التوأم الرقمي هو استنساخ إلكتروني لكائن حي أو آلة، يشتمل على رؤى تتعلق بالحجم والأجزاء والأداء وما إلى ذلك، ويخزن المعلومات الحالية والسابقة حول العنصر الذي تم اختياره، باستخدام أجهزة الاستشعار والمحركات، كما يتم إدخال هذه البيانات في النماذج التحليلية لإنتاج رؤى مهمة.

التوأم الرقمي الذي تم استنساخه على منصة افتراضية، هو نسخة شبه رقمية من كائن مادي. إنه جسر بين العالم الرقمي والعالم المادي. ويتمثل استخدامه الأساسي في تحسين أداء الأعمال، من خلال تحليل البيانات ومراقبة الأنظمة لمنع حدوث المشكلات وتفادي التوقف عن العمل.

كما ستساعد عمليات المحاكاة التي تم إنشاؤها، في إنشاء وتخطيط الفرص والتحديثات المستقبلية داخل الإجراء أو المنتج. وتعد مزايا ابتكار التوأم الرقمي الافتراضي رائعة للشركات والحكومات.

كيف يعمل؟

تم بناء مفهوم التوأم الرقمي بحيث يمكنه الحصول على مدخلات من أجهزة استشعار تجمع المعلومات من نظير له في العالم الحقيقي؛ حيث يسمح هذا للتوأم بمحاكاة الكائن المادي في الوقت الفعلي، في العملية التي تقدم رؤى حول الأداء والمشكلات المحتملة. يمكن أيضاً أن يتم تنظيم التوأم الرقمي اعتماداً على أنموذج نظيره المادي.

في عالم الطب

قالت دراسة علمية حديثة إن استخدام نماذج الكمبيوتر المتقدمة، يمكن أن يساعد على تحسين تشخيص الأمراض وعلاجها. وبحسب دراسة دولية نشرت في دورية Genome Medicine، يمكن استخدام مجموعة من التوائم الرقمية لبحث فعالية العلاج واحتمالات الشفاء قبل تجربة الدواء على المريض. و"التوأم الرقمي الطبي" هو برنامج حاسوبي مزود بكل بيانات المريض وتاريخه الصحي. ويستطيع الباحثون تزويده بجميع البيانات الخاصة بالحالة وعمل تحديث عليها، وتجربة التفاعلات الدوائية على ذلك البرنامج، في صورة محاكاة دقيقة قد تسهم في معرفة ما إذا كان الدواء صالحاً لذلك المريض أم لا قبل أن يتناوله.

إن أكبر المشاكل التي يواجهها الأطباء في مجال الرعاية الطبية، هي عدم فعالية الأدوية بالنسبة إلى بعض المرضى، فنحو 40 إلى 70 % من المرضى الذين يعانون الأمراض الشائعة يتناولون أدوية غير فعالة، ولأن الأمراض بمعظمها تعتمد على التفاعلات المتغيرة بين آلاف الجينات في العديد من أنواع الخلايا المختلفة، فقد تختلف تلك التفاعلات بين المرضى الذين يعانون المرض نفسه، وبالتالي تصبح الأدوية غير فعالة حتى في حالة المرض الواحد.

قام الفريق العلمي الدولي بمحاولة سد هذه الفجوة من خلال بناء نماذج للأمراض تعتمد على الطريقة التي تتفاعل بها الجينات عبر أنواع كثيرة من الخلايا، يمكن أن تكون تلك النماذج بمثابة "توأم رقمي" لكل مريض على حدة. ويقوم الأطباء بتزويد البرنامج بالمعلومات الخاصة بكل مريض، فيجري البرنامج محاكاة للأدوية التي قد تسهم بشكل فعال في القضاء على المرض اعتماداً على الظرف الشخصي لحالة كل مريض.

وبدأ الباحثون في بناء التوأم الرقمي لنوع واحد من الأمراض، هو التهاب المفاصل الروماتويدي، ثم قاموا بتجربة البرنامج على فئران التجارب، وأظهر العلماء أن الأدوية التي يقوم البرنامج باختيارها طبقاً لكل حالة تأتي بنتائج إيجابية أكثر من الأدوية التي يختارها الأطباء.

ويقول الباحثون إن "التوأم الرقمي" يمكن استخدامه أيضاً لتوقع الإصابة بالأمراض وليس لتشخيصها أو اختيار الأدوية فقط. ويأمل الباحثون أن تسهم تلك البرامج في رفع العبء الصحي والاقتصادي عن المرضى، والمتمثل في اختيار أو وصف أدوية لا تناسب حالتهم على وجه الدقة.

ما زال الهدف المرجو من هذه التجارب بعيداً عن متناول العلماء؛ لكنهم مستمرون في أبحاثهم وتجاربهم لتحقيق هذا الحلم. والهدف اليوم يكمن في صنع توأم رقمي ليس لمرض واحد محدد فقط وإنما لجهاز المناعة عند الإنسان؛ حيث سيتم تقديم خطة خطوة بخطوة لجهد دولي لإنشاء توأم رقمي لجهاز المناعة البشري في مقال تم نشره في (20 مايو 2022) في مجلة "الدواء الرقمي".

