تعتبر الأراضي الرطبة أكثر الأنظمة الطبيعية كفاءة في تخزين ثاني أكسيد الكربون الذي يؤدي إلى الاحتباس الحراري، وتليها المحيطات التي تخزن قدراً هائلاً منه. أظهرت دراسة جديدة نُشرت في 6 مايو 2022 في مجلة Science بواسطة فريق من العلماء الهولنديين والأمريكيين والألمان أنه لم يفت الأوان لتعويض الخسائر.

تتسبب الأنشطة البشرية مثل تجفيف المستنقعات من أجل الزراعة وقطع الأشجار على نحو متزايد، في التهام الأراضي الرطبة في المياه العذبة والمياه المالحة. تغطي هذه المناطق الحيوية 1% فقط من سطح الأرض، ولكنها تخزن أكثر من 20% من ثاني أكسيد الكربون الذي يتسبب في ارتفاع درجة حرارة المناخ والذي تمتصه النظم البيئية في جميع أنحاء العالم.

مفتاح النجاح، وفقاً لمؤلفي الورقة، هو استخدام ممارسات الاستعادة المبتكرة - المحددة في الورقة البحثية الجديدة - التي تكرر عمليات بناء المواقع الرطبة الطبيعية، وتعزز إمكانات تخزين الكربون في الأراضي الرطبة المستعادة. والقيام بذلك على نطاق واسع.

قال بريان آر سيليمان، الأستاذ المتميز لبيولوجيا الحفاظ على البيئة البحرية بجامعة ديوك، الذي شارك بتأليف الدراسة: يتم فقد حوالي 1 في المائة من الأراضي الرطبة في العالم كل عام بسبب التلوث أو تجفيف المستنقعات لأغراض الزراعة والتنمية والأنشطة البشرية الأخرى.

وأضاف: بمجرد حدوث الاضطراب، تطلق هذه الأراضي الرطبة كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون من تربتها، وهو ما يمثل حوالي 5 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية سنوياً. تتعرض مئات بل آلاف السنين من الكربون المخزن للهواء وتبدأ في التحلل السريع وإطلاق غازات الاحتباس الحراري. والنتيجة هي شلال عكسي غير مرئي من ثاني أكسيد الكربون يستنزف في الغلاف الجوي؛ حيث تتحول الأراضي الرطبة من كونها أحواض ماصة للكربون إلى مصادر انبعاث له.

وقال: النبأ السار هو أننا نعرف الآن كيفية استعادة هذه الأراضي الرطبة على نطاق لم يكن ممكناً من قبل وبطريقة تمنع إطلاق هذا الكربون وتعيد إنشاء قدرة تخزين الكربون في الأراضي الرطبة مرة ثانية.

أوضح سيليمان أن ما يجعل معظم الأراضي الرطبة فعالة جداً في تخزين الكربون، هو أنها تتشكل وتتماسك معاً بواسطة نباتات تنمو بالقرب من بعضها البعض. تحبس حصائرها الكثيفة فوق وتحت الأرض من السيقان والجذور الحطام الغني بالمغذيات وتدافع عن التربة ضد التعرية أو الجفاف - وكل ذلك يساعد النباتات على النمو بشكل أفضل ويساعد طبقة التربة على التراكم، ما يحبس المزيد ثاني أكسيد الكربون في هذه العملية.

وأشار سيليمان إلى أنه في حالة مستنقعات الخث المرتفعة (الخث هو: رواسب بنية تشبه التربة تتكون من التحلل الجزئي للمواد النباتية في الظروف الحمضية الرطبة للمستنقعات، وغالباً ما يتم قطعه وتجفيفه لاستخدامه كوقود أو كسماد للبستنة)، فإن هذه السلسلة التخزينية للكربون تعمل بشكل مختلف قليلاً. إذ تعمل طبقات من الطحالب الحية على السطح كإسفنج، حيث تحتفظ بكميات هائلة من مياه الأمطار التي تحافظ على نموها وتحافظ على طبقة أكثر سمكاً من الطحالب الميتة تحتها بشكل دائم تحت الماء. هذا يمنع الطبقة السفلية من الخث، التي يمكن أن يصل سمكها إلى 10 أمتار، من الجفاف والتحلل وإطلاق الكربون المخزن مرة أخرى في الغلاف الجوي. مع تراكم الطحالب الحية تدريجياً سنة بعد أخرى، تزداد كمية الكربون المخزنة تحت الأرض باستمرار. وقال إن عمليات الاستعادة الناجحة يجب أن تكرر هذه الآلية الطبيعية.

قال المؤلف المشارك في الدراسة جيسي فان دير هايد من المعهد الملكي لأبحاث البحار وجامعة غرونينغن في هولندا: أكثر من نصف عمليات ترميم الأراضي الرطبة تفشل لأن خصائص النباتات ودورها في تشكيل المواقع الطبيعية لم تؤخذ في الاعتبار بشكل كافٍ. وقال إن زرع الشتلات والسدادات في صفوف منتظمة متساوية البعد عن بعضها البعض قد يبدو منطقياً، لكنه يأتي بنتائج عكسية.

وأضاف: تكون عملية الاستعادة أكثر نجاحاً عندما توضع النباتات في كتل كبيرة كثيفة، أو عندما يتم تقليد خصائص تشكيل المواقع الطبيعية، أو ببساطة عند استعادة مساحات كبيرة جداً دفعة واحدة.

قال سيليمان: إن اتباع هذه الإرشادات سيسمح لنا باستعادة الأراضي الرطبة المفقودة على نطاق أوسع بكثير وزيادة احتمالات ازدهارها واستمرارها في تخزين الكربون وأداء خدمات النظم البيئية الحيوية الأخرى لسنوات قادمة. النباتات تفوز، الكوكب يفوز، كلنا ننتصر.

