يعتبر التوجه لطاقات الشباب وتحويلها إلى مشروعات صغيرة تساهم في التنمية الاقتصادية، من العناوين العريضة التي طرحت مؤخراً خلال إطلاق المسابقة الوطنية للإبداع والاختراع على مستويات مختلفة، ومنها الجامعات كجانب منتج للمعارف والمشاريع الصغيرة ومنفذ لهذه الإبداعات.

أصبحت الحماية الفكرية أحد المشاريع التي تشكل رقماً مهماً على الصعيد المحلي والعالمي، وضرورة ملحة لحماية التطور العلمي وعمليات التأليف والاختراع، وصولاً إلى التطبيق بعيداً عن المشاكل والسرقات الفكرية والعلمية.

لا يمكنني أبدًا تحديد إلى أين يصل صراع الأفكار الذي لا ينتهي داخل عقول المبدعين، وبخاصة المخترعين من الشباب الذين يحلمون بتحويل أحلامهم إلى أفكار، وأفكارهم إلى أحلام، ولكن قد تكون التشريعات والقوانين الخاصة بالحماية الفكرية عتبة تنطلق منها تلك الأفكار لتشتبك مع الواقع.

التفكير المبدع

تهيئة الظروف

حماية الملكية الفكرية

تبين المهندسة رشا كركوكي معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك أهمية ما يرمي إليه نظام حماية الملكية الفكرية لإرساء توازن سليم بين مصالح المبتكرين ومصالح الجمهور العام، وإتاحة بيئة تساعد على ازدهار الإبداع والابتكار؛ إذ ترى أن الحماية الفكرية تعزز التنمية بكافة جوانبها، وتقلص الهوة المعرفية وصولاً إلى تهيئة الظروف المناسبة والبنية التحتية لدعم الإبداع والاختراع، مشيرة إلى أهمية تضافر الجهود وتكامل الأدوار بين مختلف الشركاء بهدف دعم الإبداع والابتكار.

إن القدرة على الإبداع متوفرة لدى الجميع، ولكنها تكون أكثر لدى الشباب الأمر الذي يتطلب توحيد الجهود لدعمهم واستثمار أفكارهم وتحويلها إلى اختراعات فعلية تسهم في النهوض الاقتصادي وحل المشكلات.

وأشارت كركوكي إلى دعم الوزارة المستمر للإبداع والاختراع والمسابقات من خلال الاستمرار بإقامة معرض الباسل للإبداع والاختراع والمسابقات الوطنية ومنها المسابقة الوطنية للإبداع والاختراع، والتي تهدف إلى التشجيع على رفع السوية العلمية للاختراعات السورية وتوظيفها في إيجاد حلول للمشاكل والصعوبات القائمة. كما أن الوزارة وضعت برنامجاً لنشر ثقافة الملكية الفكرية بهدف شرح عملية الوصول للبيانات ومنصات براءات الاختراع العالمية، وهو موجه إلى كافة المهتمين من كافة القطاعات، وقد تضمن برنامجاً خاصاً بالمدارس والشباب وبرنامج خاص بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل أساس الاقتصاد في العالم.

براءات الاختراع

تشكل الجامعات مفصلاً هاماً في موضع الإنتاج الفكري والعلمي، وتعتبر أكثر الجهات المعنية في موضوع الحماية الفكرية، وعليه بين الدكتور محمد أسامة الجبان رئيس جامعة دمشق دور حقوق الملكية الفكرية في حماية النتاج العلمي وبراءات الاختراع والعلامات التجارية والتصاميم الصناعية وحق المؤلف، الأمر الذي يساهم في تحويل الإبداع العلمي إلى مرحلة التطبيق والاستفادة من مخرجاته، ما يساهم في تشجيع الابتكار والإبداع واستثمار طاقات الشباب لبناء مستقبل أفضل. ولفت إلى مساعي الجامعة الحثيثة في دعم البحث العلمي ومشاريع الطلاب وتطوير التشريعات بهدف الارتقاء بمسيرة البحث العلمي الجامعي وتشجيع الباحثين لتحويل نتاجهم البحثي إلى منتجات ملموسة تساهم في رفد الاقتصاد الوطني والمساهمة في حل المشكلات الملحة بكافة القطاعات، بما ينعكس إيجاباً على الباحث والجامعة والمجتمع، والتي من أهمها إحداث مكتب براءات الاختراع في مديرية البحث العلمي والدراسات العليا ليكون بمثابة وسيلة لربط الباحثين والجهات والهيئات ذات الصلة بتسجيل وحماية حقوق الملكية الفكرية وتأمين التدريب المستمر للباحثين لرفع سويتهم في فهم خصوصيات حماية الملكية الفكرية المرتبطة بالنشاط البحثي والأكاديمي. وخاصة أن هذا المكتب سيعمل على توجيه الباحثين في تطبيق ابتكاراتهم وأفكارهم وتوثيقها وتذليل العقبات الإدارية التي تواجههم في تسجيل اختراعاتهم واستثمارها.

