توصلت دراسة حديثة إلى أن النشاط العقلي المطول يؤدي إلى تراكم ناقل عصبي يحتمل أن يكون ساماً في الدماغ. يعتقد العلماء بعد هذه الدراسة أنهم أصبحوا قادرين على تفسير سبب شعور الناس بالتعب الشديد بعد بذل مجهود عقولي كبير.

إنه شعور مألوف في آخر يوم دوام من كل أسبوع. بعد الانتهاء من أسبوع شاق من العمل، تتفق أخيراً مع الأصدقاء على مكان الالتقاء لقضاء ليلة في الخارج احتفالاً بعطلة نهاية الأسبوع. ولكن بحلول الوقت الذي اكتشفت فيه ما ترتديه والمكان الذي تركت فيه مفاتيحك، ينتابك شعور أن الليلة على الأريكة تبدو أكثر جاذبية من تلك التي ستقضيها في السهر خارجأً.

الآن، يعتقد العلماء أنه أصبح بإمكانهم شرح سبب شعورك بالتعب الشديد قبل أن تصل إلى محطة الحافلات: لقد تباطأ عقلك في إدارة الإجهاد.

يمكن أن يعاني الدماغ من شيء مشابه لتراكم اللاكتات المؤلم في العضلات أثناء ممارسة الرياضة البدنية. قد يكون هذا هو السبب في أن الساحات العقلية الصعبة - ومقاومة إغراء الاستسلام طوال اليوم - تشعرك بنفس القدر من التعب والألم المتراكم في العضلات. وإليكم التفاصيل.

يؤدي النشاط العقلي المطول إلى تراكم ناقل عصبي يحتمل أن يكون ساماً في قشرة الفص الجبهي، وذلك وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة Current Biology. يقترح الباحثون أن الدماغ يبطئ نشاطه لإدارة التراكم، ويقدمون تفسيراً لماذا نشعر بالتعب بعد بذل مجهود فكري أو عقلي كبير.

نعلم أن النواقل العصبية هي عبارة عن مواد كيميائية موجودة في منطقة ارتباط خلية عصبية بخلية عصبية أخرى، المشبك، وتنظم هذه المواد الكيميائية الإشارة العصبية القادمة من الدماغ أو المتجهة إلى الدماغ. تتكون هذه المواد الكيميائية في منطقة تدعى ما قبل منطقة التشابك بين خليتين عصبيتين، وتقوم بإرسال الإيعازات إلى منطقة ما بعد التشابك بين الخليتين.

وبعد انتهاء مهمة التحفيز أو المنع الذي قامت به نواقل الإرسال العصبية تقوم أنزيمات معينة بالتخلص منها أو يتم إرجاع نواقل الإرسال العصبية إلى مكانها الأصلي في منطقة ما قبل التشابك مع الخلية العصبية المجاورة كي لا تكون هناك استمرارية في الإيعاز. فعلى سبيل المثال، إذا تم تحفيز عضلة ما على التقلص لإنجاز مهمة ما، إن لم يتم التخلص من نواقل الإرسال المحفزة لهذا التقلص، فسوف يستمر تقلص العضلة إلى مالا نهاية.

قال أنطونيوس ويهلر من معهد باريس برين، المؤلف الأول للدراسة: حتى عندما تقاوم الشعور بالحكة، على سبيل المثال، فإن عقلك يمارس السيطرة المعرفية. وقال إن الطلبات المتكررة على وظائف التحكم الإدراكي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى التعب.

إن قشرة الفص الجبهي هي منطقة اتخاذ القرار والتحكم المعرفي، وهي التي يتم تحفيزها عندما يتجاوز الدماغ الدافع أو يحارب أي نوع من الإغراء.

راقب الفريق كيمياء الدماغ لـ 40 مشاركاً أثناء إكمالهم لمهام متكررة على جهاز كمبيوتر. لقد شكلوا مجموعتين تؤديان إما مهام صعبة أو مهام سهلة لأكثر من ست ساعات.