أجرى سيليمان وفان دير هايد الدراسة الجديدة مع علماء من المعهد الملكي لأبحاث البحار بهولندا. ومن خلال تجميع البيانات الخاصة باحتجاز الكربون من الدراسات العلمية الحديثة، وجدوا أن المحيطات والغابات تحتوي على أكبر قدر من ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، تليها الأراضي الرطبة.

يقول رالف تيمينك المؤلف الأول في الدراسة: ولكن عندما نظرنا إلى كمية ثاني أكسيد الكربون المخزنة لكل متر مربع، تبين أن الأراضي الرطبة تخزن حوالي خمسة أضعاف ثاني أكسيد الكربون من الغابات وما يصل إلى 500 مرة أكثر من المحيطات.

ولكن لتحقيق أكبر استفادة للبيئة من استعادة المناطق الرطبة والأثر المتوقع على نسبة ثاني أكسيد الكربون التي سوف تمتص ينبغي أيضاً التركيز على تنحية الكربون البحري والسير بهاتين الخطوتين جنباً إلى جنب ذلك أن المحيطات تمتص مقداراً من الكربون يماثل ذلك الموجود في الغلاف الجوي، لذلك يبحث العلماء في مصير هذا الكربون. ويحاولون فهم كيفية تكييف البكتيريا البحرية لاستهلاك الكربون الناتج من العوالق النباتية الضوئية في المحيطات، والتي لها آثار على فهمهم لعزل الكربون في المحيطات في الوقت الراهن وفي المستقبل.

تحوي المادة العضوية المذابة البحرية، التي تنشأ من العوالق النباتية، قدراً كبيراً من الكربون مثل الغلاف الجوي للأرض، ومع ذلك تتم دراسة العمليات البيولوجية التي تحكم مصيرها في المقام الأول في ظل ظروف معملية مثالية أو من خلال تدابير غير مباشرة مثل تسلسل الجينوم.

في بحث أجراه مختبر لورانس ليفرمور الوطني، استخدم الفريق تقنية جديدة نسبياً لتقدير امتصاص أحواض الكربون المعقدة مباشرة من المصدرين الأساسيين للكربون العضوي البحري (الدياتومات والبكتيريا الزرقاء) بواسطة مجتمع ميكروبي طبيعي.

يعد البحث خطوة مهمة نحو التنبؤ بكمية الكربون التي ستغادر المحيط، وتنتهي في الغلاف الجوي ومقدار ما سينتهي به المطاف في الرواسب البحرية.

يُظهر هذا البحث أن أنواعاً مختلفة من الميكروبات في المحيط خاصة جداً، ومع ذلك يمكن التنبؤ بمصادر الغذاء التي تفضل استهلاكها. نظراً لاستمرار تغير المناخ العالمي في تغيير البيئات المحيطية بوتيرة سريعة، فإن توفر مصادر الغذاء للميكروبات سيتغير أيضاً، ما يؤدي في النهاية إلى تفضيل أنواع معينة على أنواع أخرى.

العوالق النباتية هي كائنات مجهرية في قاعدة السلسلة الغذائية للمحيط ومكون رئيسي لمضخة الكربون البيولوجية الحيوية. يطفو معظمها في الجزء العلوي من المحيط، حيث يمكن لأشعة الشمس الوصول إليها بسهولة.

للنباتات الصغيرة تأثير كبير على مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي عن طريق امتصاصه أثناء عملية التمثيل الضوئي. إنها بالوعة طبيعية وإحدى الطرق الأساسية التي تتم بها تنقية الهواء من ثاني أكسيد الكربون.

يخزن سطح المحيط كمية من الكربون تماثل تقريباً تلك الموجودة في الغلاف الجوي على شكل ثاني أكسيد الكربون. وبينما يسحب المحيط ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي، تستخدمه العوالق النباتية البحرية مع ضوء الشمس في عملية التمثيل الضوئي. يتم استخدام هذا الكربون في النهاية من قبل الميكروبات الأخرى والكائنات الحية الأعلى من شبكة الغذاء البحرية، ويمكن في النهاية تحويله مرة أخرى إلى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من خلال التنفس أو الغرق في قاع المحيط أثناء موتها.

استخدم الفريق وسم النظائر المستقرة لتتبع الكربون وهو يشق طريقه إلى المادة العضوية التي تنتجها العوالق النباتية، وفي النهاية الميكروبات التي تستهلكه.

استخدم الفريق هذه النظائر لتحديد الكائنات الحية التي كانت تأكل الدياتومات وأيها كانت تستهلك البكتيريا الزرقاء. يمكن للباحثين أيضاً معرفة موعد حدوث الاستهلاك - على سبيل المثال، في بعض الأحيان تفرز خلايا العوالق النباتية الكربون ببطء (من خلال عملية تسمى النضح) أو عندما تتحلل الخلية.

النتائج التي توصل إليها البحث لها آثار مهمة على فهم كيفية عمل الميكروبات البحرية والطحالب التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي معاً للتأثير على دورة الكربون العالمية وكيف يمكن لشبكة الغذاء المحيطية هذه أن تستجيب للتغير البيئي المستمر. سيساعدنا هذا على التنبؤ بكمية الكربون التي ستعود إلى الغلاف الجوي وكمية الكربون التي سيتم دفنها في الرواسب البحرية لعدة قرون. هذا ويطمح العلماء أن يتمكن العلم الحديث في خطوات لاحقة من التحكم بالميكروبات البحرية والطحالب قيد الدراسة لمساعدتها على تخزين كميات أكبر من الكربون ودفنها في قاع المحيط.

----

ترجمة عن موقع: Sci Tech Daily