"تحدد هذه الورقة خارطة طريق يجب أن يتخذها المجتمع العلمي في بناء وتطوير وتطبيق التوأم الرقمي لجهاز المناعة" كما قال توماس هيليكار، عالم الكيمياء الحيوية بجامعة نبراسكا - لينكولن، وهو واحد من عشرة مؤلفين مشاركين من ستة جامعات من جميع أنحاء العالم.

في وقت سابق من هذا العام، جددت المعاهد الوطنية للصحة منحة قدرها 1.8 مليون دولار لمدة خمس سنوات لـ هيليكار لمواصلة عمله في هذه التجارب. وقال: هذا جهد سيتطلب تعاون علماء الأحياء الحاسوبية وعلماء المناعة والأطباء وعلماء الرياضيات وعلماء الكمبيوتر. كانت محاولة تقسيم هذا التعقيد إلى خطوات قابلة للقياس والتحقيق تمثل تحدياً. تتناول هذه الورقة ذلك وتشرحه بالتفصيل وخطوة بخطوة.

سيكون التوأم الرقمي للجهاز المناعي بمثابة اختراق يمكن أن يوفر الطب الدقيق لمجموعة واسعة من الأمراض، بما في ذلك السرطان وأمراض المناعة الذاتية والالتهابات الفيروسية مثل COVID-19.

استلهمت مشاركة هيليكار جزئياً من تجربته مع ابنه البالغ من العمر 7 سنوات، والذي تطلب عملية زرع رئة عندما كان رضيعاً. وقد أدى ذلك إلى تحقيق توازن دقيق لمدى الحياة لجهازه المناعي من خلال عقاقير قوية لتثبيط المناعة لمنع رفض العضو المزروع مع منع العدوى والأمراض الأخرى في الوقت نفسه.

في حين أن الخطوة الأولى هي إنشاء أنموذج عام يعكس الآليات البيولوجية المشتركة، فإن الهدف النهائي هو صنع نماذج افتراضية على المستوى الفردي. سيمكن ذلك الأطباء من تقديم علاجات مصممة بدقة لكل فرد على حدة.

قال هيليكار: الحلم والهدف هو أن يتم استخدامه في الطب الدقيق على مستوى الفرد. المشكلة الأساسية هنا هي أن الإنسان يتغير بمرور الوقت؛ حيث تتم برمجة جهاز المناعة لدينا وإعادة برمجته وتعديله بمرور الوقت. إنه يتطور منذ الولادة، ومع تقدمنا في السن يستمر في التطور، ولكن للأسف بطرق لا نحبها غالباً. إذ إنه يصبح أضعف، لدينا سرطانات ونظام مناعتنا لا يواكبها. هدفنا هو إنشاء توائم رقمية لا تقتصر على أنفسنا في الوقت الحالي فحسب، بل خاصة بتلك النقطة الزمنية - مع مراعاة ماضينا بالكامل".

مؤلفو "بناء التوائم الرقمية لنظام المناعة البشري: نحو خارطة طريق" هم جزء من مجموعة عمل شاملة تضم حوالي 200 عالم تم تنظيمهم من أجل النمذجة متعددة النطاقات للأوبئة الفيروسية. يقود مجموعة العمل المشتركة بين الوكالات العالم راينهارد لوبينباتشر من جامعة فلوريدا وجيمس غلازيير من جامعة إنديانا، وكلاهما مؤلفان مشاركان للتقرير الذي نشر في 20 مايو. ومنذ ذلك الوقت شارك هيليكار في قيادة مجموعة العمل مع غلازيير.

ومن بين المؤلفين المشاركين الآخرين غاري آن من جامعة فيرمونت، وآنا نياكاريس من جامعة باريس ساكلاي، وراهومان س. مالك شريف من المعهد الأوروبي للمعلومات الحيوية.

يقول المقال: التوائم الرقمية، نماذج المحاكاة المخصصة الرائدة في الصناعة، بدأت في الانتشار في الطب والرعاية الصحية، مع بعض النجاحات الرئيسية في تشخيصات القلب والأوعية الدموية والتحكم في مضخة الأنسولين، ستكون التوائم الرقمية الطبية الأكثر تقدماً ضرورية لجعل الطب الدقيق حقيقة واقعة. نظراً لأن الجهاز المناعي يلعب دوراً مهماً في مثل هذه المجموعة الواسعة من الأمراض والحالات الصحية، بدءاً من مكافحة مسببات الأمراض وانتهاءً باضطرابات المناعة الذاتية، سيكون للتوائم الرقمية في الجهاز المناعي تأثير كبير بشكل خاص.

في حين أن السعي قد يستغرق سنوات من العمل والبحث ومئات الملايين من الدولارات، يعتقد هيليكار أنه قابل للتحقيق. "أعتقد أن لدينا ما يكفي من البيانات والتقدم التكنولوجي من حيث الأساليب وأدوات البرمجيات، بحيث يمكن بناء المسودة الأولى أو الإصدار الأول من نظام المناعة الافتراضي باستخدام البيانات الموجودة بالفعل. قد لا يكون قابلاً للتخصيص حتى الآن، ولكن يمكنك البدء به كأنموذج أولي عملي". وتابع: "طالما كان هناك احتمال أن يتحقق ذلك، وهناك إمكانية أن يساعد هذا المشروع ابني، فهذه هي مهمتي".

----

بواسطة جامعة نبراسكا لينكولن

ترجمة عن موقع: Sci Tech Daily