ازدادت الحاجة إلى الأطراف الصناعية بشكل كبير خلال سنوات الحرب على سورية وكادت المراكز الموجودة أن تصل إلى حالة العجز، فلم تعد تستطيع تخديم كل الحالات المتزايدة التي توفد إليها، لأنه حدث يغير الحياة تماماً، ويسلب الناس القدرات التي يراها معظمنا أمراً مفروغاً منه مثل الجري والمشي والوقوف.

إن الأطراف الصناعية يمكن أن تساعد مبتوري الأطراف من استعادة بعض حركاتهم. من هنا انطلقت فكرة تأسيس مخبر ثلاثي الأبعاد في جامعة دمشق الذي تم إحداثه في كلية الهندسة الكهربائية والميكانيكية بالتعاون مع الجمعية الإيطالية وبإشراف الدكتور فراس الحناوي نائب رئيس جامعة دمشق للشؤون العلمية ومعه خمسة آخرون من أعضاء المخبر.

المراحل الأولى

تبين المهندسة نسرين الماضي خريجة كلية الهندسة الطبية من جامعة دمشق وهي من مؤسسي المخبر الذي خُصص بداية لتقديم أطراف علوية مجانية لكل المحتاجين من السوريين، أن المخبر عمل في البداية لتجهيز الأعضاء المطلوبة عن طريق عملية تجميع القطع اللازمة لإنتاج الطرف، ليتم بعدها استدعاء المريض لعملية القياس والتأكد بأن الطرف مناسب لحالة البتر التي لديه، وأنه لا يسبب له ألماً أو مضايقات. ثم تتم عملية التوصيل والربط والمعايرة للوصول إلى الوضع المناسب للحالة تماماً. مشيرة إلى أن الجمعية الإيطالية قدمت كل التجهيزات اللازمة لعمل المخبر وتطويره علمياً وعملياً ضمن خمس عناوين رئيسية، وكانت البداية من خلال تقديم أطراف ميكانيكية لعملية بتر عبر الساعد، ثم أصبح هناك تصنيع لأطراف عبر الكف وخدمات تساعد في تصميم أغطية تجميلية للأطراف. وتقدم الخدمة بعد معرفة المعلومات الكاملة حول المريض والسبب الذي جاء به ليبدل أو يركب طرفه الصناعي، فتؤخذ القياسات اللازمة وبعدها عملية التصميم لحركة الساعد أو الحركات اللازمة لاستخدام الطرف الصناعي؛ بحيث يصبح أقرب ما يكون إلى الطرف السليم.

تقنية الأطراف

تقول الماضي: افتتح المخبر في عام 2019 استمرينا باستقبال الحالات في المخبر حتى شهر نيسان من عام 2021، تم خلالها تخديم أكثر من خمسين حالة خلال سنة ونصف، وكان التخديم عبارة عن تقديم أطراف ميكانيكية. وقد تواصلنا مع معظم الأشخاص الذين قدمنا لهم أطرافاً صناعية لمعرفة مدى جودة الخدمة، وهل هم يستخدمون هذه الأطراف، وما هي السلبيات والإيجابيات، لنتمكن من دراستها وتطويرها، لأن الهدف من المخبر ليس مجرد تقديم الطرف الصناعي، ثم يخرج المريض من المخبر ويرمي الطرف. وعليه كانت الانطلاقة نحو دراسة ما هي إمكانية الخدمات التي يقدمها الطرف الصناعي وما يحتاج ليصبح أكثر دقة.

نقطة تحول بحثي

تتابع الباحثة نسرين الماضي حديثها حول واقع العمل في المخبر مبينة أنه تم تحويله إلى مخبر بحثي ليتم تطويره وتطوير العمل في مجال الأطراف الصناعية بطريقة النمذجة؛ حيث يتم التركيز حالياً على تصميم أطراف صناعية إلكترونية بدلاً من الأطراف الميكانيكية التي تعتمد على حركة الجسم لكي يتحرك الطرف، ويمكن أن يسبب تعب لعضلات المريض، وأن تكون فترة التدريب على استخدام الطرف طويلة. ولذلك نجد أشخاصاً يرفضون استخدام هذه الأنواع من الأطراف، ما دفع الفريق البحثي في المخبر للعمل الفعلي على تطوير الأطراف الصناعية الميكانيكية إلى أطراف إلكترونية يسهل استخدامها من قبل المريض ولها قبول أكبر في المجتمع.

ولفتت إلى أن العمل في مخبر الجامعة لا يقل أهمية عن العمل في المخابر العالمية؛ فهناك نوعان من الأطراف المستخدمة، والفرق هو أنه في الدول المتقدمة نجد الأطراف الميكانيكية موجهة لفئة الصغار أكثر من الكبار. بينما نحن تستخدم لجميع الأعمار، كون الأطراف إلكترونية وغالية الثمن وتصنيعها مكلف جداً. كما أن هناك مشكلة بموضوع استيراد الأعداد الكافية من المواد والقطع اللازمة لتصنيعها.

