يفتح البحث العلمي أفاقاً معرفية جديدة أمام الباحث، ما يؤدي إلى تحسين مهاراته الفكرية والثقافية والاجتماعية. وهذا بدوره يُساهم في تراكم المعرفة لدى الباحثين أنفسهم، ونقل هذه المعارف إلى مجتمعاتهم، والاستفادة منها في تطوير هذه المجتمعات ورقيها.

تشكِّل المؤتمرات التي تختص باستقطاب كل ما هو جديد من أبحاث علمية من خلال دعوة الباحثين سواء داخل الوطن أو خارجه، المكان الأساس الذي تنطلق منه هذه المعرفة لتصل إلى مستوى الإنتاجية العلمية، باعتبار أنّ القائمين على هذه المؤتمرات هم المعنيون في الهيئة العليا للبحث العلمي ووزارة الخارجية والمغتربين التي تهتم بجذب الباحثين السوريين الموجودين في الخارج، والجامعة الافتراضية السورية، والمدرسة العربية للعلوم والتكنولوجيا بالتشارك مع المراكز البحثية في الجامعات كافة. وهذا بحد ذاته، بحسب معاون مدير الهيئة العليا للبحث العلمي الأستاذ عبد الكريم الخليل، يعود بفوائد كبيرة لكون البحث العلمي يقوم على جمع البيانات وتصنيف المعلومات، وتفسير الظواهر وآلية حدوثها، ومن ثم يقوم بوضع الفروض لتفسيرها، والسيطرة عليها من خلال الفهم والتحليل الدقيق. كما يقوم على حل المشكلات العالقة في عمليات الإنتاج، ويُساهم في تطوير المجتمع في المجالات كافة، لا سيما الاقتصادية، والطبية، والاجتماعية، من خلال تغيير بعض المفاهيم والأفكار واستخدامها في إطارها الصحيح.

منصة جامعة

يبين الخليل أن المؤتمرات التي أقامتها الهيئة منذ إحداثها عام 2005 وحتى الآن، حققت شراكات حقيقية بحثية بين باحثي الداخل والباحثين السوريين في المغترب. وقد ساهم ذلك في اكتساب مهارة البحث العلمي بشكل مباشر وتنمية مهارة التفكير الناقد لدى الباحثين من المعلمين والطلاب من خلال بحثهم الدائم عن تحليل الظواهر وتفسيرها، بالإضافة إلى اكتساب مهارة التفكير والإبداع التي أصبحت حاجة ملحة في عصرنا هذا. كما أن ذلك شكل دعماً لمراكز الأبحاث العلمية، وللدور الذي تلعبه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في بناء ما نحتاج إليه من قدرات وكفاءات، وفي عملية تطوير المناهج بما يتناسب مع التغيرات والتطورات الحاصلة في البيئّة المحيطة بنا، لا سيما لناحيّة تفشي الأمراض والأوبئة الخطيرة السريعة الانتشار والعدوى العابرة للحدود والقارات. كما أنّ عملية البحث تفتح حدود التفكير وتُطلق العنان للإبداع للوصول إلى ما هو جديد عبر تفسير ظاهرة أو مشكلة ما وتحليل جوانبها المختلفة، للوصول إلى الاستنتاجات والبراهين التي تتوافق مع المنطق.

عبد الكريم الخليل

يؤكد معاون مدير الهيئة أنه ضمن الإمكانيات المتاحة، تعمل الهيئة جاهدة لتعيد التألق للبحث العلمي والباحثين وتحاول التشبيك والتنسيق مع المراكز البحثية بما فيها الجامعات من خلال توجيه البحث العلمي بشكل صحيح في خدمة التنمية والاقتصاد، منوهاً إلى أنه لو لم تكن الهيئة العليا للبحث العلمي موجودة في سورية والتي أحدثت بمرسوم جمهوري، لكان من الضروري إحداثها، وهي من الهيئات القليلة في سورية التي حظيت بالكثير من الدعم، وخاصة أنها أصبحت منصة جامعة لآلاف الأبحاث ورسائل الماجستير التي تنتجها الجامعات سنوياً والتي تشكل ثروة حقيقية تحتاج إلى استثمارها، وتحدياً مهم للانطلاق بالبحث العلمي نحو التطبيق والتسويق والترويج واستثماره ضمن جدوى اقتصادية.

بدائل المستوردات

وتحدث الخليل عن تطورين مهمين جداً هما موضوع خارطة الطريق التي تم القيام بها بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة الأسكوا والتي كان من توصياتها هو إحداث مكتب لنقل التقانة وإحداث مكاتب فرعية لها في الجامعات والمراكز البحثية وإحداث دوائر للبحث والتطوير في الوزارات والجهات ذات الطابع الإداري غير البحثي، وذلك لنقل البحث العلمي ورسائل الدراسات العليا الموجودة بالأدراج إلى بحوث تطبيقية يتم من خلالها تمكين المنتج السوري. ومذكرة التفاهم بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية من أجل تمكين برنامج إحلال بدائل المستوردات من خلال البحث العلمي. وقد بات من المعروف دولياً أنه في التكنولوجيا والبحث العلمي والتطور التقاني يمكن الاستغناء عن الحصار الذي تفرضه بعض الدول على سورية. كما حدث في إيران وروسيا؛ حيث يمكن الحصول على معدلات نمو هائلة تعادل عائداتها بالوقت القريب عائدات النفط.

إن التحدي الكبير هو إمكانية توظيف الأوراق البحثية في مشاريع تنموية بالتشبيك بين الباحثين بالمغترب والباحثين في الوطن وفق منظومة السياسة الوطنية للعلوم والابتكار التي تعتبر الهيئة مسئولة عن تنفيذها وتسعى جاهدة إلى إعداد صك تشريعي لتحفيز الباحثين على العمل وربط حوافزهم بالإنتاج التطبيقي الذي يحقق فيما لو استثمر معدلات نمو ودخل كبير. وخاصة أن الهيئة تسعى لإيجاد بنك خاص بالبحث العلمي من خلال البحوث التي تم دعمها واستقطابها من الجامعات بهدف تسويقها والاستفادة منها في إحلال بدائل المستوردات لحل مشكلات موجودة في منظومة الاقتصادي السوري.

على سبيل المثال، فإن المؤتمر الرابع الدولي للبحث العلمي الذي أقيم منذ فترة، كان دليلاً على هذا التوجه، وقد استقطب 67 باحثاً سورياً توجهوا بأبحاثهم الجديدة نحو اقتصاد المعرفة من خلال خمسة محاور بحثية هامة تصب في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأنظمة الذكية وفي مجال الطاقات المتجددة وفي تكنولوجيا الحيوية وغير ذلك من المواضيع المطلوبة اليوم للبناء والتنمية القائمة على المعارف والأبحاث الحديثة، والتي قدمها باحثون من داخل سورية وباحثون من هيئات ومراكز بحثية عالمية، وكانت خلاصة تجارهم العلمية خدمة لهذا الهدف.

تكمن أهمية هذه المؤتمرات في تبادل الخبرات والأفكار والرؤية والأبحاث، كما أنها فرصة كبيرة لطلاب الدراسات العليا في مجال الماجستير لاختيار أبحاثهم المرتبطة بهذه المجالات والمحاور المرتبطة بالقطاعات الإنتاجية المختلفة، لأن الهدف النهائي هو الوصول إلى بحث علمي مرتبط بالقطاع التنموي الاقتصادي والاجتماعي.