عدد كبير من الأبحاث التي ينجزها طلاب الدراسات العليا والباحثون في الجامعات السورية، تُدرس وتُناقش، ولكن نادراً أن نجد له أثراً أكاديمياً أو عملياً بين عجلات الإنتاج المعرفية أو الصناعية، تغيب هذه الأبحاث عن الأنظار ولا يعرف ما هو المناسب منها لتطوير المجتمع وما هو غير المناسب. وهو أمر لا يرتبط فقط بالجامعات الحكومية وإنما أيضا بالجامعات الخاصة. وخاصة فيما يتعلق بتغييب هذه الجامعات عن موضوع البحث العلمي والدراسات العليا وعدم التشبيك معها والاستفادة مما تمتلكه من خبرات بشرية وتجهيزات.

إن ربط مخرجات البحث العلمي باحتياجات المجتمع وخطط التنمية في سبل الوصول إلى استراتيجية وطنية خاصة بالبحث العلمي، مسألة تهم الجميع وليست ميزة لأحد. يرى الدكتور عادل جواد نائب رئيس جامعة القلمون الخاصة للشؤون العلمية، أن البحث العلمي في الجامعات الخاصة لا يقل أهمية عنه في الجامعات الحكومية، وأنها جزء من أي مشروع استراتيجي لتطوير البحث العلمي، في إشارة إلى واقع الجامعات الخاصة والمطالب المتعلقة بموضوع الدراسات العليا. مشيراً إلى وجود 23 جامعة خاصة في سورية منتشرة في عدد من المحافظات، لكنها لا تحدث فرقاً حقيقياً في مجال البحث العلمي، وحتى الآن لم تصبح جامعات عريقة، إذ ينظر إليها على أنها مدارس خاصة متطورة لمرحلة ما بعد التعليم الثانوي، لكونها تفتقد للبحث العلمي المرتبط بالدراسات العليا، متسائلاً إن كان هناك جامعات عالمية تُدرس طلابها المرحلة الجامعية الأولى ثم تتركهم دون الوصول إلى الدراسات العليا؟

ينطلق الدكتور عادل جواد في حديثه حول هذا الجانب من مقولة (أن كلمة جامعة يعني بحثاً علمياً، والبحث العلمي يعني الدراسات العليا). وفي الواقع هناك عوائق كثيرة تقف أمام السماح للجامعات الخاصة بإحداث الدراسات العليا في الكثير من الاختصاصات. وهذا الموضوع حتى الآن غير موجود علماً أن هناك عدداً كبيراً من هذه الجامعات الخاصة تمتلك بنى تحتية متطورة لا تقل أهمية عن الموجود في الجامعات الحكومية، وهناك صور لتجهيزات مختلفة هي اليوم من أحدث التجهيزات المتطورة جداً، والتي يمكن خلالها إجراء العديد من الأبحاث العلمية الدقيقة، وهي أمور يجب أن تأخذ بعين الاعتبار في ظل عودة هيئة الجودة والاعتمادية.

المحفزات والمعوقات

قصة التفرغ والاستقرار

يوضح نائب رئيس جامعة القلمون أنه حتى الآن يبقى الوقت المخصص لأي عضو هيئة تدريسية للبحث العلمي على مستوى الوطن العربي لا يزيد عن 5% وفي سورية لا نزال في الحد الأدنى من هذه النسبة، بينما عالمياً يكون الوضع مختلفاً، فهناك حوالي 33% من وقت الأساتذة مخصص للبحث العلمي، وهذا يفسر ما يحدث على أرض الواقع، فمعظم الأساتذة لدينا يعملون البحث العلمي من أجل الترفع والحصول على الدرجة الوظيفية والعلمية وليس من أجل البحث نفسه. كما أنه بالتأكيد لا يشكل قاعدة للبناء بقدر ما يدل على استمرار لحالة البعثرة للجهود الكبيرة جداً كماَ والمنخفضة جداً نوعاَ.

ويشير إلى أن أحد العوائق التي تطرحها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لكي يسمح للجامعات الخاصة بافتتاح درجة الدراسات عليا، أنه لا يوجد استقرار لأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الخاصة، وهذه الفكرة تأتي لكون الأستاذة يدرسون في الجامعات الخاصة إما بصفة التفرغ أو أنهم إعارة أو إجازات بلا راتب أو تفرغ جزئي. وهو عائق يمكن حله من خلال تطبيق نظام معين للتعاقد مع الجامعات الخاصة، وخاصة بعد أن أصدرت الوزارة قراراً ألزم الجامعات الخاصة بزيادة نسبة الأساتذة على الملاك بشكل سنوي بمقدار 10% بشكل تدريجي بحيث يصبح لديها خلال خمس سنوات ما يقارب الـ 50% من أعضاء الهيئة التدريسي على الملاك، الأمر الذي يجعل من هذا العائق مسألة محلولة خلال فترة قريبة.

