يقال لها الخلايا الأم التي تُولد خلايا الجسم، وتجدد نفسها بنفسها لتعطي جزء من الخلايا اسمها طلائع الخلايا الدموية، وهي التي تتكاثر فيما بعد لتعطي الخلايا الدموية الناضجة أي الكريات الحمراء والبيضاء والصُفيحات، التي بدونها لا يمكن أن تستمر حياة الإنسان. إذاً نحن أمام قنبلة علاجية لأمراض الدم، تدعى الخلايا الجذعية.

يأخذ العلاج بالخلايا الجذعية اليوم أصداء كبيرة في عالم الطب الحديث على المستوى المحلي والعالمي، وعلى الرغم أنها مكتشفة منذ خمسينات القرن الماضي، إلا أن تأثيرها العلاجي لم يظهر إلا في مرحلة السبعينات من القرن نفسه، لتصبح علاجاً عالمياً مهماً، بدأ التوجه نحوه محلياً والحديث حوله في سورية بعد عشر سنوات من ذلك الوقت. يؤكد الدكتور أمين سليمان أخصائي أمراض الدم ورئيس شعبة الدم بمشفى المواساة أنه مع بداية عام 2000 توجهت الجهود المحلية نحو هذا العلاج بشكل عملي، وكانت الفكرة الأولى نحو هذا الهدف هي إقامة مركز للخلايا الجذعية في الطب النووي بمشفى البيروني الجامعي، إلا أن الجهود هنا تعثرت، لتعود في عام 2009 وتنجح في إنشاء مركز لزرع النقي في مشفى تشرين العسكري وتلاه مركز آخر في مشفى الأطفال الجامعي.

ترميم نقي العظم

يقول سليمان إن الهدف من العلاج بالخلايا الجذعية هو ترميم نقي العظام في حال حدوث ما يسمى تصحر النقي العظمي الذي ينتج إما بسبب مرضي أو بسبب علاجي، وبالتالي هو وسيلة لإنقاذ الحياة. فعلى سبيل المثال في معالجة سرطانات الدم، وعندما يفشل العلاج والشفاء يتحول العلاج عن طريق الزرع وهي معالجات كيميائية شديدة تؤدي إلى قتل كل الخلايا السليمة والخبيثة في الجسم، ولكن بدون زرع هذه الخلايا الجذعية لا يستطيع الجسم أن يرمم نفسه إلا بنسبة ضئيلة جداً لا تصل إلى 1%. وموضوع رزع النقي من الناحية العلمية يعتبر أسهل أنواع زرعات الأعضاء المختلفة، ونحن نرى كيف أصبح لدينا نجاح كبير في زرع الكلية وزرع الكبد، في حين أن زرع الخلايا الجذعية أسهل منها بكثير وهي أشبه بعملية نقل الدم، ولكن بعد تهيئة الجسم لاستقبال هذه الخلايا مع ضرورة وضع المريض بعد عملية الزرع في العناية المشددة الفائقة لعدة أسابيع ليبدأ بعدها الترميم.

الدكتور أمين سليمان

موطنها الأصلي

أكد رئيس شعبة الدم بالمواساة أن العلاج بالخلايا الجذعية هو إنقاذ لمئات وآلاف الناس من أمراض الدم وهي وسيلة علاجية يجب أن يتم تطويرها وتوطينها محلياً في مشافينا الكبيرة، خاصة أن عملية الحصول عليها متوفرة فموطنها الأصلي هو نقي العظم. لافتاً أنهم في أواخر القرن الماضي كانت تؤخذ من العظم مباشرة من منطقة الحرقفة وأنهم عندما كانوا يمثلون العمل الجراحي أثناء متابعة دارستهم في فرنسا في ذلك الوقت كانوا يقومون بتخدير المريض لمدة ساعتين ثم تبدأ عملية بزل متتالية لمدة ساعة ونصف، ثم تأخذ إلى المختبر لمعايرة كمية الخلايا الجذعية، وبعد ذلك تحفظ في درجة حرارة منخفضة تحت الـ 70 درجة مئوية بالآزوت الثلجي. وعندما يصبح المريض مهيئاً لاستقبال الزرع، نقوم بإعادة تذويب الدم الذي يحتوي على كمية كبيرة من الخلايا الجذعية وإعادة حقنه في المريض بعد أن يكون مجهزاً لاستقبال هذه الخلايا.

