تطورت طرق الرصف وأنواع الرصفات تطوراً ملحوظاً، فقد مرت بمراحل عديدة حتى وصلت إلى ما عليه الآن. كانوا في القديم يتنقلون على الدواب والعربات على طرق الأتربة، والآن اختلفت وسائل النقل وصولاً إلى المدادة الإسفلتية التي تطورت خلطاتها وخواصها الميكانيكية والمعدات والماكينات الخاصة لرصفها.

من هذه الأهمية التاريخية والحالية التي وصل إليها البحث العلمي في موضوع المجبول البيتوني، نسلط الضوء على البحث الجديد الذي يعمل عليه الدكتور محمود عبد الله للوصول إلى مجبول إسفلتي مستدام مع تخفيض الانبعاثات الغازية الملوثة، والذي يعتبر أفضل بكثير من المجبول الساخن الذي يترتب على انبعاث كميات كبيرة من الغازات الدفيئة التي تعتبر أحد الأسباب الرئيسية للتلوث المرتبط بمنشآت البنية التحتية للمواصلات. وبالتالي هو أحد الحلول التي اقترحها الباحث للتخفيف من هذه المشكلة، مبيناً أن الاتجاه نحو المجبول البيوتني الدافئ الصديق للبيئة الذي يتم إنتاجه بدرجات حرارة أقل من المجبول الحار، يؤدي إلى تقليل استهلاك الطاقة والحد من انبعاث الغازات والدخان وتحقيق أهداف بيئية واقتصادية كبيرة.

الفروق الحرارية

يوضح الدكتور محمود، وهو أستاذ في جامعة تشرين، أن استخدم المجبول الدافئ خلال العقود القليلة الماضية كبديل عن الساخن، حقق مجموعة كبيرة من الأمور الاقتصادية والصحية والبيئة والهندسية التي تشمل تقليل استخدام الطاقة وتخفيف انبعاث الدخان والغازات بحدود ما بين 30 وحتى 50% كما أن ذلك يزيد من القدرة على تنفيذ الرصف عند درجات حرارة أكثر برودة وبنفس الكثافة تقريباً، مع إمكانية استخدام نسب مرتفعة من الرصف المعاد تدويره. فهناك فرق بالانبعاث بين المجبول البيتوني الإسفلتي الدافئ والساخن، ونلاحظ مقدار التخفيف في انبعاث الغازات الذي يوفره المجبول الدافئ.

د. محمود عبد الله

أما من المنظور العلمي والصحي، فهناك أشخاص يتعاملون مع مادة بيتونية درجة حرارتها تصل إلى 170 درجة مئوية وهم معرضون بشدة للحروق والتشوهات نتيجة ارتفاع حرارة المادة، ومع مرور الأيام يصبحون معرضين للإصابة بالأمراض السرطانية؛ إذ إنه من المثبت أن الأبخرة المنبعثة من مادة الإسفلت هي سبب رئيس للإصابة بالسرطان للمتعاملين مع هذه المادة. ومنه يبين الباحث أن هذا التطور في الإنتاج العلمي يُمكننا من الحصول على فائدة صحية كبيرة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التكلفة الكبيرة لمريض السرطان.

كنز الزيوليت

إلا أن الموضوع ليس بهذه المثالية؛ حيث يعاني المجبول الدافئ من عدة عيوب، أولاً: إن الوفر في استهلاك الطاقة يقابله السعر المرتفع للإضافات المطلوبة لإنتاجه، والمتمثلة بالإضافات العضوية والكيميائية التي من أشهرها الريبيسا. وثانياً: حساسية المجبول ضد خطر الرطوبة. إضافة إلى ما يبينه الباحث من الحاجة إلى تقنيات حديثة لاستخدام المعدات والأجهزة الخاصة للإنتاج، ومنها تقنية البيتون المنخفض الطاقة الذي يعتمد على الحصويات الرطبة لإنتاج المجبول بحرارة أقل من 100 درجة، وتقنية البيتون المنخفض الانبعاث الذي يجمع بين التقنية السابقة والإضافات الكيميائية المحتوية على الماء.

أما الجانب الأكثر أهمية في هذا البحث والأكثر تفاؤلاً، هو أن سورية بلد غني بالثروات الطبيعية والمعادن، وهي إحدى الدول العربية الثلاث التي تمتلك كنز الزيوليت. وقد بدأت الاكتشافات الهندسية في الكشف عن الزيوليت الطبيعي في المنطقة الجنوبية الشرقية من البلاد وعلى طول الحدود السورية الأردنية وفي محافظة ريف دمشق. وتبين أن معظم هذه الصخور تتكشف على السطح، وبالتالي تعتبر كلفة استخراج مادة الزيلوليت منخفضة جداً. وعليه فإن الاستفادة من هذه المعادن في إنتاج المجبول الدافئ مسألة مُيسرة جداً، وخاصة أن هذه الدراسة تعتبر الأولى على مستوى المنطقة العربية وعلى المستوى العالمي التي تختص في دراسة تأثير الزيوليت في خواص المجبول البيتوني.

