يعتقد البعض أن الإشعاع أمر خطير، وبمجرد التعرض له سوف يسبب التشوهات والأمراض السرطانية، في حين يؤكد العلماء أن الإشعاع موجود بشكل طبيعي في كل مكان حولنا ويصل إلى أجسامنا بعدة طرق. وقد ناقش تقرير منشور على موقع لايف ساينس تعريف الإشعاع وتواجد المواد المشعة في الطبيعة وأثارها على الناس، وبيّن الفرق بين الأشعة الناتجة عن التصوير الطبي والشعاعي، وبين التلوث الإشعاعي الذي قد ينتقل إلى الجسم عند التماس مع مادة مشعة وثباتها أو السوائل المشعة والملوثات الإشعاعية التي قد تدخل الجسم عن طريق الجهاز الهضمي أو الاستنشاق أو الجروح الجلدية وتصل إلى أعضاء مختلفة.

يبين الدكتور ياسر صافي رئيس رابطة الشعاعيين السوريين ورئيس البورد السوري للأشعة: أن هناك عدة طرق تستخدم طبياً لإجراء التصوير المناسب لخدمة المرضى، وكان أكثرها شهرة بين الناس هي الأشعة السينية التي تستخدم لتصوير الصدر أو البطن وتسمى عادة بالصورة البسيطة. يأتي بعدها التصوير الطبقي المحوري والذي يتم باستخدام أشعة إكس أيضاً، كما هو الحال بالنسبة إلى قياس الكثافة العظمية والماموغرافي التي تتم باستخدام الأشعة نفسها. في حين يكون الأمر مختلفاً في حال استخدام الأشعة التداخلية التي يتم من خلالها إدخال القثطار على مبدأ القثطرة القلبية؛ حيث يمكن الدخول على عضو معين في الجسم وتوضيح المشكلة الصحية باعتبار المهمة الأساسية للأشعة أنها تعطي ما يجود بداخل الجسم.

وأشار الصافي إلى وجود أنواع أخرى من التصوير الطبي، وهي الأمواج فوق الصوتية وتسمى الإيكوغرافي، وهي تقنية يحتاجها المريض في استخدامات كثيرة. وهناك الدوبلر العادي والدوبلر الملون، والتي تعتبر أكثر تطوراً ولها فوائد جمة لكونها تؤمن فحصاً ديناميكياً وسريعاً للمريض وتعطي نتائجه مرضية. وفي هذا النوع من التصوير لا تستخدم أشعة إكس. إلا أنه وفي الحالتين ليس هناك مبرر للخوف من الدخول إلى العيادة الشعاعية، وكل ما يشاع بخصوص الإصابة بالسرطانات في حال التعرض للأشعة السينية غير مقبول. لأنه من الممكن أن يتعرض أي شخص يسير في الشارع لأشعة إكس أكثر مما يتعرض له أثناء التصوير في العيادات الشعاعية، ولا يكون التأثر إلا في حال تكرار معين أو عدم الوقاية.

الدكتور ياسر صافي

أمواج الراديو

تعتبر المعادلة الصحيحة في هذا المجال بحسب رئيس رابطة الشعاعيين: جهاز جيد وقارئ جيد وفني جيد يعطي نتيجة جيدة وعملية متكاملة. إذ يبدأ العمل مع الأشعة درجة درجة؛ بحيث يبدأ المريض بأشعة إكس، وإن لم تظهر النتيجة المرضية حول وضعه، يُحول إلى التصوير بالطبقي المحوري وبعدها إلى الرنين. وهو تقنية عمرها أكثر من 30 عاماً تقوم على استخدام أمواج الراديو المغناطيسية التي تعطي نتائج جيدة للأنسجة الرخوة والعصبية. ولكن وعلى الرغم من أهمية هذا الجهاز الحيوي في كشف أدق التفاصيل المتعلقة بالأمراض، إلا أنه لدينا نقص كبير بهذه الأجهزة ومعاناة في إصلاح وصيانة ما هو موجود. وهذه المشكلة قديمة ناتجة عن نقص الخبرات الفنية الخاصة بالصيانة والتي تتحكم بها الشركات المصنعة، إذ إن لكل شركة أجهزتها الخاصة بها وقطعها وصيانتها الخاصة الخاصة، إلا أن الحصار كان سبباً إضافياً لتفاقم الأزمة، فقد تضاعفت الضغوط على البلد في هذا الجانب، والشركات التي تورد الأجهزة ليست ذات كفاءة عالية من حيث الإسراع في الإصلاح والصيانة. فهناك مشكلة كبيرة في هذا الموضوع، إضافة إلى مشكلة نقص الأجهزة ومشكلة ارتفاع أسعارها الفاحش. فعلى سبيل المثال يصل سعر جهاز الأمواج فوق الصوت إلى 200 مليون بشكل وسطي، الأمر الذي يسبب الإحراج مع المرضى من حيث تسعيرة الصورة، وتعويض المركز لتغطية سعر الجهاز والأجور والفواتير، وبالتالي يحتاج الأمر إلى إجراءات تأمينية مناسبة.

