يُمكن تعريف مواقع التواصل الاجتماعي بأنَّها تقنيّة تُسهّل تبادل الأفكار والمعلومات من خلال التواصل بين المجتمعات الافتراضيَّة، وهي تعتمد بشكل رئيسي على وجود الإنترنت المُتصل بأجهزة الحاسوب، أو الأجهزة اللوحيَّة، أو الهواتف، وتُمكّن المستخدمين من الوصول بسرعة إلى المحتوى الذي قد يكون معلومات شخصيَّة، أو مستندات، أو مقاطع فيديو، أو صور.

تُستخدَم مواقع التواصل الاجتماعي عادةً للتفاعل مع الأصدقاء والعائلة وللبحث عن أهم وآخر الأخبار. ويبلغ عدد مُستخدمي هذه المواقع أكثر من 3 مليار مُستخدِم حول العالم، وتتراوح أعمار 90% منهم بين 18 إلى 29 عاماً.

تتعدد إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي في الكثير من المجالات، وذلك إن أحسن الفرد استخدامها، فهي توسع دائرة العلاقات الاجتماعية، وتعتبر أداةً مفيدةً وفعّالةً في تشكيل أصدقاء جُدد، وتسهل التواصل مع الأصدقاء الذين انقطع الاتصال بهم، كما أنها تقلل الحواجز التي تعيق الاتصال، كما ويُمكن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنقل الأفكار والآراء المتعلقة بموضوع معين لعدد كبير من الأشخاص وبطريقةٍ سهلة، فهي إذاً وسيلة هامة لتشكيل رأي عام فعّال، وهو الأمر الذي قد ينتج عنه تغيير إيجابي في بعض مناحي الحياة، كما أنها تعتبر وسيلة هامة لمتابعة أخبار العالم. فقد أصبح الخبر يأتي إليك لحظة حدوثه.

ولكن لمواقع التواصل الاجتماعي سلبيات عديدة إن أساء الفرد استخدامها، حيث سيكون أهمها: مخاطر الاحتيال أو سرقة الهوية، وإضاعة وقت الأفراد؛ حيث تدل العديد من الأبحاث على ازدياد عدد الساعات التي يقضيها الأفراد في كل مكان حول العالم في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي، خاصةً الفيسبوك وغيره من المواقع التي انتشرت بشكل واسع في السنوات القليلة الماضية محدثة ثورة هائلة في الاتصالات وفي حياة الأفراد والمجتمعات. وتبقى العزلة والإصابة بالقلق والاكتئاب أهم مخاطر قضاء أوقات طويلة في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث أصبح استخدام هذه المواقع بديلاً عن التفاعل الاجتماعي الحقيقي بين الأفراد، ما قد يؤدي إلى الإصابة بالعزلة والانطواء على الذات.

بعد هذا العرض العام عن وسائل التواصل الاجتماعي، لننظر إليها كما فعل باحثو جامعة باث - المملكة المتحدة؛ حيث وجدت نتائج الدراسة التي قامت بها جامعة باث وطلبت فيها من المشاركين أخذ استراحة لمدة أسبوع من وسائل التواصل الاجتماعي، آثاراً إيجابية على الرفاهية والاكتئاب والقلق.

وفقاً لمؤلفي الدراسة الجديدة، فإن مطالبة الأفراد بالتوقف عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمدة أسبوع قد يؤدي إلى تحسينات جوهرية في صحتهم واكتئابهم وقلقهم، ويمكن التوصية بالابتعاد عنها لفترات محددة كطريقة لمساعدة الأشخاص على إدارة صحتهم العقلية في المستقبل.

قام فريق من الباحثين من جامعة باث (المملكة المتحدة) بتقييم آثار الصحة العقلية بعد الابتعاد لمدة أسبوع عن وسائل التواصل الاجتماعي. بالنسبة إلى بعض المشاركين في البحث، كان هذا يعني توفير ما يقرب من تسع ساعات من أسبوعهم، والتي كانوا سيقضونها في تصفح إنستغرام وفيسبوك وتوتير وتيك توك.

تشير نتائج هذه الدراسة - التي نُشرت يوم الجمعة 6 مايو 2022 في المجلة الأمريكية: "علم النفس السيبراني والسلوك والشبكات الاجتماعية" - إلى أن أسبوعاً واحداً فقط بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي، أدى إلى تحسين المستوى العام لرفاهية الأفراد، فضلاً عن تقليل أعراض الاكتئاب والقلق.

