ركز أحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) على كيفية الحد من انبعاثات الغازات التي تعد السبب الجذري للاحترار. وقال العلماء في ملخصهم لواضعي السياسات إنه لا يزال من الممكن تجنب أخطر مستويات الاحترار من خلال الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية دون 1.5 درجة مئوية هذا القرن.

قال العلماء المشاركون في الدراسة إن أحد النتائج الرئيسية الواردة في تقرير المناخ الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، قد أسيء تفسيره على نطاق واسع. وكتب الباحثون في الوثيقة أن الغازات المسببة للاحتباس الحراري من المتوقع أن تبلغ ذروتها "على أبعد تقدير قبل عام 2025".

هذا يعني أن الكربون يمكن أن يزداد لمدة ثلاث سنوات أخرى ولا يزال بإمكان العالم تجنب الاحترار الخطير. لكن العلماء يقولون إن هذا غير صحيح وإن الانبعاثات يجب أن تنخفض على الفور.

سيتطلب هذا جهداً هائلاً، حيث يجب أن تتقلص انبعاثات الكربون بنسبة 43 % بحلول نهاية هذا العقد للبقاء تحت عتبة الخطر هذه. ولكن قبل أن تنخفض، يجب أن تصل الانبعاثات إلى ذروتها.

ينص الملخص على أنه "من المتوقع أن تبلغ غازات الدفيئة العالمية ذروتها بين عام 2020 وعلى أبعد تقدير بحلول عام 2025، في مسارات أنموذجية عالمية تقصر الاحترار على 1.5 درجة مئوية".

خلصت معظم وسائل الإعلام، بما في ذلك بي بي سي، إلى أن ذلك يعني أن الانبعاثات قد ترتفع حتى عام 2025 وأن العالم لا يزال بإمكانه البقاء تحت 1.5 درجة مئوية.

قال غلين بيترز من مركز أبحاث المناخ الدولي في أوسلو ومن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المؤلف الرئيسي: عندما تقرأ النص كما هو موضح، فإنه يعطي انطباعاً بأنك وصلت إلى عام 2025 وهو ما أعتقد أنه نتيجة مؤسفة للغاية. إنه اختيار مؤسف للصياغة. وهذا لسوء الحظ من المحتمل أن يكون له بعض النتائج السلبية إلى حد ما.

إذاً ما الخطأ الذي حدث؟ يرجع ذلك جزئياً إلى أن النماذج المناخية التي يستخدمها العلماء لإنزال درجات الحرارة تعمل في كتل مدتها خمس سنوات، لذا فإن عام 2025 يتبع عام 2020 على سبيل المثال، دون الإشارة إلى السنوات الواقعة بينهما.

قال الدكتور جويري روجيل من إمبريال كوليدج لندن، والمؤلف الرئيسي للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: نظراً لأن النماذج تعمل بزيادات قدرها 5 سنوات، فلا يمكننا استنباط بيانات بدقة أعلى.

ولكن عندما تنظر إلى البيانات العلمية التي تدعم هذا العنوان، يتضح على الفور أن أي سيناريو يتماشى مع 1.5 درجة مئوية يخفض الانبعاثات من عام 2020 إلى عام 2025. حتى بالنسبة إلى السيناريوهات التي تقصر الاحترار على درجتين مئويتين، هذا هو الحال أيضاً.

قضية أخرى

أجلت جائحة كورونا تقرير التخفيف لمدة عام تقريباً، لكن المعلومات المستخدمة جاءت من النماذج التي توقعت بلوغ الذروة في عام 2020.

قال الدكتور إدوارد بايرز، مؤلف مساهم في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من المعهد الدولي لتحليل الأنظمة التطبيقية: أدى ذلك إلى نقاش مطول خلال جلسة الموافقة التي استمرت أسبوعين بين العلماء والمسؤولين الحكوميين حول الكلمات الدقيقة التي يجب استخدامها. وأضاف بايرز: كانت هناك مناقشات عديدة حول ما إذا كان يمكن استخدام كلمات مثل "الآن" أو "فوراً".

