نعلم أن أزمة الطاقة الكلاسيكية اندلعت في توقيت صعب، كونها جاءت قبل موسم الشتاء، الذي يشهد في الأساس طلباً كبيراً على الوقود لأغراض التدفئة، ما ضاعف من المخاوف المصاحبة لهذه المشكلة.

كما تأتي الأزمة بعد عام استثنائي، تعرّض فيه الطلب والعرض لانهيار حادّ، مع توقّف النشاط الاقتصادي، بسبب وباء كورونا. وما زاد الأمور قسوة أن الظروف الجوية هذا العام من جفاف وتراجع معدل الرياح، أثّرت سلباً على حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي.

ومن جهة أخرى فإن حصة الوقود الأحفوري تتراجع في مزيج الطاقة العالمي رويداً رويداً، مع أهداف خفض الانبعاثات، باستثناء الغاز الطبيعي، الذي يُنظر إليه على أنه وقود انتقالي نحو اقتصاد منخفض الكربون.

ويأتي ذلك من واقع أن الغاز الطبيعي أقلّ أنواع الوقود الأحفوري إطلاقاً للانبعاثات من جهة، وأنه يدعم موثوقية الكهرباء، في أوقات عدم توافر الطاقة المتجددة. وهي الطاقة التي يتم جمعها من الموارد المتجددة التي يتم تجديدها بشكل طبيعي على النطاق الزمني البشري. والتي تشمل مصادر مثل ضوء الشمس والرياح والأمطار والمد والجزر والأمواج والحرارة الجوفية. على الرغم من أن معظم مصادر الطاقة المتجددة مستدامة، إلا أن بعضها ليس كذلك، مما يدفع العلماء إلى البحث المستمر عن مصادر إضافية لهذه الطاقة. وفي هذا السياق يأتي هذا البحث الذي قاده فريق من معهد باسيفيك نورث ويست الوطني. وتوصلوا فيه إلى تركيب إنزيم اصطناعي جديد يكسر اللجنين الخشبي القاسي.

نعلم أن الإنزيمات هي عبارة عن بروتينات تعمل كمحفزات بيولوجية. المحفزات تسرع التفاعلات الكيميائية. تسمى الجزيئات التي قد تعمل الإنزيمات عليها ركائز، ويقوم الإنزيم بتحويل الركائز إلى جزيئات مختلفة تعرف باسم المنتجات. ويمكن تركيب هذه البروتينات صناعياً في المختبرات.

أظهر هذا الإنزيم الاصطناعي الذي تم الوصول إليه في هذا البحث أنه قادر على مضغ اللجنين، وهو المكوِّن الذي يساعد النباتات الخشبية على الحفاظ على شكلها. كما ويخزن اللجنين أيضاً إمكانات هائلة للطاقة والمواد المتجددة.

واللجنين هو فئة من البوليمرات العضوية المعقدة التي تشكل المواد الهيكلية الرئيسية في الأنسجة الداعمة لمعظم النباتات. اللجنين مهم بشكل خاص في تكوين جدران الخلايا، وخاصة في الخشب واللحاء.

أما البوليمر فهو مادة تتكون من جزيئات كبيرة جداً، أو ما يسمى بالجزيئات الضخمة التي تتكون من العديد من الوحدات الفرعية المتكررة. ونظراً لطيف خصائصها الواسع تلعب البوليمرات الاصطناعية والطبيعية أدواراً أساسية وواسعة الانتشار في الحياة اليومية.

تظهر هذه الأبحاث وعداً لتطوير مصدر جديد للطاقة المتجددة، عن طريق قدرة الإنزيم المصنع على مضغ اللجنين المتوافر بكثرة في الطبيعة، والذي كان حتى الآن مادة غير واضحة الخواص وغير مستغلة بالشكل اللازم.

نشر تقرير حول هذا البحث في مجلة Nature Communications، أظهر فريق من الباحثين من جامعة ولاية واشنطن ومختبر شمال غرب المحيط الهادئ الوطني التابع لوزارة الطاقة، أن إنزيمهم الاصطناعي نجح في هضم اللجنين، وهو الذي قاوم بعناد كل المحاولات السابقة لتطويره إلى مصدر طاقة مفيد اقتصادياً.

يُهدر اللجنين، وهو ثاني أكثر مصادر الكربون المتجدد وفرة على وجه الأرض، كمصدر للوقود. عندما يتم حرق الخشب لأغراض الطهي، تساعد المنتجات الثانوية التي تنتج من اللجنين في نقل تلك النكهة الدخانية إلى الأطعمة. لكن الاحتراق يطلق كل هذا الكربون في الغلاف الجوي بدلاً من احتجازه لاستخدامات أخرى.

قال سياو تشانغ، المؤلف المُناظر في الورقة وأستاذ مادة الهندسة الكيميائية والهندسة الحيوية: أظهر إنزيم المحاكاة الحيوية لدينا وعداً في تحطيم اللجنين الحقيقي، والذي يعتبر اختراقاً حقيقياً حتى يومنا هذا. ويضيف تشانغ: نعتقد أن هناك فرصة لتطوير فئة جديدة من المحفزات ومعالجة قيود المحفزات البيولوجية والكيميائية حقاً.

