كشفت إحدى دراسات منظمة الصحة العالمية عن وفاة خمسة أشخاص في العالم كل دقيقة بسبب أخطاء طبية في المعالجة، أي أن العالم يشهد نحو 43 مليون خطأ طبي سنوياً، سواء كانت بسبب التشخيص الخاطئ أو الأدوية غير المناسبة أو العمليات الجراحية الخاطئة.

رغم ذلك لا نجد مواقف موحدة من الأخطاء الطبية، فهل ما حدث هو خطأ طبي؟ أم مضاعفة وإهمال؟ هذا الأمر مرده لاختلاف ثقافات الأطباء حول الخطأ الطبي، فالقاضي عندما يحكم بذلك، يأتي بالأطباء لمعرفة دقة ما حدث، وهنا تختلف الآراء بحسب العرف والقواعد والأخلاق.

يقول الدكتور بسام محمد، دكتوراه في الطب الشرعي، قد يكون للقضية التي تطرح أمام القضاء مواقف مختلفة بحسب العرف المأخوذ به في كل دولة من الدول، فعلى سبيل المثال في النظام البريطاني يكون المصدر الأساسي للقانون هو العرف، وعليه فإن الشخص الذي درس في المدارس الأمريكية يكون لديه وجهة نظر مختلفة حول الخطأ في الطب البريطاني. أما محلياً فإن المشكلة تكمن بعدم وجود قوانين خاصة بموضوع الأخطاء الطبية، وما هو معمول به مجرد قواعد عامة خاصة بأخطاء أصحاب المهن. ويتم الاعتماد على مقايسة بعض القواعد الخاصة بقانون ممارسة المهن الطبية وقانون نقابة الأطباء رقم 16. وبالتالي هناك الكثير من الأخطاء لا يركز عليها القانون بشكل دقيق، عندما يحدث الخطأ ويحتاج القضاء إلى إثباته، يلجأ إلى الخبرات الطبية كبوابة أساسية من خلال تشكيل خبرات متعددة للأخذ بها، والتي بحد ذاتها لديها مشكلة من حيث فهم خارطة الخطأ الطبي.

الدكتور بسام محمد

الجرم المعنوي

للغوص في موضوع الخطأ الطبي يشير الدكتور محمد إلى وجود ركن مادي وآخر معنوي للجرائم، فالمادي هو الذي يُظهر الجريمة وتصبح مرئية بالحواس، بينما الجرم المعنوي هو المتعلق بالحالة الذهنية والإرادة. وعليه فإن تفسير الموضوع في الركن المادي يتم بالوقوف على ثلاث جوانب هي (الفعل والنتيجة الضارة والعلاقة السببية بينهما). على سبيل المثال عندما يكون الجرح ممدوداً إلى الأسفل قليلاً وتسبب للمريض بنوع من الالتهابات، أعطت نتيجة مؤذية وأدت إلى وفاته، فإن العلاقة السببية واضحة في هذه المشكلة وهذا يمثل الركن المادي. أما الركن المعنوي فهو يتعلق بالإرادة، فهل الشخص الذي قام بهذا الفعل كان يعلم النتيجة التي سيصل إليها، أم حدثت دون إرادته. وبالتالي عندما يقع الفعل ينظر المشرع، إذا كانت الإرادة موجودة في تحقيق هذا الفعل، وهل مخالفة القوانين هي سبب في حدوث الفعل. وعليه فإنه في الركن المعنوي نجد أن الجرائم الطبية تصنف بأنها جرائم الخطأ غير المقصودة. أما الإهمال فهو أمر كان يجب على الطبيب عدم القيام به وقام به، ووفقاً لعلمه وإرادته اتجه نحو هذا الفعل. فإن الجريمة هنا مقصودة (على سبيل المثال إذا كان الطبيب متجه في علمه وإرادته إلى تحقيق فعل معين أدى إلى نتيجة ضارة فهي جريمة مقصودة).

ويؤكد الطبيب الشرعي في بحثه هذا: أن المراجع الطبية بكل لغاتها لا تتحدث عن الأخطاء أو المضاعفات الطبية، وتعتبرها كلها أخطاء لأن الحكم بموضوع المضاعفة متعلق بدراسة نية الشخص الذي قام بالفعل، والأشخاص الذين ألفوا هذه الكتب لم يهتموا بدراسة النية. كما أن تطبيق القوانين الطبية يختلف من دولة إلى أخرى، في حين الكتب هي عابرة بين القارات وهي موجهة لأشخاص في سورية وغيرها من البلدان. لذلك تدرس جميع الأخطاء الطبية على أنها مضاعفات، وهذا يخلق خلافاً بين الأطباء، فالبعض يقول هذا خطأ طبي في حين يراها البعض أنها مضاعفة وفقاً لما هو مذكور بتلك المراجع، والتي هي بالأساس تتحدث عن مضاعفات وليس عن الأخطاء.

على سبيل المثال عندما يدخل المريض لإجراء عملية المرارة في القناة الجامعة، والطبيب يعلم أن هناك عدة أقنية تصب في العفش، ولكنه يأتي إلى القناة الجامعة ويربطها، مع أن المريض ليس في حالة إسعاف ولا يوجد لديه التصاقات، فما هو مبرر أن تُربط القناة الجامعة. في هذه الحالة لا يمكن لأي شخص أن يقول إن ذلك مضاعفة. بل هو خطأ طبي.