يتمثل أحد التحديات الرئيسية في توصيل الرسائل المعقدة حول تغير المناخ، في أن التقارير الإعلامية المبسطة عن هذه الأحداث غالباً ما يكون لها تأثير أكبر من تأثير العلم نفسه.

يقلق هذا المراقبين الذين يجادلون بأن إعطاء الدول انطباعاً بأن الانبعاثات يمكن أن تستمر في النمو حتى عام 2025 سيكون بمثابة كارثة للعالم.

وقالت كايسا كوسونين من منظمة السلام الأخضر: بالتأكيد ليس لدينا رفاهية السماح للانبعاثات بالنمو لثلاث سنوات أخرى. أمامنا ثماني سنوات لخفض الانبعاثات العالمية إلى النصف تقريباً. هذه مهمة ضخمة، لكنها لا تزال قابلة للتنفيذ، كما ذكّرتنا اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ للتو - ولكن إذا بدأ الناس الآن في مطاردة ذروة الانبعاثات بحلول عام 2025 كنوع من المعايير، فليس لدينا فرصة.

ولمعرفة الأثر الخطير على سوء الفهم الناتج عن هذا الحطأ نقدم مثالين عن أثر ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار أكبر مما يسعى إليه العلماء أي 1.5 درجة مثوية.

تدهور الشعاب المرجانية

نعلم أن للشعاب المرجانية أهمية كبيرة، فهي منزل لملايين الأحياء البحرية مثل الأسماك والمحار والديدان البحرية وحتى النباتات البحرية وغيرها، ما يجعلها أحد أكبر الأنظمة البيئية تنوعاً، كما توفر الشعاب المرجانية النيتروجين وبعض العناصر الغذائية الأخرى للأحياء البحرية، إضافة إلى ذلك تعمل كحاجز ضد الكوارث الطبيعية مثل موجات تسونامي.

وضع العلماء خرائط للشعاب المرجانية في منطقة البحر الكاريبي لتحديد تلك الشعاب المرجانية الأكثر احتمالاً للنجاة من تغير المناخ.

تقع الشعاب المرجانية التي تتمتع بأعلى احتمالية للهروب من الدمار الناجم عن موجات الحرارة البحرية في الغالب على طول الخط الساحلي الشمالي لكوبا. وتتجمع المواقع الواعدة الأخرى حول جزر الباهاما، وجمهورية الدومينيكان، وغوادلوب، وهاييتي، وجامايكا الشرقية، وولاية فلوريدا الأمريكية.

تتكون الشعاب المرجانية من مئات الآلاف من المخلوقات الصغيرة، وهي واحدة من أكثر النظم البيئية المهددة على هذا الكوكب. وفقاً لتقرير حديث للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإنه عند ارتفاع درجة حرارة تصل إلى 1.5 درجة مئوية، يُتوقع بقاء 10 إلى 30 % فقط من الشعاب المرجانية. إذا كان الاحترار أعلى من ذلك، فإن احتمالات البقاء على قيد الحياة تنخفض بشكل كبير.

قارن فريق البحث نماذج مناخية مختلفة وفحص عوامل مثل الضرر الناتج عن الإعصار والإجهاد الحراري. استخدموا هذا لتحديد قائمة المرجان التي تمثل أولويات للحماية بسبب قدرتها على التكيف بشكل أفضل مع تغير المناخ.

قالت الباحثة الرئيسية إليانا تشوليت إن تحديد وإدارة الأماكن التي تحمل "وعداً كبيراً للحفاظ على الأنواع الرئيسية، سيكون أمراً بالغ الأهمية لمساعدة هذه الموائل الثمينة على الاستمرار مع استمرار ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض". لكن العلماء يقولون إن أبحاثهم - تماشياً مع دراسات أخرى - تظهر أن الشعاب المرجانية لن تنجو من ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، ما يعني أن هناك حاجة ملحة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لإنقاذها للأجيال القادمة، لأن انقراض الشعاب المرجانية سيهدد الحياة البحرية بالكامل ويترك أثراً كارثياً على الأرض برمتها.

