يمثل عالم الإنترنيت لدى الناس عالماً بلا حدود أو قيود، لكنه بالنسبة إلى مكفوفي البصر لا يخلو من الحواجز والصعوبات، ما دفع الباحثين والخبراء منذ سنوات إلى البحث عن تكنولوجيا متطورة خاصة بالمكفوفين تساعدهم على استخدام أجهزة الكومبيوتر والإنترنيت، فكانت البرمجيات الخاصة بقارئات الشاشة التي تقوم بنطق ما يوجد على شاشة الكومبيوتر عبر السماعات أو مكبر الصوت الملحق بالجهاز، وأخرى تقوم بعرض محتوى موقع الإنترنيت الذي يتم تصفحه على شكل جمل مكتوبة بلغة بريل للمكفوفين.

لم تتوقف التطورات التي تعتمد على تقنيات تسمح لفاقدي البصر، بالبقاء على تماس مباشر مع الإنترنيت، فبدأت الأبحاث تتوجه نحو تنفيذ أنظمة رقمية حديثة داعمة، تمكن من إشراك الكفيف والتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي.

يتحدث الدكتور وسيم صافي، مدرس في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بجامعة دمشق، حول ورقته البحثية التي حصل من خلالها على درجة الدكتوراه من جامعة كارنو الفرنسية بعد أن قام باختراع تطبيق لتحسين الحياة الرقمية للأشخاص المكفوفين بالكامل، وتم تطبيقه في مخبر كريك بالجامعة نفسها، مبيناً أنه توصل إلى مجموعة من الخوارزميات ومجموعة من النظم البرمجية بالإضافة إلى دارة إلكترونية تساعد الشخص الكفيف على إدارك البعد الثنائي لصفحة الويب وتصفح الويب بشكل أسرع بكثير، بالإضافة إلى تحسين اندماجه مع التقنيات الرقمية الحديثة وآلية استخدامها مثل التابلت والآي باد والسمارت بشكل عام.

الدكتور وسيم صافي

إمكانية تطبيقه

يقول الصافي إن المحاولات مستمرة في مخابر المعهد العالي للعلوم التطبيقية والجامعة الافتراضية لمتابعة هذا الموضوع من خلال عدة مشاريع تخرج لطلاب الدراسات العليا، حيث توجد مشاريع ماجستير بعلوم الويب وماجستير البيكي باد، وخاصة أن صفحات الويب المكتوبة باللغة العربية تقدم خدمات كبيرة بالجانب البرمجي والهارد وير أو تصميم الدارات الإلكترونية، ما يتطلب أن تكون الخطوات البحثية الحالية والقادمة هي لحل مشكلات التواصل الرقمي لشريحة المكفوفين ممن لديهم نسبة إعاقة 100% وهي تجارب تقوم بها الدول المتقدمة بالتعاون مع شركات داعمة ومنظمات خاصة للتعامل مع الشخص الكفيف. والصعوبة التي تواجه هذا العمل هي إيجاد الأشخاص الذين لديهم استعداد للتعاون من أجل التجارب، لأن ذلك يحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير.

إن الخطوة القادمة بالنسبة إلى هذا البحث، هو تثبيت المنتج وتصميم الدارة الإلكترونية التي هي مخصصة للتعامل مع الأشخاص الكفيفين، ومن ثم إيجاد الأشخاص الفاقدي للبصر بشكل كامل لتحديد مدة التدريب التي يحتاجها كل منهم للاستفادة من المنتج. وخاصة أن التجارب المبدئية أثبتت أن مثل هذه المنتجات تحتاج إلى 4 أسابيع بمقدار 3 ساعات يومياً بشكل وسطي. ليصبح هذا الشخص فيما بعد قادراً على استخدام السمارت والتابليت وإمكانية البحث بشكل أسرع.

تجاوب كبير

تتوجه التكنولوجيا الرقمية عادة لكل الأعمار والوضع مشابه بالنسبة إلى الأشخاص الكفيفين. يوضح الباحث وسيم الصافي أن هناك توجهاً كبيراً لتحسين الحياة الرقمية وفقاً للأنظمة الذكية لدى الأشخاص فاقدي البصر بشكل كامل من خلال التوجه للدفع الإلكتروني وتحسين الاندماج بشكل أكبر في الحياة اليومية لجميع الأعمار، إلا أن التجارب التي تم تطبيقها على الدارة الجديدة بينت تجاوب أكبر لدى الفئة الشابة عن باقي الفئات الأخرى وهي الشريحة العمرية التي تتراوح بين 16 وحتى 40 عاماً، فقد كانت هناك سرعة عالية بالتعلم وتجاوب كبير مع التطبيق الجديد، ما يدل يؤكد نجاح هذه الاستراتيجية البحثية. في حين كانت المشكلة مع الأعمار الأكبر الذين لم يستخدموا أبداً التقنيات الحديثة حتى السمارت فون الثابت.

ويبين الباحث أن الكفيف يحتاج لاستخدام هذه التقنية إلى مجموعة من المكونات الإلكترونية المتوفرة حالياً في السوق المحلية بتكلفة عادية وليست عالية بما يعادل مئة ألف ليرة سورية فقط. كما أن هناك نماذج مختلفة وجهات داعمة الأمر الذي يخفف من قيمة التكلفة.

أما الأمر المهم في هذا التطبيق أنه جديد ولا يوجد أي تطبيق مشابه لهذا الشكل والأنموذج في أي بلد آخر حتى نهاية عام 2020 وقد حصل الباحث وسيم الصافي على براءة اختراع بهذه التقنية من الجامعة الفرنسية التي درس فيها، والذي لفت إلى أنه حتى الآن لا يوجد هذا المنتج في المنطقة العربية، وهو يشكل انطلاقة جيدة وجديدة لهذا البحث وإنتاج هكذا تقنية، وخاصة أننا في سورية نمتلك مخابر جيدة لإنتاجه.

الحاجة إلى التعاون

يرى الدكتور وسيم الصافي أهمية أن تطرح هذه الأبحاث الجديدة عن طريق المراكز البحثية وأمام باحثين من مختلف الدول، ما يساعد في تبادل الخبرات والأفكار ووضع الإضافات التي تغني الموضوع البحثي، وإيجاد شراكات مثل المنظمات أو الجهات خاصة تدعم هذه المشاريع التي تشكل خدمة كبيرة لهذه الشريحة في المجتمع. وأن البحث خضع للتحكيم من قبل لجنة مشتركة ركزت على الفائدة التي يمكن أن يحققها في دمج المكفوفين في المجتمع والسرعة في التعلم والحصول على المعرفة، كما كان هناك تركيز على المنحة التطبيقية والمنهج العلمي.