اكتشف العلماء أن البلورات المعدة هندسياً يمكن أن تساعد أجهزة الكمبيوتر على العمل بطاقة أقل. قد تصبح أجهزة الكمبيوتر أصغر حجماً وأكثر قوة، ولكنها تتطلب قدراً كبيراً من الطاقة للعمل. ارتفع إجمالي كمية الطاقة التي تخصصها الولايات المتحدة للحوسبة بشكل كبير خلال العقد الماضي وتقترب بسرعة من تلك الموجودة في القطاعات الرئيسية الأخرى، مثل النقل.

في دراسة نُشرت على الإنترنت هذا الأسبوع في مجلة Nature، جامعة كاليفورنيا، بيركلي، وصف المهندسون اختراقاً كبيراً في تصميم أحد مكونات الترانزستورات - المفاتيح الكهربائية الصغيرة التي تشكل اللبنات الأساسية لأجهزة الكمبيوتر - والتي يمكن أن تقلل بشكل كبير من استهلاك الطاقة دون التضحية بالسرعة أو الحجم أو الأداء. يلعب المكون الرئيسي، المسمى بأكسيد البوابة، دوراً رئيسياً في تشغيل وإيقاف تشغيل الترانزستور.

قال كبير مؤلفي الدراسة سيف صلاح الدين، أستاذ TSMC المتميز: لقد تمكنا من إظهار أن تقنية أكسيد البوابة لدينا أفضل من الترانزستورات المتاحة تجارياً: ما يمكن أن تفعله صناعة أشباه الموصلات التي تبلغ قيمتها تريليون دولار اليوم - يمكننا التغلب عليها بشكل أساسي.

تقنية أكسيد البوابة

أصبح هذا التعزيز في الكفاءة ممكناً من خلال تأثير يسمى السعة السالبة، والذي يساعد على تقليل مقدار الجهد المطلوب لتخزين الشحنة في مادة ما. تنبأ صلاح الدين نظرياً بوجود سعة سالبة في عام 2008 وأظهر لأول مرة التأثير في بلورة حديد كهربية في عام 2011.

تُظهر الدراسة الجديدة كيف يمكن تحقيق السعة السلبية في بلورة مُصممة هندسياً تتكون من كومة من طبقات من أكسيد الهافنيوم وأكسيد الزركونيوم، والتي تتوافق بسهولة مع ترانزستورات السيليكون المتقدمة. من خلال دمج المادة في أنموذج الترانزستورات، توضح الدراسة كيف يمكن لتأثير السعة السلبية أن يقلل بشكل كبير من مقدار الجهد المطلوب للتحكم في الترانزستورات، ونتيجة لذلك، كمية الطاقة التي يستهلكها الكمبيوتر.

البنية البلورية

في علم المعادن وعلم البلورات يطلق مصطلح البنية البلورية على الترتيب الفريد للذرات في البلورة. تتكون البنية البلورية من مجموعة من الذرات التي تكون مرتبة بطريقة معينة في الشبكة البلورية. من الممكن تخيل وحدات البنية البلورية على أنها مجموعات من الذرات على شكل صناديق صغيرة تدعى الخلايا (وحدة خلية)، وبتكرار هذه الخلايا في الفضاء ثلاثي الأبعاد تتشكل البلورة العينية.

من أهم خصائص البلورة هو طول أضلاع الخلية، تسمى c، b، a والزوايا بين أضلاع الخلية وتسمى ألفا، بيتا، غاما. وتلك الإحداثيات الستة تسمى إحداثيات الشبكة البلورية. تلعب البنية البلورية دوراً هاماً في تحديد خصائص البلورة مثل قابليتها على الانشقاق (الانفلاق البلوري)، التوصيل الكهربائي، نطاق الطاقة، إضافة إلى خصائص بصرية وأخرى مغناطيسية.

قال صلاح الدين: في السنوات العشر الماضية زادت الطاقة المستخدمة في الحوسبة بشكل كبير وهو ما يمثل بالفعل نسباً من رقم واحد من إنتاج الطاقة في العالم، الذي ينمو بشكل خطي فقط، دون أن يكون هناك نهاية في الأفق. عادة، عندما نستخدم أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة الخاصة بنا، فإننا لا نفكر في مقدار الطاقة التي نستهلكها. ولكنها كمية هائلة، وسوف تستمر بالارتفاع. هدفنا هو تقليل الطاقة لهذه اللبنة الأساسية للحوسبة، لأن ذلك يقلل من احتياجات الطاقة للنظام بأكمله.

السعة السلبية

تحتوي أحدث أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية على عشرات المليارات من ترانزستورات السيليكون الصغيرة، ويجب التحكم في كل منها عن طريق تطبيق جهد كهربائي. إن أكسيد البوابة الذي تتحدث عنه دراستنا هذه هو عبارة عن طبقة رقيقة من المادة التي تحول الجهد المطبق إلى شحنة كهربائية، ثم تقوم بتبديل الترانزستور.