تدهور الحشرات

وجدت دراسة أن أعداد الحشرات تراجعت بمقدار النصف في بعض أنحاء العالم بسبب تغير المناخ والزراعة المكثفة. قال باحثون بريطانيون إن الضغوط المشتركة للتدفئة العالمية والزراعة تؤدي إلى "انخفاض كبير" في الحشرات في جميع أنحاء العالم. يقولون يجب أن نعترف بالتهديدات التي نشكلها على الحشرات قبل أن تُفقد بعض الأنواع إلى الأبد. لكن الحفاظ على موائل الطبيعة قد يساعد في ضمان ازدهار الحشرات الحيوية مرة أخرى.

وقالت الباحثة الرئيسية، الدكتورة تشارلي أوثويت من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: إن فقدان أعداد الحشرات يمكن أن يكون ضاراً ليس فقط بالبيئة الطبيعية ولكن أيضاً "بصحة الإنسان والأمن الغذائي، خاصة مع فقدان الملقحات".

وأضافت: النتائج التي توصلنا إليها تسلط الضوء على الضرورة الملحة لاتخاذ إجراءات للحفاظ على الموائل الطبيعية وإبطاء التوسع في الزراعة عالية الكثافة وخفض الانبعاثات للتخفيف من تغير المناخ.

تسبب الانخفاض الحاد في أعداد الحشرات في جميع أنحاء العالم - وهو ما يسمى "بنهاية العالم للحشرات" - في إثارة قلق واسع النطاق. ومع ذلك تعطي البيانات العلمية صورة مختلطة، حيث تظهر بعض أنواع الحشرات انخفاضاً حاداً بينما يظل البعض الآخر ثابتاً.

في الدراسة الأخيرة جمع الباحثون بيانات عن نطاق وعدد ما يقرب من 20000 نوع من الحشرات، بما في ذلك النحل والنمل والفراشات والجنادب واليعسوب، في حوالي 6000 موقع مختلف.

في المناطق ذات الكثافة الزراعية العالية والاحترار الكبير، انخفضت أعداد الحشرات بنسبة 49% وعدد الأنواع المختلفة بنسبة 27%، مقارنة بالأماكن التي لم تمس نسبياً والتي تجنبت حتى الآن أشد تأثيرات تغير المناخ خطورة، وفقاً للبحث.

لكن الباحثين قالوا إن هناك ما يدعو للأمل حيث إن تخصيص مناطق من الأرض للطبيعة سوف يخلق ملجأ للحشرات التي تحتاج إلى الظل للبقاء على قيد الحياة في الطقس الحار.

قال الدكتور تيم نيوبولد، من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: إن الإدارة الحذرة للمناطق الزراعية مثل الحفاظ على الموائل الطبيعية بالقرب من الأراضي الزراعية، قد تساعد في ضمان استمرار ازدهار الحشرات الحيوية. ولكن يبقى الحل الأمثل الحد من الاحترار العالمي الذي يهدد بقاء الحشرات.

تشمل الحلول المحتملة ما يلي:

- خفض انبعاثات الدفيئة للحد من الاحترار

- تجنب الزراعة المكثفة

- زراعة مجموعة واسعة من المحاصيل

- الحفاظ على الموائل الطبيعية بالقرب من الأراضي الزراعية، مثل الشجيرات وبقع الغابات.

وأضاف الباحث بيتر ماكان: نحتاج إلى الاعتراف بمدى أهمية الحشرات بالنسبة إلى البيئة ككل ولصحة الإنسان ورفاهيته من أجل مواجهة التهديدات التي نشكلها قبل فقدان العديد من الأنواع إلى الأبد.

----

بقلم: مات ماكغراث وهيلين بريغز

ترجمة عن موقع: BBC News