أطراف إلكترونية

تؤدي الأطراف الاصطناعية الإلكترونية دوراً فعالاً أكثر من الأطراف المنفصلة والميكانيكية، ولكن هناك مواجهة ضبط عدد كبير من البارامترات وهي (عوامل متغيرة)، إذ إن ضبط الطرف الصناعي، يرتبط بعدد من القضايا التي لم تعالج حتى الآن، مثل عدم امتلاكه أنموذج معروف ومستقر، وخضوع المنتج لضجيج تذبذب القياس والتغيرات التي يسببها جسم الإنسان.

تقول الباحثة: إن خوارزمية التحكم في الجهاز الاصطناعي وجعله يعمل كجزء من الجسم البشري، يمكن الوصول إليها باستمرار البحث في المختبر الجديد، والذي يعتبر تابعاً لقسم الهندسة الطبية الحيوية الموجود في جامعة دمشق والذي نريد من خلاله تحسين نوعية حياة الأشخاص الذين يعانون من بتر الأطراف. مشيرة إلى أن الهدف الرئيسي هو تعزيز وظيفة هذه الأطراف الإلكترونية بالاعتماد على حل شفرة الإشارات العصبية العضلية والتعرف على نية مرتديها فيما يتعلق بمهام الحركة. وخاصة بعد أن تم اكتشاف عدة نقاط ضعف في المرحلة السابقة من العمل وأهمها: شكل الأطراف لكونها بلاستيكية، إذ تبدو مختلفة عن اليد الحقيقية مهما كانت دقيقة الصنع، ما يجعلها غير مقبولة مجتمعياً، الأمر الذي يدفع بالمريض لنبذ الطرف الصناعي وعدم استخدامه خارج المنزل. وأيضاً الشكاوى التي تحدث عنها المرضى من حيث حاجتهم للقيام بحركات تعويضية حتى يعمل لديهم الطرف. كما هو الأمر بالنسبة إلى حالة بتر الساعد، حيث يحتاج المريض لكي يغلق أصابع الطرف الصناعي إلى إغلاق كوعه بالكامل فتُشد الخيوط ويستطيع جمع أصابعه وبالعكس عندما يريد فتحها. كما أن الحركات التعويضية تجعل من فترة التدريب أطول وغير مرغوبة لدى الناس كونها عملية مربكة بالنسبة إليهم.

هذه التحديات دعت إلى البحث عن أطراف إلكترونية متطورة، وعليه بدأ العمل في المخبر منذ شهر أب عام 2021 بتقنية عالية. وكان التوجه نحو دراسات ومنتجات عالمية لمعرفة ما هو المستخدم، ومن ثم العمل على إنتاجها بقطع متوفرة محلياً ويد خبيرة علمية محلية.

تقنية الأبعاد الثلاثة

تكشف الأبحاث التي نتجت عن العمل بالأطراف الإلكترونية في المختبر عن منتجات مهمة جداً وعن سعادة المستخدمين لها. على الرغم من العراقيل التي تضعها الشركة المستوردة للمواد الأولية والمستلزمات. فقد تم العمل على التصنيع المحلي بالإمكانيات المتوفرة، ووصل الباحثون إلى طرف تجميلي يقوم بالخدمة بأقل الحركات كما هو الحال بالنسبة إلى الكف؛ حيث يقوم بحركة واحدة لعملية فتح وإغلاق الكف هو أحد التصاميم الهامة التي أنتجها المخبر، وفقاً لما أشارت إليه المهندسة نسرين الماضي. وهناك دراسات أخرى تتعلق بحركات تجنيد الطرف واختبار الحساسات التي يجب استخدامها بالاعتماد على إشارة العضلات وتطويرها وفقاً للحساسات المتوفرة في البلد وبشكل تجميلي يحل المشكلة المجتمعية وقريب للطرف السليم.

وتلفت الباحثة النظر إلى النجاحات في تصاميم الأطراف الاصطناعية وفقاً لتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، والتي تعتبر أمراً علمياً واعداً دفع الباحثين في المخبر إلى السرعة في البحث وأيضاً إلى التعاون البحثي للوصول إلى تلبية المتطلبات المثالية للأطراف الصناعية المُرضية، وخاصة أنهم أصبحوا يستطيعون تقديم أفكارهم وأعمالهم البحثية وهم في مكاتبهم وفي منازلهم، وخدمة الطباعة أصبحت متوفرة ضمن المخبر وتقدم تطوراً ملحوظاً على الرغم من أنها ما زالت في بدايتها، وهناك حاجة للعمل على حجم القطع والتصاميم؛ بحيث يكون شكلها أقرب ما يمكن للطبيعي، ويكون الجهاز سهل التحكم ومريحاً للارتداء ومقبولاً جمالياً.