نعلم أن الكون مشبع بالمجرات لدرجة أن أكثر الأجسام غرابة مرت دون أن يلاحظها أحد لسنوات إلى أن بدأ تلسكوب هابل الفضائي بأخذ ملاحظاته التي يطلق عليها العلماء مصطلح "المسح العميق". في نوع مما يشبه لعبة حل الألغاز الشهيرة "أين والدو" والتي طبقت بين المجرات، اكتشف فريق دولي من علماء الفلك في بيانات أرشيف هابل نقطة حمراء غامضة تقريباً في وسط المراصد الكبرى لأصول المسح العميق شمال (GOODS-North). وبقدر ما تبدو هذه النقطة غير ضارة، فقد تكون حلقة مفقودة نادرة بين بعض أقدم المجرات وولادة الثقوب السوداء الهائلة. إن الكائن المكتشف والمشار إليه باسم GNz7q، كان موجوداً عندما كان الكون مجرد طفل صغير، بعد 750 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم. لا يمكن أن يُعزى مزيج الإشعاع الصادر من الجسم إلى تشكل النجوم وحده. أفضل تفسير هو أنه ثقب أسود متنام يكتنفه الغبار. بمرور الوقت، سيخرج الثقب الأسود من شرنقته المغبرة على شكل نجم زائف لامع، كمنارة ضوئية كثيفة في قلب مجرة قديمة. قدم تلسكوب هابل الرائد هدفاً فريداً لتلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لناسا لاستخدام أدواته الطيفية لدراسة كائنات مثل GNz7q بتفاصيل غير مسبوقة.

مجرة

اكتشف فريق دولي من علماء الفلك باستخدام بيانات أرشيفية من تلسكوب هابل الفضائي التابع لوكالة ناسا والمراصد الفضائية والأرضية الأخرى جسماً فريداً في الكون البعيد، يمثل رابطاً حاسماً بين مجرات تشكل النجوم الفتية وأقدم الثقوب السوداء الهائلة. هذا الكائن هو الأول من نوعه الذي تم اكتشافه عندما كان عمر الكون 750 مليون سنة فقط. لقد كان يتربص دون أن يلاحظه أحد في واحدة من أفضل مناطق سماء الليل التي خضعت للدراسة. الكائن، الذي يشار إليه باسم GNz7q، هو النقطة الحمراء في وسط صورة مراصد هابل الكبرى للمسح العميق- الشمال (GOODS-North).

هابل والثقوب السوداء الهائلة

ساعدت بيانات أرشيف هابل من الكاميرا المتقدمة للاستطلاعات التابعة لهابل، ساعدت الفريق على تحديد أن GNz7q كان موجوداً بعد 750 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم. حصل الفريق على دليل على أن GNz7q هو ثقب أسود تم تشكيله حديثاً. وجد هابل مصدراً مضغوطاً للأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء. لا يمكن أن يكون سبب هذا الانبعاث من المجرات، ولكنه يتوافق مع الإشعاع المتوقع من المواد التي تسقط على ثقب أسود.

تنبأت النظريات والمحاكاة الحاسوبية بالثقوب السوداء سريعة النمو في المجرات المتربة وتشكل النجوم المبكرة لكن لم يتم ملاحظتها حتى الآن. أوضح سيجي فوجيموتو، عالم الفلك في نيلز بور من معهد جامعة كوبنهاغن والمؤلف الرئيسي لورقة نيتشر التي تصف هذا الاكتشاف: يشير تحليلنا إلى أن GNz7q هو المثال الأول لثقب أسود سريع النمو في اللب الغباري لمجرة انفجار نجمي في حقبة قريبة من أقدم ثقب أسود فائق الكتلة معروف في الكون. تتوافق خصائص الجسم عبر الطيف الكهرومغناطيسي بشكل ممتاز مع تنبؤات المحاكاة النظرية.

أحد الألغاز البارزة في علم الفلك اليوم يتمثل في معرفة كيف أصبحت الثقوب السوداء الهائلة التي تزن ملايين إلى مليارات المرات من كتلة الشمس ضخمة جداً بهذه السرعة؟

تتنبأ النظريات الحالية بأن الثقوب السوداء فائقة الكتلة تبدأ حياتها في النوى المغطاة بالغبار لمجرات "الانفجار النجمي" النشطة للنجوم قبل طرد الغاز والغبار المحيطين بها والظهور على شكل نجوم زائفة شديدة السطوع. رغم ندرتها، فقد تم اكتشاف كل من المجرات النجمية المغبرة والنجوم الزائفة المضيئة في الكون المبكر.