دراسة ومواصفات

يعرف الزيوليت على أنه معدن السلك الألمنيوم؛ إذ يحتوي على عناصر قلوية وقلوية ترابية ومادة بلورية ثلاثية الأبعاد مفتوحة البنية تتكون من ارتباط رباعيات الوجوه. ومع المجسمات الألمنيوم والسلكة المركزية تتشكل وحدات البناء الرئيسية في الزيلوليت. وتأخذ البنية الزيلوتية شكلاً يشبه قرص العسل مع تجاويف مفتوحة توفر مساحات اتصال داخلية وخارجية كبيرة.

ويشير الباحث إلى أن الزيلوتات تقسم إلى زيلوتات طبيعية تتشكل نتيجة العمليات الجيولوجية الطبيعية أشهرها الكينوبتلايت، الشابازايت والفلبسات. وثانياً صناعية يتم تصنيعها عن طريق التفاعلات الكيميائية. وقد تم توصيف الزيوليت الطبيعي باستخدام الأشعة السينية المفلورة وتحليل الحرارة وطيف الأشعة تحت الحمراء. وبينت نتائج التحليل على أن العينات المدروسة تتكون بشكل أساسي من أكسيد السيلسيوم والألمنيوم التي تتشكل منها البنية الزيلوتية، بالإضافة إلى تواجد أكسيد الحديد وبعض العناصر المعدنية الأخرى، ووجود محتوى مائي بنسبة 7.8%.

إن قياسات حدود الأشعة السينية تم إجراؤها في مخابر الهيئة الطاقة الذرية بدمشق، وكانت النتائج عبارة عن مخطط يمثل العلاقة بين زاوية الانعراج والشدة، وبالمعالجة ببرامج أكثر دقة تم الحصول على مخطط أكثر وضوحاً يظهر احتواء العينات على أطوار بلورية من البنى الزيوليتة. وعليه، فقد كانت النتائج النهائية أن العينات غنية بالزيوليت، وتم توصيف الرابط الإسفلتي بالاختبارات التقليدية قبل وبعد التعرض للإجهاد الحراري. وأشارت النتائج على أن العينات المدروسة كانت مطابقة للمواصفات العالمية المسموح بها بنسبة 70% وتم توصيف الحصويات المستخدمة وتحديد الوزن النوعي.

ما تم التوصل إليه

ملخص النتائج للتجارب التي تم العمل عليها في مخابر جامعتي البعث وتشرين بحسب الدكتور محمود عبد الله والتي أقيمت على ثلاث عينات من المجبول الساخن والدافئ والمعدل، أن هناك انخفاضاً كبيراً في ثبات المجبول الدافئ بالمقارنة مع الساخن. وهنا يأتي دور الزيلوليت الطبيعي في تقليل هذا الانخفاض والمساعدة في ثبات المجبول. إذ إنه عند إضافة نسبة قدرها 9 بالآلف للزيلوليت تم الحصول على قيم ثبات قريبة جداً من ثبات المجبول الساخن. كما لعب الزيلوليت دوراً هاماً في تحسين قابلية تشغيل البيوتني وقابلية رصفه وزيادة مقاومته للتخدد.

وعليه تم التوصل من خلال هذا البحث إلى نجاح الزيلوليت الطبيعي السوري في إنتاج المجبول الدافئ عند نسبة إضافة مقترحة قدرها 9 بالألف من الوزن الكلي للحصويات، والتي تم الحصول عندها على خواص فيزيائية وميكانيكية جيدة وقريبة من خواص المجبول الساخن مع الحاجة إلى تعديل استخدام موانع الانسلاخ لضمان الديمومة ضد خطر الرطوبة. وعليه أوصى الباحث بالنظر إلى الأهمية البيئة والاقتصادية لإنتاج المجبول الدافئ الذي يؤدي إلى تقليل الانبعاث وتقليل استهلاك الطاقة بمقدار حتى 50% وتحسين الظروف الطبيعية والعمل في الموقع ونجاح الزيلوليت السوري الطبيعي في إنتاج المجبول الدافئ، كما أوصى بمتابعة البحث حول إمكانية إنتاج المزيد من المجبول الدافئ باستخدام الزيلوليت الطبيعي السوري للحصول على نسب تخفيض أكبر مع دراسة أنواع أخرى من الإضافات الخاصة بالمجبول.