في خضم الأزمات الصحية التي واكبت الإنسانية في السنوات الأخيرة، ظهرت الفائدة الكبرى للصحة الرقمية وعملية الشفاء عن بُعد؛ حيث تم استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نتائج المرضى من خلال زيادة الوصول إلى الرعاية الصحية والمعلومات الطبية، خاصة بعد أن تطورت تقنيات الصحة الرقمية وتحولت إلى منظومة متكاملة وأصبحت ضرورية لبقائنا اليومي.

ومع أن هذا النوع من الممارسات الطبية والصحية الذي يعتمد على التطبيب عن بعد، هو مصطلح ابتكر في السبعينات، ولا يزال موضوعاً بحثياً جديداً نسبياً في الوقت الحالي، إلا أنه يسير بخطى سريعة في متابعة ومعالجة آلاف المرضى عبر العالم. فعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن الدعم عبر الهاتف ومتابعة العلامات الحيوية عن بعد في حالات الأشخاص المصابين بفشل القلب، من الأسباب التي أدت إلى الحد من مخاطر الوفاة واحتجازهم في المستشفيات، وحسنت من جودة الحياة لديهم.

بوابة المريض

تبين الدكتورة مفيدة نعمان اختصاصية في صحة المجتمع ومدرسة بجامعة تشرين، أهمية الصحة الإلكترونية وضرورتها لتسهيل الوصول للخدمات والمعلومات الصحية، والمساهمة في تحسين جودة الخدمات الطبية، خاصة أن نسبة المرضى الذين يحصلون على رعاية صحية مناسبة في المشافي والمراكز لا يتجاوز الـ 10% . وهنا يأتي دور المنصات الرائدة في الرعاية الصحية عن بُعد بما تحمله من سجل حافل بالإنجازات على كل من النطاقين المحلي والدولي مع تقديم أحدث الخدمات الصحية لملايين المرضى من كل مكان. وتدخل عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتغلغل التكنولوجي لتعزز التعاون وتبادل المعلومات بين مقدمي هذه الخدمات، واختصار الوقت والجهد والتكاليف على المرضى من جهة وعلى مقدمي الرعاية الصحية من جهة ثانية. والأهم في كل ذلك أنها تتماشى مع التطور الرقمي أسوة بباقي مجالات الحياة وتساهم في تحسين الشفافية.

الدكتورة مفيدة نعمان

وتؤكد نعمان أن تقديم الرعاية المركزة للمرضى هي أساس جميع استراتيجيات الصحة الإلكترونية، وهي تعتمد وفقاً لتعريف منظمة الصحة العالمية لها: على تقديم خدمات الرعاية الصحية من قبل جميع المتخصصين الذين يستخدمون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ حيث تكون المسافة عاملاً حاسماً في هذا النوع من المتابعة لتبادل المعلومات الصحيحة لتشخيص المرض والعلاج والوقاية من الأمراض والإصابات، والبحث والتقييم، ومواصلة التعليم لمقدمي الرعاية الصحية.

تحديات مستقبلية

أهم التحديات المستقبلية التي تحدثت عنها الدكتورة مفيدة، هي ازدياد عدد السكان والتحول السكاني، ازدياد أنواع الأمراض المزمنة وعودة الأوبئة، تعدد الأمراض لدى الشخص الواحد، ضعف الإمكانيات وصعوبة مواكبة التطور المتسارع، وعدم كفاية عدد العاملين الصحيين، الأمر الذي ينطوي على ضرورة توسيع مفهوم الرعاية الوقائية والتدابير للاحتياجات السريرية وغير السريرية التي تفاقم الأمراض المزمنة، وتطوير نظام الرعاية من المفهوم الأحادي إلى المفهوم المتعدد المتزامن، وزيادة القوة العاملة الطبية وغير الطبية مع الاستثمار والتشغيل الأمثل لها، والبحث عن حلول أكثر تأثيراً واستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

الصحة الرقمية

التواصل عن بُعد

هناك العديد من التقنيات التي تمكن الطبيب أو فريق التمريض من مراقبة الحالة الصحية للمريض عن بعد والتي تتضمن تطبيقات المحمول أو القائمة على الشبكة الإلكترونية الخاصة بتحميل المعلومات الطبية. وبحسب الدكتورة مفيدة نعمان، هناك أربعة عناصر وثيقة الصلة بالتطبيب عن بعد: وهي توفير الدعم السريري، والتغلب على الحواجز الجغرافية، وربط المستخدمين الذين ليسوا في نفس الموقع الجغرافي، واستخدام أنواع مختلفة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية مثل أجهزة الكمبيوتر وأجهزة المحمول التي تستخدم من المنزل أو يستخدمها الطبيب لتحسين خدمات الرعاية الصحية ودعمها.