وأوضح أن الخلايا الجذعية لا تؤخذ بشكل عشوائي، إذ يجب أن يكون هناك أشخاص مطابقون للزمر النسيجية الكبرى بشكل تام. ولهذا يفضل أن يكون التبرع من الأقارب وخاصة الإخوة ويفضل الإخوة الذكور أولاً، وإن لم يكن هناك مطابقة فتأخذ من الأخوات الإناث، وثم الأقرب والأقرب. علماً أن الدراسات والأبحاث بينت فيما بعد أن الناس المتبرعين غير الأقارب هم على المدى البعيد ستكون عملية الزرع منهم أفضل وأحسن ونسب الشفاء أكبر مع بعض الاختلاطات المختلفة.

أما المصدر الآخر لهذه الخلايا الذي تحدث عنه الدكتور أمين فهو الحبل السري، لأن نسبة الرفض فيه أقل، وعليه بدأنا نلحظ موضة شائعة، وهي أنه عندما يأتي مولود جديد لدى عائلة لديها نسبة سرطانات كبيرة يمكن أخذ عينة من الحبل السري وحفظها بهدف إمكانية استخدامها فيما بعد وفقاً لضوابط معينة بالمطابقة النسيجية.

إمكانية التخزين

ما يهم معرفته في هذا الموضوع، أن إمكانية تخزين الخلايا الجذعية بشكل عام متوفرة حتى في سورية، ولكن غالباً في المراكز الخاصة. ومع أنها عملية بسيطة، إلا أنها يجب أن تكون بالتوازي مع توطين مراكز زرع النقي لتحافظ على قيمتها الوظيفية. وكذلك إن هذه الخلايا تطبق على جميع أمراض السرطانات، وتأتي أهميتها الكبرى بالنسبة إلى السرطانات غير الدموية، أنه في حال استُصعب استئصال الورم بالجراحة، تصبح إمكانية الشفاء قليلة جداً، فيمكن الاستفادة من المعالجة بالزرع، بالاعتماد على الزرع الذاتي وهو من الشخص نفسه وهي مفيدة وسهلة وغالباً هي سليمة. أو تؤخذ الخلايا الجذعية من شخص آخر مطابق وخاصة في أمراض الدم لكون المشكلة الأساسية في الخلايا نفسها.

إمكانية العلاج

يوضح سليمان أن معالجة السرطانات بشكل عام تعتمد على المعالجة الكيميائية والمستهدفة، وهي تتمثل بالمعالجات المناعية أو المعالجات الأخرى، وفي هذه العلاجات قد تصل مرحلة الشفاء إلى 50% ولكن في الحالات الأخرى التي لا تشفى فيها الأمراض يتم اللجوء إلى معالجات كيميائية شديدة هذه المعالجات تقتل جميع الخلايا لدى المريض وتكون نسبة الشفاء منخفضة جداً. وهنا يأتي دور العلاج بالخلايا الجذعية التي لا تعتبر عملية صعبة لكونها شبيهة بعملية نقل الدم، إلا أنها تحتاج لوجود أكثر من طبيب للقيام بها، إذ يجب أن يشارك فيها طبيب المختبر لما لديه من خبرة في قطف الخلايا الجذعية وطبيب أمراض الدم أو طبيب الأورام الذي لديه خبرة بعملية زرع النقي، ومن المهم وجود طبيب بالأمراض الباطنية تحسباً لما يحدث من اختلاطات باطنية أو داخلية قبل أو بعد الزرع.

الآثار الجانبية

تجرى عملية زرع النقي بسبب المعالجة الكيميائية لأن هذه المعالجة سوف تؤدي إلى تثبيط نقي شديد، وبالتالي ستحدث حالات نزفيه وفقر دم شديدين وإنتانات، ولهذا يتم وضع مرضى الزرع في العناية المشددة الفائقة لمدة ستة أسابيع. يبين رئيس شعبة الدم في المواساة أن الاختلاطات التي تدفع الطبيب لعملية الزرع تكون بسبب المعالجة الكيميائية الشديدة. أما الاختلاط الناتج عن الزرع والذي يحدث على المدى البعيد هي الرفض، إذ إن الخلية الجذعية تعتبر جسما غريباً بالنسبة إلى جسم المريض، وتعمل على مهاجمته بعكس كل أنواع زروعات الأعضاء الأخرى حيث يقوم الجسم بمهاجمة العضو الغريب. وهذا يعتبر مشكلة حقيقية، فالضيف هنا هو الذي يهاجم المضيف، ولهذا يعمل الأطباء على إضعاف المناعة لدى المريض من خلال مثبطات المناعة، وفي بعض الأحيان تكون اختلاطات الرفض أسوأ بكثير من المرض الأصلي، لذلك لا ينصح بإجراء الزرع إلا بعد دراسة مفصلة وأخذ قرار مشترك ما بين المريض وذويه وبمشاركة عدد من المختصين.