يمكن أن تعزز السعة السالبة أداء أكسيد البوابة عن طريق تقليل مقدار الجهد المطلوب لتحقيق شحنة كهربائية معينة. لكن لا يمكن تحقيق التأثير في أي مادة فقط. يتطلب إنشاء سعة سالبة معالجة دقيقة لخاصية مادية تسمى القابلية الفيروكهربائية، والتي تحدث عندما تعرض المادة مجالاً كهربائياً تلقائياً. في السابق تم تحقيق التأثير فقط في المواد الفيروكهربائية المسماة بيروفسكايت، والتي لا يتوافق تركيبها البلوري مع السيليكون.

في الدراسة أظهر الفريق أن السعة السالبة يمكن تحقيقها أيضاً من خلال الجمع بين أكسيد الهافنيوم وأكسيد الزركونيوم في بنية بلورية مُصممة هندسياً تسمى الشبكة الفائقة، ما يؤدي إلى كهربة حديدية وكهربائية متزامنة.

قال المؤلف المشارك الأول للدراسة سوراج تشيما، باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا في بيركلي: وجدنا أن هذا المزيج يعطينا في الواقع تأثيراً سالباً أفضل للسعة، ما يدل على أن ظاهرة السعة السلبية هذه أوسع بكثير مما كان يعتقد في الأصل. إن السعة السلبية لا تحدث فقط في الصورة التقليدية لتوليد الكهرباء مع عازل، وهو ما تمت دراسته على مدار العقد الماضي. ولكن أيضاً يمكنك في الواقع جعل التأثير أقوى من خلال هندسة هذه الهياكل البلورية لاستغلال الطاقة الكهروضوئية جنباً إلى جنب مع الطاقة الفيروكهربائية.

وجد الباحثون أن البنية الشبكية الفائقة المكونة من ثلاث طبقات ذرية من أكسيد الزركونيوم محصورة بين طبقتين ذريتين من أكسيد الهافنيوم، حيث يبلغ مجموع سمكهما أقل من 2 نانومتر، هذه الأبعاد قدمت أفضل تأثير على السعة السلبية. نظراً لأن معظم ترانزستورات السيليكون الأكثر حداثة تستخدم بالفعل أكسيد بوابة 2 نانومتر يتكون من أكسيد الهافنيوم فوق ثاني أكسيد السيليكون، وبما أن أكسيد الزركونيوم يستخدم أيضاً في تقنيات السيليكون، يمكن بسهولة دمج هذه الهياكل الشبكية الفائقة في الترانزستورات المتقدمة.

لاختبار مدى جودة أداء البنية الشبكية الفائقة كأكسيد البوابة، قام الفريق بصنع ترانزستورات قصيرة القناة واختبروا قدراتها. تتطلب هذه الترانزستورات جهداً أقل بنسبة 30% تقريباً مع الحفاظ على معايير صناعة أشباه الموصلات وبدون فقدان الموثوقية، مقارنةً بالترانزستورات الموجودة.

أكد صلاح الدين: من الأمور التي نراها غالباً في هذا النوع من الأبحاث أنه يمكننا إظهار ظواهر مختلفة في المواد، لكن تلك المواد لا تتوافق مع مواد الحوسبة المتقدمة، وبالتالي لا يمكننا تحقيق الاستفادة الحقيقية من هذه التكنولوجيا. إن هذا العمل يحول السعة السلبية من موضوع أكاديمي إلى شيء يمكن استخدامه في الواقع في ترانزستور متقدم.

أخيراً لمعرفة العلماء الذين شاركوا في هذا البحث يمكن الاطلاع على البحث المنشور في مجلة Nature التابعة لجامعة كاليفورنيا. ونكتفي هنا بالقول إن جامعات عدة تعاونت وعلى مدى سنوات ليخرج هذا البحث إلى الضوء وأهمها: جامعة كاليفورنيا، جامعة نوتردام، مختبر لينكولن التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، جامعة ولاية بنسلفانيا، و مختبر التسريع الوطني SLAC، معهد المواد التطبيقية، المعهد الهندي للتكنولوجيا، ومختبر لورانس بيركلي الوطني.

تم دعم هذا البحث جزئياً من قبل مركز بيركلي للترانزستورات ذات السعة السلبية (BCNCT)، وتقنيات DARPA لبرنامج الدارات المتكاملة ذات المقياس الفائق (T-MUSIC) المختلط، ومشروع برامج ومبادرات أبحاث جامعة كاليفورنيا متعددة المجمعات، ووزارة الطاقة الأمريكية: مكتب العلوم ومكتب علوم الطاقة الأساسية وقسم علوم وهندسة المواد (برنامج تصميم الإلكترونيات الدقيقة).

----

ترجمة عن موقع: Science Daily