اكتشف العالم الأثري الألماني، ألفرد روست، حضارة إنسان ما قبل التاريخ في يبرود، وتحديداً في وادي "اسكفتا"، حيث وجد ثلاثة ملاجئ، فيها دلائل على سكن بشري كثيف ومتواصل، استمر أكثر من 200 ألف عام، وهناك عشرات الأبحاث القديمة والحديثة التي توجهت لدراسة إنسان المغاور والكهوف المحفورة في الصخور الكلسية.

ولمن لا يعرف يبرود، فما عليه إلا أن يتجه شمال العاصمة دمشق وعلى بعد 80 كم، ليجدها قابعة بين أحضان جبال القلمون ضمن وادٍ غني بالمواقع والأبنية الأثرية التي تعود إلى عصور مختلفة بدءاً من العصور الحجرية وحتى عصرنا هذا. هي المدينة السورية التي ذُكرت في كتابات الرقم الفخارية المتكشفة في بلاد ما بين النهرين باللغة الأكدية في عهد الملك آشور بانيبال، كما ذكرها الجغرافي اليوناني كلاوديوس بطليموس في القرن الثاني للميلاد، وأشار إليها ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان" وغيرهم الكثير.

النقش الصخري

ونظراً لما تمتلكه هذه المنطقة من تاريخ متنوع على امتداد عمرها الزمني، نجد الكثير من الباحثين المختصين وعلماء الآثار اندفعوا لدراستها، والبحث في دلالاتها. من ضمنها البحث الذي أنجزه الكاتب والمهندس حسين حمدان مؤخراً تحت عنوان (يبرود بداية الخليقة واكتشاف الحقيقة) ليكون استكمالاً للموضوع الذي طرحه سابقاً حول عالم الجن في وادي حريا اليبرودي، والذي أكد أنه بحث علمي بالمطلق، والهدف منه ليس التعريف بعالم الجن واستخدام الأساطير، بل بهدف الوصول إلى قدم الأرض التي سكنت في يبرود. وأن الدليل ليس بالتعويذات والبخور، بل هو أركيولوجي مستحاثي بحت. فانطلق في بحثه من خلال برهان نظريته بالدليل القاطع وبالاستدلال من مصادر غير قابلة للنقض، منوهاً من أن مؤلفه هذا محمي من قبل حماية الملكية الفكرية بوزارة الثقافة، وأن أي نقل أو تصرف أو اقتطاع من هذا الموضوع، سيتعرض القائم به للملاحقة القانونية.

وادي المشكونة

تحدث حمدان عن كيفية التأكد من صحة النقش الموجود على مسطح صخري غير مستوٍ بالدليل القطعي قبل وبعد التخريب, وأن الطريقة التي نقشت بها الصورة لا يمكن لأي جهاز في العالم، أو أي شخص مهما بلغت خبرته ومهارته، أن يخلق هكذا تهيؤ، إذ تشير صورة المقارنة بشكل واضح عن تلاقي أكثر من 15 نقطة مبدئياً بين الصورة والنقش بعد أن تعرض للتخريب, كدليل كاف على صحة البحث.

في وادي حريا

يبدأ الباحث مؤلفه من نقطة إثبات وجود الجن في وادي حريا, من خلال دراسة صورة جدارية منقوشة على الصخر موجودة في هذا الوادي في منطقة يطلق عليها شعبة مقبرة الشياطين. يقول: "من خلال جولاتي في أشهر وديان الشرق كما وصفة المؤرخون وعلماء الآثار وأبحاث إنسان ما قبل التاريخ، وتحديداً في شعبة مقبرة الشياطين، كان الهدف التأكد من مكان مسطح صخري عليه نقش صورة قديمة. وبجهود مضنية استطعت الحصول على نسخة مصورة لهذه اللوحة. ولكن للأسف الشديد عندما وصلت الموقع، وجدت أنها قد تعرضت للتشوية شبة الكامل من قبل لصوص الآثار والتنقيب العشوائي. ولكن لحسن الحظ بقيت هناك بعض العلامات المطابقة للأصل، ومعظم هذه العلامات موجود على الجهة اليسارية للصورة. والسبب باعتقادي، هو استخدام اليد اليمنى بحمل أداة التشويه، وقد تكون الأداة هي مشط مسنن فولاذي، وهذا يقتضي أن يكون اليمين أكثر تشويهاً من يسار الصورة. نلاحظ الصورة الأساسية قبل التشويه، وأن يمينها مطابق ومتناظر تماماً ليسارها، هذا في حال افتراض خط وسط يفصل الصورة قسمين متساوين. للتأكد من أن الصورة الجدارية مطابقة فعلاً للنقش الموجود على المسطح الصخري، أخذت صورة للمكان المفترض وجود النقش. وبالتدقيق لاحظت أنه بقيت هناك بعض الدلائل والعلامات، بلغ عددها 15 علامة تطابق، استطعت من خلال دراستها بواسطة برامج تطبيقية على الحاسوب التأكد من صحة وجود الصورة، وأن هذا هو مكانها، وأن الأصل صحيح".