المسؤولية الأخلاقية

عندما يخطئ الطبيب بالتشخيص تكون الجريمة غير مقصودة، إذ لا يوجد نية سيئة، لأن الخطأ الطبي بالتعريف هو القيام بفعل أو الامتناع عن القيام بفعل بشكل غير مقصود. وبالتالي المسؤولية الطبية تقع عند وجود أذى للمريض مع شرط وجود الرابطة السببية بين الفعل والنتيجة. مثل عدم تحضير المريض قبل العملية بشكل جيد (مثل صورة الصدر، التعقيم، تخطيط القلب وغيرها) ويفاجأ الطبيب أثناء العملية بأن هذا المريض لديه اضطرابات بنظم القلب أو سل بالرئة مما أدى إلى أذية المريض بشكل عام. في هذه الحالة لا يوجد نص قانوني لمعاقبة الطبيب، ولكن أخلاقياً هو المسؤول عن الخطأ الذي قام به.

الشخص المعتاد

ينظر التشريع إلى الأخطاء الطبية من خلال نصين فقط. وهما في حال نجم الفعل الضار عن الإهمال فهو خطأ طبي، وفي حال عدم مراعاة الشرائع والقوانين. وفي الأخطاء الطبية تكون الجريمة غير مقصودة نتيجة عدم توقع الفاعل لما سيحدث. فعلى سبيل المثال: طبيب جراح ليس من اختصاصه القيام بعملية الغدة الدرقية، لكنه حضر عشرات العمليات ويعرف أن يقوم بهذه العملية، وعندما قام بالفعل ولم تنجح العملية. يكون السؤال: هل هذا جرمٌ أم خطأ طبي؟ وبالعودة للأساس القانوني يبين الدكتور بسام محمد أن عناصر الخطأ هما: الإخلال بواجب الحيطة والحذر، وموضوع الإرادة بمعنى أن الطبيب عندما ارتكب الخطأ هل يعرف أن هذه النتيجة سوف تحدث؟ وهل كان يتوقعها؟ أو بإمكانه توقعها وبالتالي تجب المقايسة على ذلك. وهنا لابد من تطبيق معيار (سلوك الطبيب المعتاد) بمعنى شخص عادي بذكاء عادي وتأهيل عادي وثقافة عادية، وهو شخص ليس ضعيفاً باختصاصه، ولو أتيت بأي طبيب مكانه لتصرف نفس التصرف. وعليه يكون الحكم وفقاً للسلوك المعتاد للفرد في مثل هذه الحالات. وبالتالي إن الشخص العادي الذي تقاس عليه الأمور هو الشخص الذي يكون حذراً بالقدر الكافي لكي لا يقوم بأخطاء تؤذي الآخرين ويتوقع حدوث الأضرار عند القيام بفعل معين.

معيار موضوعي

يرى الدكتور بسام أنه يجب التفريق بين الإهمال والخطأ الطبي من خلال العودة إلى المعيار الموضوعي وهو معيار الشخص العادي؛ حيث يأتي سؤال القضاء الموجه إلى اللجنة الطبية: هل الطبيب ارتكب إهمالاً أم هو خطأ طبي؟ وهل كان جسيماً؟ أم إنه يتماشى مع سلوك الشخصي المعتاد؟ لافتاً إلى وجود كتب ومراجع تتحدث حول الخطأ غير الواعي والخطأ الواعي والخطأ الجزائي والمدني والخطأ العادي والفني والخطأ اليسير والخطأ الجسيم. ولكن هناك رؤى مختلفة في هذا الموضوع. وفي ظل عدم وجود قانون حديث حول الخطأ الطبي في القانون السوري. فإن اللجان الطبية تعمل بالقياس وإسقاط ذلك وفقاً لمفهوم الشخص المعتاد لكي تتمكن من تقديم الخبرة للقضاء حتى تستطيع العدالة التصرف في هذا المجال.

تصنيف مهني

لا يوجد في سورية تصنيف مهني للأطباء؟ يقول الدكتور بسام محمد: عندما نرى عبارة طبيب استشاري، يكون هو من منح نفسه هذه الدرجة العلمية. وهي صفة تمنح بشكل رسمي في بعض الدول. والتصنيف الموجود محلياً حتى الآن هو: طبيب اختصاصي في كذا أو كذا. وهو يُعين في وظيفة ما، مثله مثل الطبيب العام مع فارق بسيط في طبيعة الاختصاص والتي تقدر بـ 5% يأخذها زيادة عن الطبيب العام، والسبب أنه لا يوجد لدينا تصنيف مهني للأطباء. ويشير إلى أن وجود هذا التصنيف، يسهل تطبيق معيار الشخص المعتاد، ومحاسبة الأطباء وفقاً لهذا المفهوم. وبالتالي الخطأ الذي نقبله من طبيب عام، لا نقبله من طبيب جامعي، والخطأ الذي حدث في مشفى ريفي، لا نقبله في حال حدوثه في مشفى وسط العاصمة.