إمكانيات الحل

وفي رحلة البحث عن حلول مشابهة يرى الكثير من الأساتذة الجامعيين الذين على الملاك أنه يمكن رفد القرار السابق بقرار آخر يحمل صيغة تعاقدية معينة بينهم وبين الجامعات الخاصة التي ستعُطى الترخيص والموافقة على إنشاء دراسات عليا بحيث تكون صيغة التعاقد خمس سنوات بدلاً من سنة واحدة، ما يسمح للقيام بالبحث العلمي، وهو أمر لا يحتاج إلا إلى تشريع بسيط في حال توفرت الإرادة والرغبة من قبل المعنيين، كما يمكن تحديد الاختصاصات التي فيها نسبة عالية على الملاك ليتم السماح لهم وإعطاؤهم دراسات عليا. ويشير هؤلاء إلى ضرورة الاستفادة من الاتفاقيات العلمية ومذكرات التفاهم التي وُقّعت مع مراكز بحثية وجامعات حكومية وحتى مع جهات مختلفة والتي لا تزال مجرد بروتوكولات موقعة دون تفعيل. في حين يكفي الانطلاق في تطبيقها لنحقق التشاركية التي تساعد في تحقيق الكثير من التقدم في البحث العلمي التطبيقي.

عدم الاستقرار

وبالعودة إلى الدكتور عادل جواد يرى أن أحد المعوقات في البحث العلمي للجامعات الخاصة يعود لعدم استقرار الأستاذ، وهي مسألة يمكن حلها عن طريق الاستعانة بأساتذة لمدة شهر بحيث يقوم الأستاذ بإعطاء مقرره كله، ثم يبدأ بمقرر ثانٍ في الدراسات العليا، وهو أمر يمكن تطبيقه بسهولة، وخاصة أن البنى التحتية في العديد من الجامعات الخاصة تساوي الجامعات الحكومية ولا تقل أهمية عنها على المستوى المخبري، وهي تمتلك متطلبات البحث والدراسة إضافة إلى أن التعاون مع المؤسسات الإنتاجية قد يكون أسهل لكون الروتين في الجامعات الخاصة أخف منه في الجامعات الحكومية.

ووفقاً لرؤية العديد من الأساتذة في هذه الجامعات، فإن هناك ضرورة لإحداث درجات الماجستير في الدراسات العليا وخاصة في العلوم الطبية والمحاور المتعلقة بأمراض القلب والتقانة الحيوية والصحة الغذائية والأمراض الإنتانية وغيرها، وفي الهندسات مثل البرمجيات وتقانة الاتصالات والمعلومات وهندسة الأتمتة والنظم. وكذلك في العلوم التطبيقية وغيرها من الاختصاصات الحيوية في الكليات العلمية والنظرية. وذلك لما لها من دور أساسي في توطين البحث العلمي من جهة، وفي إحداث ديناميكيّة تعمل على دفع الجامعات على طريق التّقدم والارتقاء، كما يدخلها ذلك في شبكة من التفاعل والتعاون مع عدد من الجامعات ومراكز البحث العلمي المحليّة والدّوليّة.

يذكر أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أنهت مشروع قرار بإحداث الدراسات العليا في الجامعات الخاصة، وفقاً لضوابط عديدة وأساسيات يتم استقبال الطلبة من خلالها، وأهمها أن يكون لبرنامج الدراسات العليا اختصاص إجازة مماثل، وقد مضى على تخرج أول دفعة منه سنتان على الأقل, وأن يكون الحد الأدنى لعدد أعضاء الهيئة التدريسية من حملة درجة الدكتوراه في برنامجي الإجازة والماجستير ستة أعضاء هيئة تدريسية وللدكتوراه ثمانية أعضاء. كما حدد عدد رسائل الماجستير والدكتوراه التي يسمح لعضو الهيئة التدريسية الإشراف عليها في الكليات التطبيقية بثمانية رسائل من ضمنها ثلاث رسائل دكتوراه على الأكثر.