قام الباحثون بقياس مستويات ناقل عصبي محدد وهو (الغلوتامات) في قشرة الفص الجبهي. وجدوا تراكماً أكبر للغلوتامات عند المشاركين الذين تم تكليفهم بمهام أصعب.

العمل الذي ينطوي على الكثير من التفكير يتطلب من الدماغ أن يقاوم بشكل متكرر إغراء القيام بشيء أقل تطلباً. وبشكل غريب لكن لا يثير الدهشة: إن هذا الجهد العقلي في مقاومة الإغراء يمكن أن يترك الناس يشعرون بالتعب، لكن كيمياء الدماغ الكامنة وراء هذه الآلية ظلت غير واضحة إلى ما قبل هذه الدراسة.

الآن، يقترح الباحثون أن التحكم المعرفي قد يؤدي إلى تراكم الغلوتامات في الدماغ - والتي يمكن أن تكون المستويات العالية منه ضارة، لأنها تثير الخلايا العصبية بشكل مفرط.

قال ويهلر: لقد وجدنا أن الغلوتامات تتراكم في منطقة الدماغ التي تتحكم في المهام التي حددناها للمشاركين. ما نفهمه هو أن الدماغ لديه نوع من آلية التخليص أو المراوغة لمواجهة هذا الوضع، مما قد يبطئ من النشاط.

يفترض الباحثون أن الإرهاق العقلي يمكن أن يكون مرتبطاً بإعادة تدوير الغلوتامات التي تتراكم أثناء النشاط العصبي المبذول من قبل الدماغ. قال ويهلر: يجب إزالة الغلوتامات المتراكمة، وهو ما نعتقد أنه يحدث على الأرجح أثناء النوم.

عندما طُلب من المشاركين الإبلاغ عن مستوى إجهادهم، لم يتم العثور على رابط نهائي بين مستوى الغلوتامات المتراكم ومقدار التعب - سجلت المجموعات التي تؤدي مهامّ صعبة وسهلة نفس المقدار من التعب. قال الباحثون إن هذا قد يكون بسبب الإرهاق الذاتي، وأولئك الذين يقومون بالمهمة السهلة لم يكونوا على دراية بالصعوبة التي يواجهها الفريق الآخر.

قالت الدكتورة آنا كوبوسوامي من معهد طب الأعصاب في كلية لندن الجامعية والتي لم تشارك في الدراسة، ولكن طُلب منها تقييم نتائجها: حقيقة أن مستويات الغلوتامات لا تتناسب طرداً مع التعب المبلغ عنه كانت مخيبة للآمال بعض الشيء، ولكنها ليست مفاجئة، لأنه غالباً ما يكون هناك انفصال بين السمات البيولوجية والإرهاق المبلغ عنه ذاتياً.

راقب الباحثون الغلوتامات فقط، لكنهم اقترحوا أن المواد الأخرى ذات الصلة يمكن أن تكون مرتبطة بالإرهاق. قالت كوبوسوامي: تقيس الدراسة ناقلاً عصبياً واحداً في جزء محدد جداً من الدماغ، لذلك علينا أن ننظر إلى الأمر بشكل أكثر شمولية مع معرفتنا بوجود عشرات آلاف النواقل العصبية في الدماغ.

وأضافت أن النتائج كانت مشجعة. نعلم أنه أثناء التمرين البدني يتراكم اللاكتات في العضلات، مما يؤدي إلى إجهاد العضلات. من البديهي أن يحدث شيء مشابه في الدماغ، وهذا دليل أول جيد يشير إلى ذلك تقدمه هذه الدراسة، رغم عدم قدرتنا الحالية على تحديد الناقل العصبي الذي يلعب هذا الدور. إلا أن هذه الدراسة تعتبر خطوة نوعية في الطريق الصحيح.

----

بقلم: ساشا باري

ترجمة عن موقع: The Guardian