وبينت نعمان أهمية الصحة الإلكترونية بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون في المجتمعات الريفية المعزولة. وبالنسبة إلى شريحة المسنين، ودور الكادر التمريضي في هذا النوع من الرعاية والعلاج عن بعد، وما هي القدرات التي يمتلكها للعمل ضمن مجالات الصحة الإلكترونية، وكيف يمكن تأهيله؟ مؤكدة أن الأنظمة الإلكترونية مكنت هذه الكوادر التمريضية من مُساعدة المرضى على التعامل مع الأمراض المُزمنة سواء عن طريق الحفاظ على وزن مثالي أو تقديم نصائح التغذية المُناسبة، وعلى تقليل نسبة الزيارات إلى المُستشفى، وبالتالي تقليل التكاليف المُصاحبة لذلك.

إدارة نمط الحياة

تعتبر المنصات الإلكترونية الطبية التي تتابع من خلالها الاستشارات والكشوفات الطبية عبر شبكة الإنترنت، أكثر أماناً عندما يتعلق الأمر بالتواصل مع الطبيب الشخصي والمختص وطلب تعديلات في الوصفات الطبية أو جداول المواعيد ومعرفة نتائج الاختبارات، إلا أنها وفقاً للباحثة نعمان فهي تقلل من الحشود داخل المُستشفيات، وتزيد من الالتزام بقواعد الصحة المهنية، إذ إن الطاقم الطبي لن يتعرض بشكل مُباشر للمرضى المُصابين، وسيتم تقليل الضغط الواقع على وحدة الإسعاف. وتساهم في توفير الوقت وزيادة السعة الاستيعابية لمنظومات الرعاية الصحية. وعليه يمكن للأطباء علاج مرضى أكثر في وقت أقل وبكفاءة أعلى مُتجنبين بذلك بعض المشاكل الرائجة في المنظومات الحالية مثل التدخل الطبي أو الرعاية الصحية المُتأخرة عن طريق حسن إدارة الموارد.

تقول نعمان: يستطيع أخصائيو الرعاية الصحية الوصول إلى البيانات الطبية للمرضى عن بُعد، وبالتالي يمكنهم تعديل الخطط والبروتوكولات العلاجية وفقًاً لحالة كل مريض. وتسهل حلول الرعاية الصحية والمُتابعة عن بُعد من كفاءة الرعاية الوقائية من خلال توفير تنبيهات دقيقة للمرضى ليقوموا بأداء بعض تمارين المشي أو حتى تناول الدواء في الموعد المحدد. وبالنسبة إلى المرضى، فإنها تقلل من تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بالأمراض المزمنة، وتوفر تقارير يومية واستفتاءات للتحديد الدقيق لأوقات التدخل الطبي حال تدهور الحالة الصحية للمريض خصوصاً لمرضى السكري، القلب، والسرطان. كما أنه يُمكن للأجهزة الطبية مُتابعة المؤشرات الحيوية للمرضى عن بُعد ومُساعدتهم على الالتزام بالإجراءات الوقائية ما بعد العمليات الجراحية. وتحرص هذه الأنظمة على توفير خدمات الرعاية الصحية الهامة في أوقات انتشار الأوبئة. على سبيل المثال: يُمكن للمرضى التواصل مع الأطباء من أي مكان وفي أي وقت بما يُذلل العقبات الزمنية والمكانية. ويمكن لأجهزة مُراقبة مستويات السكر في الدم عن طريق البلوتوث مساعدة مرضى السكري على التحكم في مستويات السكر في الدم بمنتهى السهولة، كما أن جميع تلك القراءات يتم تسجيلها على منصة الرعاية الصحية، فهي تحسن جودة خدمات الرعاية الصحية بشكل عام.