يعرف العلماء أنها تشكل معظم كتلة الكون، لكنهم لا يعرفون ما هي، أو بالضبط كيفية العثور عليها، إننا نتحدث عن المادة المظلمة. في علم الفلك وعلم الكون، المادة المظلمة أو المادة المعتمة أو المادة السوداء (بالإنجليزية: Dark matter)‏ هي مادة افتُرضت لتفسير جزء كبير من مجموع كتلة الكون.

لا يمكن رؤية المادة المظلمة بشكل مباشر باستخدام المقاريب، حيث من الواضح أنها لا تبعث ولا تمتص الضوء أو أي إشعاع كهرومغناطيسي آخر على أي مستوى هام. عوضاً عن ذلك، يُستدل على وجود المادة المظلمة وعلى خصائصها من الآثار الجاذبية التي تمارسها على المادة المرئية، والإشعاع، والبنية الكبيرة للكون.

ربما نقترب من حل واحد من أكبر الألغاز في الكون، لغز المادة المظلمة، مع عودة مصادم الهادرونات الكبير إلى الحياة في الخامس من يوليو. هذه المادة المحيرة تشكل أكثر من ثلاثة أرباع الكون، ولكن العلماء ليس لديهم أدنى فكرة عن ماهيتها.

وقد تم تحديث مصادم الهدرونات الكبير، وهو أقوى مُسرّع للجزيئات في العالم موجود في سويسرا، وبالتحديد في مقر المركز الأوروبي للأبحاث النووية (المعروف اختصارا بـ"سيرن")، بغية مساعدة العلماء على فهم تلك المادة. وإذا نجح علماء سيرن في كشف أسرار المادة المظلمة، لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يؤدي فيها مصادم الهادرونات الكبير إلى اكتشاف مهم.

فالشهر الحالي يصادف مرور عشر سنوات على توصل العلماء إلى واحد من أكبر الاكتشافات في القرن الحادي والعشرين، ألا وهو "بوسون هيغز"، أو جزيء هيغز.

إن مختبر سيرن ليس هو الوحيد الذي يعمل على حل هذا اللغز، ففي منجم ذهب سابق على بعد ميل واحد تحت الأرض، داخل خزان تيتانيوم مليء بغاز مسال نادر، بدأ العلماء في البحث عما لم يكن بالإمكان اكتشافه حتى الآن: المادة المظلمة.

العلماء متأكدون تماماً من أن الأشياء غير المرئية تشكل معظم كتلة الكون ويقولون إننا لن نكون هنا بدونها - لكنهم لا يعرفون ما هي. لقد أوصل السباق لحل هذا اللغز الهائل فريقاً واحداً إلى الأعماق تحت قيادة جامعة داكوتا الجنوبية.

قال كيفين ليسكو، الفيزيائي في مختبر لورانس بيركلي الوطني، إن السؤال الأساسي المطروح على العلماء: ما هو هذا المكان الرائع الذي أعيش فيه؟ في الوقت الحالي إن 95% منه مايزال لغزاً محيراً!

فكرة التجربة الجديدة هي أن ميلاً من الأوساخ والصخور، وخزاناً عملاقاً، وخزاناً ثانياً، وأنقى تيتانيوم في العالم سوف يحجب جميع الأشعة والجزيئات الكونية التي تدور حولنا وعبرنا كل يوم تقريباً. أما بالنسبة إلى جسيمات المادة المظلمة يعتقد العلماء أنها يمكن أن تتجنب كل تلك العقبات. إنهم يأملون أن يطير هذا الشبح الغامض في وعاء الزينون السائل في الخزان الداخلي ويصطدم بنواة زينون مثل كرتين في لعبة البلياردو، ليكشف عن وجوده في وميض من الضوء سوف يراه ويلتقطه جهاز يسمى "غرفة الإسقاط الزمني".

أعلن العلماء، في السابع من يوليو، أن عملية البحث التي تبلغ قيمتها 60 مليون دولار لمدة خمس سنوات بدأت أخيراً قبل شهرين بعد تأخير تسبب فيه وباء كورونا. حتى الآن لم يعثر الجهاز على شيء. على الأقل لا توجد مادة مظلمة حتى الآن.

يأمل العلماء أن يتطاير جسيم من المادة المظلمة في وعاء من الزينون السائل ويصطدم بنواة لإثبات وجودها. يقولون لا بأس بذلك. يبدو أن الجهاز يعمل على تصفية معظم إشعاعات الخلفية الذي يأملون في حجبه بشكل كامل ومطلق ليتسنى لهم الكشف عن شبحهم الغامض. قال كارتر هول، الفيزيائي بجامعة ماريلاند: للبحث عن هذا النوع النادر جداً من التفاعل، فإن المهمة الأولى هي التخلص أولاً من جميع مصادر الإشعاع العادية، والتي من شأنها أن تطغى على التجربة.