بالنسبة إلى الدراسة، قام الباحثون باختيار 154 فرداً بشكل عشوائي تتراوح أعمارهم بين 18 و72 عاماً ممن يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي يومياً وتم تخصيصهم في مجموعتين: الأولى مجموعة تدخل، حيث طُلب منهم التوقف عن استخدام جميع وسائل التواصل الاجتماعي لمدة أسبوع واحد، والمجموعة الثانية مجموعة مراقبة، حيث يمكنهم الاستمرار في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي كالمعتاد. في بداية الدراسة، تم أخذ النتائج الأساسية للقلق والاكتئاب ومعدل الرفاهية لكلا المجموعتين.

أفاد المشاركون أنهم يقضون ما معدله 8 ساعات أسبوعياً على وسائل التواصل الاجتماعي في بداية الدراسة. بعد أسبوع واحد، حصل المشاركون الذين طُلب منهم أخذ استراحة لمدة أسبوع على تحسينات كبيرة في معدل الرفاهية والإصابة بالاكتئاب والقلق مقارنة بأولئك الذين استمروا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ما يشير إلى فائدة قصيرة المدى.

طلب المشاركون أخذ استراحة لمدة أسبوع واحد، وذكروا أنهم سوف يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لمدة 21 دقيقة في المتوسط مقارنة بمتوسط سبع ساعات لأولئك في المجموعة الضابطة. تم توفير إحصائيات استخدام الشاشة للتحقق من التزام الأفراد بالفاصل. يشرح الدكتور جيف لامبرت، الباحث الرئيسي من قسم الصحة في جامعة باث أن "تصفح وسائل التواصل الاجتماعي منتشر في كل مكان، لدرجة أن الكثير منا يفعل ذلك دون تفكير تقريباً منذ اللحظة التي نستيقظ فيها إلى الوقت الذي نغلق فيه أعيننا في الليل".

وأضاف: "نحن نعلم أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ضخم، وأن هناك مخاوف متزايدة بشأن آثار هذه الوسائل على الصحة العقلية. لذلك من خلال هذه الدراسة، أردنا معرفة ما إذا كان مجرد مطالبة الناس بأخذ عطلة لمدة أسبوع يمكن أن يعود بفوائد على الصحة العقلية".

أبلغ العديد من المشاركين لدينا عن تأثيرات إيجابية نتيجة الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي مع تحسن الحالة المزاجية والتعرض إلى قلق أقل بشكل عام. هذا يشير إلى أن مجرد استراحة صغيرة يمكن أن يكون لها تأثير كبير.

قال الدكتور لامبرت: بالطبع، تعد وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً من الحياة، وبالنسبة إلى العديد من الأشخاص فهي جزء لا غنى عنه وأصبحت تحدد وإلى درجة كبيرة من هم وكيف يتفاعلون مع الآخرين. ولكن إذا كنت تقضي ساعات كل أسبوع في التصفح وتشعر أنه يؤثر عليك سلباً، فقد يكون من المفيد أن تقلل استخدامك لهذه المواقع وذلك لمعرفة ما إذا أعطى هذا التقليل نتائج إيجابية.

يهدف الباحثون الآن إلى التوسع في أبحاثهم لاكتشاف ما إذا كان أخذ استراحة قصيرة قد يفيد التركيبة السكانية المختلفة (على سبيل المثال، الشباب أو الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية جسدية وعقلية خاصة). يريد الفريق أيضاً المتابعة مع الأشخاص لأكثر من أسبوع، لتحديد ما إذا كانت الفوائد مستمرة. إذا كانت هذه هي الحالة، فإنهم يعتقدون أنها ستصبح جزءاً من خيارات العلاج المستخدمة للمساعدة في إدارة الصحة العقلية في المستقبل.

على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية، أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي ثورة في طريقة تواصلنا، أكدها النمو الهائل الذي لاحظته المنصات الرئيسية. في المملكة المتحدة على سبيل المثال، ارتفع عدد البالغين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي من 45% في عام 2011 إلى 71% في عام 2021. ومن بين 16 إلى 44 عاماً، يستخدم ما يصل إلى 97% منا وسائل التواصل الاجتماعي، ويعد التصفح هو النشاط الأكثر شيوعاً على الإنترنت.

يعد الشعور "بالضعف" وفقدان المتعة من السمات الأساسية للاكتئاب، في حين يتسم القلق بالتوتر المفرط والخروج عن السيطرة. تشير معدلات الرفاهية إلى مستوى التأثير الإيجابي للفرد، والرضا عن الحياة، والشعور بالهدف. وفقاً للعقل، يعاني واحد من كل ستة منا من مشكلة صحية عقلية شائعة مثل القلق أو الاكتئاب في أي أسبوع.

----

ترجمة عن موقع: Sci Tech Daily