يعتقد الفريق أن GNz7q يمكن أن يكون حلقة مفقودة بين هاتين الفئتين من الكائنات ونقصد هنا المجرات النجمية والنجوم الزائفة. حيث يحتوي GNz7q على كلا جانبي مجرة الانفجار النجمي المتربة والنجوم الزائفة التي يطلق عليها العلماء اسم كوازار، حيث يُظهر ضوء الكوازار لون الغبار المحمر. لكن يفتقر GNz7q أيضاً إلى العديد من الميزات التي تتم ملاحظتها عادةً في الكوازارات الأنموذجية شديدة السطوع (المقابلة للانبعاث من القرص المتراكم للثقب الأسود الفائق الكتلة)، والذي يعتقد الباحثون أن سببه على الأرجح هو أن الثقب الأسود المركزي في GN7q لا يزال صغيراً وفي مرحلة أقل ضخامة. تتطابق هذه الخصائص تماماً مع الكوازار الشاب الذي يمر بمرحلة انتقالية والذي تم التنبؤ به في عمليات المحاكاة، ولكن لم يتم التعرف عليه بما يشبه كوناً عالي الانزياح نحو الأحمر مثل الكوازارات شديدة السطوع التي تم تحديدها حتى الآن بحدود انزياح أحمر يبلغ 7.6.

تابع فوجيموتو: يوفر GNz7q صلة مباشرة بين هاتين المجموعتين النادرتين، ويوفر وسيلة جديدة نحو فهم النمو السريع للثقوب السوداء الهائلة في الأيام الأولى للكون. اكتشافنا يقدم مثالاً على السلائف للثقوب السوداء الهائلة التي نلاحظها في عصور لاحقة.

بينما لا يمكن استبعاد التفسيرات الأخرى لبيانات الفريق تماماً، فإن الخصائص المرصودة لـ GNz7q تتوافق بشدة مع التوقعات النظرية. تشكل المجرة المضيفة لـ GNz7q نجوماً بمعدل 1600 كتلة شمسية سنوياً، ويبدو GNz7q نفسه ساطعاً عند أطوال موجات الأشعة فوق البنفسجية ولكنه خافت جداً عند أطوال موجات الأشعة السينية.

بشكل عام، يجب أن يكون قرص التراكم للثقب الأسود الهائل شديد السطوع في ضوء الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية. ولكن هذه المرة، على الرغم من أن الفريق اكتشف ضوء الأشعة فوق البنفسجية باستخدام هابل، إلا أن ضوء الأشعة السينية كان غير مرئي حتى مع واحدة من أعمق مجموعات بيانات الأشعة السينية. تشير هذه النتائج إلى أن قلب قرص التنامي، حيث تنشأ الأشعة السينية لا يزال محجوباً بينما يصبح الجزء الخارجي من قرص التراكم حيث ينشأ ضوء الأشعة فوق البنفسجية غير محجوب. هذا التفسير هو أن GNz7q عبارة عن ثقب أسود سريع النمو لا يزال محجوباً من قبل اللب الغباري لمجرته المضيفة المكونة للنجوم.

علق غابرييل برامر، عالم فلك آخر من معهد نيلز بور من جامعة كوبنهاغن وعضو الفريق على هذه النتيجة: من غير المحتمل أن يكون اكتشاف GNz7q داخل منطقة مسح GOODS-North الصغيرة نسبياً مجرد "ضربة حظ"، ولكن في الحقيقة إن انتشار مثل هذه المصادر قد يكون في الواقع أعلى بكثير مما كان يُعتقد سابقاً.

لم يكن العثور على GNz7q مختبئاً في مرمى البصر ممكناً إلا بفضل مجموعات البيانات المفصلة بشكل فريد ومتعددة الأطوال الموجية المتاحة لـ GOODS-North. بدون هذا الثراء في البيانات، كان من السهل التغاضي عن GNz7q، لأنه يفتقر إلى السمات المميزة المستخدمة عادةً لتحديد النجوم الزائفة في الكون المبكر. يأمل الفريق الآن في البحث بشكل منهجي عن كائنات مماثلة باستخدام استطلاعات مخصصة عالية الدقة والاستفادة من أدوات التحليل الطيفي لتلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لناسا لدراسة كائنات مثل GNz7q بتفاصيل غير مسبوقة.

واختتم فوجيموتو قائلاً: سيصبح توصيف هذه الأشياء بالكامل والتحقق من تطورها والفيزياء الأساسية المعززة بتفاصيل أكبر بكثير مما نملك الآن ممكناً باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي. بمجرد بدء التشغيل المنتظم، سوف يمتلك العلماء القدرة على تحديد مدى شيوع هذه الثقوب السوداء سريعة النمو حقاً.

تلسكوب هابل الفضائي هو مشروع تعاون دولي بين وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية. يدير التلسكوب مركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في غرينبيلت بولاية ماريلاند.

----

معهد سبيس تلسكوب للعلوم

ترجمة عن موقع: SciTechDaily