الحل ليس صعباً

من خلال فريق عمل متكامل يتعاون فيه القطاع العام مع الخاص من الممكن أن نجد حلولاً جيدة لهذه المشكلات بحسب ما أكد الدكتور الصافي، سواء كان ضمن الفريق الطبي الشعاعي أو الأطباء المختصين بجوانب مختلفة، ومن خلال تعاون النقابات المركزية والفرعية والإيمان بالعمل المتكامل، فليس ضرورياً أن يعمل كل طبيب أشعة في عيادة خاصة به، فمن الممكن الاتفاق بين عدد من الأطباء الشعاعيين لافتتاح عيادة مشتركة. ولكن هناك تقصيراً في هذا الجانب، ولا توجد ثقافة العمل الجماعي، فقد كانت هناك محاولة لتطبيقها لكنها فشلت بسبب الخلافات الفردية.

تطور خيالي

هناك تطور خيالي في موضوع الأشعة وأنواعها، ولو سُئلنا عن ذلك منذ عشر سنوات، لما كان متوقعاً الوصول إلى هذه النتائج. فعلى سبيل المثال يوجد اليوم إمكانية التصوير على الجوال حيث يوجد جهاز يوضع على منطقة الألم لدى المريض ويتم فحصه بالإيكو بتقنية بلوتوث مع إمكانية رؤية الصورة من أي مكان في العالم وبأسعار ليست مرتفعة، ولكن هذا جهاز إسعافي للحلول المؤقتة في بعض الحالات المعينة. يؤكد الصافي: أن التقدم الذي طرأ على المعلوماتية والاتصالات عالمياً وما وصلت إليه الهواتف الذكية، انعكس على تطور الأشعة. وأصبحت هناك برامج متطورة تعطي نتائج الأشعة بشكل مباشر على الجوال دون الحاجة لمراجعة المركز، وهي توفر تكاليف الأفلام والوقت والجهد. على سبيل المثال فإن الصورة التي تؤخذ للصدر أو الرأس بجهاز الطبقي المحوري، كانت قبل سنوات تستغرق أربع ساعات، بينما في الوقت الحالي فإن صورة الجسم بالكامل تحتاج لعشرين ثانية فقط. وهذا أدى إلى نقص كبير بالتعرض للأشعة ونسبة حماية عالية ولكن بتكلفة أكبر. ورافق ذلك تطور كبير باختصاصات الأشعة والدراسات العليا، فلم يعد هناك اختصاصي أشعة فقط بل تخصصات فرعية متعددة عالمياً، ورافق ذلك ظهور أجهزة بأحجام صغيرة، وتطور على الأجهزة القديمة نفسها. فعلى سبيل المثال يستطيع الطبقي المحوري اليوم كشف التصلب اللويحي بسهولة، وهو مرض لم يكن سابقاً يُكشف بالمرنان.

مخاطر ولكن

يرتبط احتمال الضرر الذي قد تتسبب فيه الأشعة بأن يكون بكميات عالية، لأن فحوص الأشعة يحكمها ضوابط ومعايير عالمية. يقول رئيس رابطة الشعاعيين: إن الأجهزة الطبية الحديثة آمنة جداً، وقد طُورت بشكل كبير لإعطاء المريض جرعات أقل من الإشعاع ويتم إجراؤها على ملايين البشر يومياً. وبالتالي احتمال الضرر من استخدام الأشعة لعدد قليل من المرات قليل جداً. موضحاً أن الإشعاع ظاهرة كونية استغلت في المجال الطبي، والإنسان بشكل طبيعي يتعرض للإشعاع بشكل مستمر سواء من الإشعاعات القادمة من الكون والكواكب مثل تلك الأشعة القادمة من الشمس. أو حتى من الأشعة الخارجة من الأرض كعنصر الرادون، وتأثيراتها خفيفة جداً. كما أنه لا يمكن لأحد أن ينكر الدور الكبير للأشعة في مساعدة الأطباء على اتخاذ القرارات في علاج مرضاهم بشكل أفضل.

الأشعة والسرطان

احتمالية حدوث سرطان بسبب اجراء فحص تستخدم فيه الأشعة هو احتمال قليل جداً. وقد أكد الخبراء أنه لا يمكننا الجزم بأنها تؤدي إلى ذلك، كما أنه لا يمكننا النفي في حال كان استخدام الأشعة بكميات عالية كالأشعة المقطعية والطب النووي في أن يكون لها تأثير سرطاني على الجلد على المدى البعيد؛ إذ إنه حتى الآن توجد صعوبة في دراسة إمكانية الضرر. وبشكل عام مسببات السرطان غير معروفة على التحديد. ولا يزال الجدل قائماً والأبحاث مستمرة لكي نحصل على فهم اكثر. لكن يبقى الضابط في فحوص الأشعة هو هل هناك ضرورة لفحص الأشعة أو لا.

فوائد عظيمة

يرى الدكتور ياسر أنه من العدل والإنصاف الإشارة إلى فوائد الأشعة في الطب لا يمكن حصرها، ولكن يمكن الإشارة لبعضها. الأشعة تستخدم بشكل واسع لتشخيص حالة العظام والفقرات والمفاصل وتوضيح ما فيها من أمراض وعلل كالكسور وغيرها. كما تستخدم في معرفة ما إذا كان هناك نزيف أو أورام في الدماغ أو بقية أعضاء الجسم والكثير من حالات المعالجة، وبالتالي فإن فوائد استخدام الأشعة الطبية تفوق أضرارها بكثير وقد ساهمت في تحسن الصحة العامة للبشر.