نقاط ملموسة

مدير حماية الملكية الصناعية التجارية في وزارة التجارة الداخلية المهندس خالد ضميري، أشار إلى جهود حثيثة لتفعيل دور حماية الملكية الفكرية والتشجيع عليها من خلال تسجيل براءات الاختراع وإيجاد فرص لتطوير واستثمار المبدعين والمخترعين، سواء عن طريق معرض الباسل للإبداع والاختراع، أو المسابقة الوطنية للمبدعين والمخترعين وتطوير القوانين باتجاه حماية الملكية الفكرية، وبالتالي حماية وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

وأشار إلى أهمية نشر ثقافة الملكية الفكرية بين الطلبة وخاصة المخترعين منهم والتشجيع على فهم العلاقات الخاصة بها وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية وتشجيعهم على الاستفادة من هذه الحقوق ومحاربة القرصنة والتقليد وتشجيع القطاعات الإبداعية، وذلك لتسهيل عملية نقل المعرفة والاستفادة من معلومات براءات الاختراع وتوظيفها في عملية التطوير، خاصة وأن عنوان التميز والإبداع كان حاضراً دائماً ضمن استراتيجية التشاركية الوطنية للجهات الفاعلة في هذا الاتجاه مع الجامعات ومع الاتحاد الوطني لطلبة سورية وهيئة المشروعات الصغيرة.

ناقل تكنولوجي

غالباً ما يجد المخترعون أنفسهم في مواجهة عقبات تتعلق بكيفية حماية اختراعاتهم (منذ لحظة ميلادها كحلم أو فكرة) وحتى لحظة وصول تلك الاختراعات إلى بر الأمان والحصول على "براءة اختراع" تساعدهم في تحويل اختراعاتهم إلى منتجات تجتاح الأسواق. في هذه الرحلة التي تتطلب من "المخترع" أن يكون على دراية بالوسائل التي تحميه من السقوط في شباك "سارقي براءات الاختراع" و"منتهكي حقوق الملكية الفكرية"، وخاصة في مجال إنتاج المشاريع، يوضح مدير هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة إيهاب اسمندر لـ "البوابة المعرفية" أهمية حماية الملكية الفكرية في مختلف المجالات، وأن غالبية دول العالم تطورت بحسب معدل الإبداع والاختراع الموجودين في اقتصادها باعتبارهما الأساس في تنمية المشاريع الصغيرة، إذ لا يمكن أن تكون هناك تنمية اقتصادية دون مشروعات صغيرة. وبين أن 99 في المئة من المشروعات هي مشروعات متوسطة وصغيرة بالنسبة إلى الاقتصاد السوري. ولهذا فإن حماية الملكية الفكرية تعتبر الحاضن الحقيقي لموضوع الإبداع والاختراع والأساس للتطور الاقتصادي.

وأشار إلى وجود حوالي 780 ألف مشروع متوسط وصغير في سورية، ولكن هناك 40 بالمئة منها متوقف عن العمل، أما المشاريع العاملة فعددها 462 ألف مشروع، إلا أنه وللأسف فقط 2 بالمئة منها لديها حماية ملكية فكرية، وذلك بسبب مخاوف تعود لأصحاب هذه المشاريع بالدرجة الأولى ولعدم وجود ثقافة الحماية الفكرية، علماً أن المشاريع الحاصلة على الملكية الفكرية تطورت أكثر من غيرها. وعليه يتم العمل حالياً على دعم حماية الملكية الفكرية ومنع إساءة استخدام نتاجها الوطني لتسويق الشركة أو المشروع بشكل صحيح.

ولفت اسمندر إلى أن وجود عدة برامج في ريادة الأعمال تم توسيعها مع مجموعة من الجامعات السورية. تركز على وضع حاضنات تسويقية لأصحاب المشاريع الصغيرة ورجال أعمال المستقبل، ومنها موضوع حماية الملكية. وهناك تعاون مع الجهات المعنية منها وزارة التجارة الداخلية وكذلك القطاع الخاص، معتبراً أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة الناقل الأكبر للتكنولوجيا حول العالم.