اللجنين موجود في جميع النباتات الوعائية، حيث يشكل جدران الخلايا ويزود النباتات بالصلابة. يسمح اللجنين للأشجار بالوقوف، ويمنح الخضار قوتها ويشكل حوالي 20-35% من وزن الخشب. ولكن نظراً لأن اللجنين يتحول إلى اللون الأصفر عند تعرضه للهواء، فإن صناعة المنتجات الخشبية تزيله كجزء من عملية صناعة الورق الدقيقة. بمجرد إزالته غالباً ما يتم حرقه بشكل غير فعال لإنتاج الوقود والكهرباء.

حاول الكيميائيون لأكثر من قرن إنتاج منتجات ذات قيمة من اللجنين ولكنهم فشلوا. قد يكون هذا السجل الحافل بالإحباط على وشك التغيير.

منتج صناعي أفضل من الطبيعي

"هذا هو أول إنزيم لمحاكاة الطبيعة نعرف أنه قادر على هضم اللجنين بكفاءة لإنتاج مركبات يمكن استخدامها كوقود حيوي وفي مجالات الإنتاج الكيميائي" يقول تشون لونغ تشن، المؤلف المشارك، والباحث في مختبر شمال غرب المحيط الهادئ الوطني، وأستاذ الهندسة الكيميائية والكيمياء في جامعة واشنطن.

في الطبيعة، تستطيع الفطريات والبكتيريا تكسير اللجنين بإنزيماتها، وهي الطريقة التي تتحلل بها جذوع الأشجار المغطاة بالفطر في الغابة. تقدم الإنزيمات عملية غير ضارة بالبيئة أكثر بكثير من التدهور الكيميائي، الذي يتطلب استخدام حرارة عالية ويستهلك طاقة أكثر مما ينتج.

يحمل اللجنين الخشبي، الذي يظهر في الصورة المرفقة في شكل نقي، وعداً كبيراً كوقود حيوي متجدد، إذا كان من الممكن تقسيمه بكفاءة إلى شكل مفيد. لكن الإنزيمات الطبيعية تتحلل بمرور الوقت، مما يجعل استخدامها صعباً في عملية صناعية. كما أنها غالية الثمن أيضاً.

قال تشانغ: من الصعب حقاً إنتاج هذه الإنزيمات من الكائنات الحية الدقيقة بكميات ذات مغزى للاستخدام العملي. ثم بمجرد عزلها، تصبح هذه الإنزيمات هشة للغاية وغير مستقرة. لكن هذه الإنزيمات توفر فرصة عظيمة لإلهام العلماء بالنماذج التي تنسخ تصميمها الأساسي.

رغم أن الباحثين لم يتمكنوا من تسخير الإنزيمات الطبيعية للعمل معها، فقد تعلموا على مدى العقود السابقة الكثير حول كيفية عملها. توضح مقالة سابقة قدمها المعهد التحديات والعقبات التي تحول دون تطبيق واستخدام إنزيمات تفكيك اللجنين الطبيعية. يضيف تشانغ: يوفر فهم هذه الحواجز رؤى جديدة نحو تصميم إنزيمات المحاكاة الحيوية.

مفتاح الحل

في الدراسة الحالية، استبدل الباحثون الببتيدات التي تحيط بالموقع النشط للإنزيمات الطبيعية بجزيئات شبيهة بالبروتين تسمى الببتويد. ثم يتم تجميع هذه الببتويدات ذاتياً في أنابيب وصفائح بلورية نانوية. نعلم أنه تم تطوير البيبتويدات لأول مرة في التسعينيات لتقليد وظيفة البروتينات. لدى البيبتويدات العديد من الميزات الفريدة، بما في ذلك الاستقرار العالي والتي تسمح للعلماء بمعالجة أوجه القصور في الإنزيمات الطبيعية. في هذه الحالة فإنها توفر كثافة عالية في المواقع النشطة والتي يستحيل الحصول عليها باستخدام إنزيم طبيعي.

قال تشين: يمكننا تنظيم هذه المواقع النشطة بدقة وضبط بيئاتها المحلية للنشاط التحفيزي، لدينا الآن كثافة أعلى بكثير من حيث عدد المواقع النشطة، بدلاً من موقع واحد نشط.

كما هو متوقع تعد هذه الإنزيمات الاصطناعية أيضاً أكثر استقراراً وقوة من الأنواع الطبيعية، لذا يمكنها العمل في درجات حرارة تصل إلى 60 درجة مئوية (140 درجة فهرنهايت)، وهي درجة حرارة من شأنها أن تدمر الإنزيم الطبيعي.

قال تشين: هذا العمل يفتح حقاً فرصاً جديدة. تعتبر هذه خطوة مهمة إلى الأمام في القدرة على تحويل اللجنين إلى منتجات قيمة باستخدام نهج غير ضار بالبيئة.

إذا كان من الممكن تحسين إنزيم المحاكاة الحيوية الجديد لزيادة عائدات التحويل، وذلك بهدف توليد المزيد من المنتجات الانتقائية، فإن لديه القدرة على الارتقاء إلى النطاق الصناعي. هذه التكنولوجيا الوليدة تحاول أن تقدم طرقاً جديدة للحصول على مواد متجددة لاستخدامها كوقود حيوي للطيران والمواد الحيوية الأخرى، من بين تطبيقات أخرى.

----

بواسطة معهد باسيفيك نورث ويست الوطني

ترجمة عن موقع: Sci Tech Daily