وادي حريا

يرى الباحث أن الصورة، وبما لا يدع للشك، ليست من صنع البشر, بدليل أنها تحوي عشرات الهيئات من حيوانات، ومخلوقات غير معروفه لنا كبني البشر, إضافة إلى أنه كلما تم تكبير الصورة، ظهرت هيئات جديدة بقلب الهيئات القديمة، إلى أن تصل إلى درجة من بيكسل الصورة بحيث تصبح من غير الممكن تمييز التفاصيل بشكل واضح داخلها. أضف إلى ذلك أنه عند تدوير الصورة 180 درجة يظهر عالم آخر من الصور والهيئات التي لا تنتهي.

استفسارات ونتائج

وبحسب الكاتب، هناك عدة استفسارات يمكن طرحها حول هذه اللوحة؟ وفي مقدمتها: هل يستطيع الإنسان أن يرسم وينقش مثيلاً لهذه اللوحة حتى هذه الساعة؟ وخاصة بعد أن تبين من خلال تحليل اللوحة بأبسط برامج الرسم على الكومبيوتر, أنها معقدة وفيها عشرات الهيئات التي لا يمكن لعقل بشري أن يستوعبها, ولا يمكن أن يتخيل تلك الأشكال المرسومة. متسائلاً من الذي رسم تلك اللوحة ووضعها في هذا المكان بالذات وعلى ماذا تشير؟ ليؤكد لنا بأن من نقش هذه اللوحة على الصخر هي قوة عقلية خارقة, وأن المكان الذي نقشت عليه هو مسطح صخري قريب من مكان اسمه مقبرة الشياطين، والأشكال والهيئات التي رسمت في هذه اللوحة هي أشكال ليست آدمية، وليست لحيوانات كما نعرفها نحن أو نستطيع تخيلها. إذاً هذا الرسم هو صور من الممكن أن تكون لمخلوقات كانت في المنطقة، ومن الممكن أن أصحاب الصور بشكل ما قد دفنوا أو أقاموا هنا, وخاصة أن التوقعات تبين أن هذا النقش كان في زمن قديم قدم الأرض حيث خلق الجان من نار السموم ومن بعد ذلك خلق البشر. إن هذه التفسيرات تبقى فرضيات من الممكن التحقق منها من خلال تلك الصور.

وادي يبرود الكبير

بعض الأدلة

يتوصل الباحث في مؤلفه هذا إلى أن ظهور الجان وظهور البشر حدث بعد اكتمال تشكيل الأرض بكل مكوناتها، وبعد أن أصبحت جاهزة لتمكين جنس آدم من العيش عليها، وأن وجود الجان في هذه المنطقة له علاقة ببدء نشوء الخليقة، حيث ظهر بعد أن اكتمل هذا النشوء كما جاء في العديد من الآيات القرآنية. إضافة إلى وجود مقبرة خاصة بالجان وعليها هذا الرسم، هو أمر لم نعتده على مر العصور.

وبالتالي فإن نقش هذه الصورة في هذه المنطقة وفي هذا المكان بالذات بحسب الباحث، دليل على وجود مخلوقات سبقت ظهور البشر، وكانت أشكالها معروفة، وإلا لما رسمت بهذه الدقة. الأمر الذي يقتضي وضع فرضية تقول: إنه توجد مخلوقات سكنت منطقة يبرود وما حولها قبل ظهور السلالات البشرية، ثم ما إن ظهرت السلالات البشرية على سلم التطور، حددت السلالة التي يجب أن تستمر وهو آدم كجنس، وهذا أخذ ملايين السنين وكان طبعاً بأمر الله وتقديره.

سلم التطور

يصل الباحث إلى نتيجة هامة مفادها: أن منطقة يبرود ومحيطها هي أقدم بقاع الأرض، وأنه يجب إعادة النظر في قصة خلق الكون، واستكمال الأرض زخرفها, وجعلها الله مكاناً وقراراً، ومن ثم ظهور عالم الجن، وظهور كائنات على سلم التطور واندثارها وظهور عدد من أنواع البشر على سلم التطور, ليستوي ويصبح جاهزاً لتغير الصيرورة بنفخة الروح، وبقاء من استطاع التأقلم من تلك الأنواع ومن ثم جعله إنساناً، لتنطلق الصيحة الكبرى (يا بني آدم)، وقد تكون هذه الانطلاقة من يبرود لوجود الأدلة القوية التي قد ترتقي إلى مرتبة الإثبات. ثم يضع الفرضية التي تقول: إن هناك مخلوقات, وواحد أو أكثر من أجناس البشر وجد في يبرود، وأن البشر أو الإنسان ليس عابراً أو وافداً مقيماً، بل هو الأقدم، وارتقى من البشر إلى الإنسان في أرضها، ومنها انطلق إلى أصقاع الأرض كلها.

يؤكد المهندس حمدان وهو ابن المنقطة: أن ما تقدم به هو خاتمة لبحث طويل، وهو أحد الأدلة على قدم يبرود، وأن الباب مفتوح لديه لأي تساؤل يطرح حول هذا الموضوع، وخاصة أن للبحث جوانب أخرى تحمل الكثير من المعلومات. متمنياً من كافة الباحثين والعلماء ومعاهد البحث العلمي أن يدلوا بدلوهم لتعزيز هذه النتيجة وإعلانها على الملأ لوضع هذه الحقائق أمام أعين الناس كافة.