وإذا كانت جميع حساباتهم ونظرياتهم صحيحة، فإنهم يتصورون أنهم لن يروا سوى بضع علامات عابرة للمادة المظلمة كل عام. يقدر الفريق المكون من 250 عالماً أنهم سيحصلون على بيانات أكثر 20 مرة خلال العامين المقبلين.

قال هيو ليبينكوت، الفيزيائي والمتحدث باسم التجربة، إنه بحلول الوقت الذي تنتهي فيه التجربة، فإن فرصة العثور على المادة المظلمة بهذا الجهاز "ربما تكون أقل من 50% ولكنها حتماً أكثر من 10%".

قال ليسكو أحد العلماء المشاركين في عملية البحث: في حين أن هذا بعيد كل البعد عن التأكد، إلا أنك تحتاج إلى القليل من "الحماس"، إنك لا تدخل في فيزياء البحث النادرة دون أمل في العثور على شيء ما.

يحرص عمال المختبر على تجنب تلويث كاشف المادة المظلمة في منشأة أبحاث سانفورد تحت الأرض في الرصاص. هناك رافعتان ضخمتان من حقبة الكساد، يديران مصعداً يجلب العلماء إلى ما يُعرف بتجربة "لوكس- زيبلين" في مرفق سانفورد للأبحاث تحت الأرض. ينتهي النزول لمدة 10 دقائق في نفق بجدران باردة مبطنة بشبكة. لكن المنجم القديم المتعفن سرعان ما يؤدي إلى مختبر عالي التقنية حيث الأوساخ والتلوث هما العدو الذي تم حجبه خارجاً. يتم استبدال الخوذات بأخرى جديدة نظيفة، ويتم استبدال طبقة مزدوجة من الجوارب الزرقاء كتلك المستخدمة في غرف العمليات بأحذية الأمان ذات الأصابع الفولاذية.

قال كبير المهندسين جيف شيروينكا في جولة في ديسمبر 2019 قبل إغلاق الجهاز وتعبئته، إن قلب التجربة هو الخزان العملاق الذي يُطلق عليه اسم cryostat. ووصفه بأنه "مثل الترمس" المصنوع من "أنقى تيتانيوم في العالم" مصمم للحفاظ على برودة الزينون السائل والحفاظ على إشعاع الخلفية عند الحد الأدنى.

الزينون هو مركب كيميائي سائل خاص، كما أوضح منسق فيزياء التجربة آرون ماناليساي، لأنه يسمح للباحثين بمعرفة ما إذا كان الاصطدام مع أحد إلكتروناته أو مع نواته. وقال إنه إذا أصاب شيء ما النواة، فمن المرجح أن تكون تلك هي جزيئات المادة المظلمة التي يبحث عنها الجميع.

حاول هؤلاء العلماء تجربة مماثلة أصغر هنا منذ سنوات. بعد أن خرجوا خاليي الوفاض، اعتقدوا أن عليهم أن يذهبوا أبعد بكثير. تجري تجربة أخرى واسعة النطاق في إيطاليا يديرها فريق منافس، لكن لم يتم الإعلان عن أي نتائج حتى الآن.

إن المادة المظلمة عبارة عن جزء واحد من اللغز، وهي تمتلك إلى حد بعيد معظم الكتلة في الكون. يعرف علماء الفلك أنها موجودة لأنهم عندما قاسوا النجوم والمواد العادية الأخرى في المجرات، وجدوا أنه لا يوجد ما يكفي من الجاذبية تقريباً لتماسك هذه المجموعات معاً. قال مانالايساي إنه إذا لم يكن هناك شيء آخر، فإن المجرات "سوف تتطاير بسرعة". وأضاف: من المستحيل فهم ملاحظتنا للتاريخ، للكون التطوري بدون المادة المظلمة. وقال ليبينكوت، الفيزيائي بجامعة كاليفورنيا: لن نكون هنا بدون المادة المظلمة.

لذا بينما لا شك في وجود المادة المظلمة، هناك الكثير من الشك حول ماهيتها وكيفية العثور عليها. النظرية الرائدة هي أنها تتضمن أشياء تسمى Wimps - تتفاعل بشكل ضعيف مع الجزيئات الضخمة.

إذا كان هذا هو الحال، فقد يكون بإمكان تجربة "لوكس- زيبلين" اكتشافها. قال ليبينكوت: نريد أن نجد "أين يمكن أن يختبئ هؤلاء الجبناء".

----

ترجمة عن: The Guardian