احتاج علماء معهد طوكيو للتكنولوجيا إلى أضواء، ومحفز، ورد فعل، للحصول على ما يشبه السحر في عملية التخفيض الضوئي لثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى وقود قابل للنقل.

لأن الكرة الأرضية مهددة بسبب مشكلة الانبعاثات وما تسببها من ارتفاع في درجة حرارة الكوكب وتهديد أشكال الحياة المختلفة عليها.. ولأن استمرار ارتفاع الحرارة سوف يغير حتماً شكل الحياة كما نعرفها.. يسعى العلماء جاهدين إلى البحث عن حل لمشكلة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الذي يعتبر السبب الرئيسي في ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية، وفي هذا السعي الدائم والحثيث عثر معهد طوكيو للتكنولوجيا على معدن موجود في التربة بشكل واسع الانتشار : (alpha-iron- III) وهو عبارة عن أوكسي هيدروكسيد الحديد، ليكون محفزاً قابلاً لإعادة التدوير يقوم بشفط ثاني أكسيد الكربون الضوئي وتحويله إلى حمض الفورميك.

تهدف العملية إلى تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى حمض الفورميك باستخدام مركب قائم على الحديد مدعوم من الألومينا.

يعد التحوّل الضوئي لثاني أكسيد الكربون إلى وقود قابل للنقل مثل حمض الفورميك (HCOOH) طريقة رائعة للتعامل مع ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. للمساعدة في هذه المهمة، اختار فريق بحث من معهد طوكيو للتكنولوجيا معدناً من الحديد متاحاً بوفرة ويمكن الحصول عليه بسهولة، ثم قاموا بحمله على دعامة من الألومينا لتطوير محفز يمكنه تحويل ثاني أكسيد الكربون بكفاءة إلى حمض الفورميك HCOOH مع انتقائية عالية جداً وصلت إلى نسبة 90% تقريباً!

تعد السيارات الكهربائية خياراً جذاباً لكثير من الأشخاص، والسبب الرئيسي وراء استخدامها يعود إلى افتقارها إلى انبعاثات الكربون. ومع ذلك، فإن العيب الكبير بالنسبة إلى الكثيرين هو افتقارهم إلى النطاق وأوقات الشحن الطويلة. هذا هو المكان الذي يتمتع فيه الوقود السائل مثل البنزين بميزة كبيرة. كثافة طاقة البنزين العالية تعني المدى الطويل، كما نعلم أن السيارات الآن سريعة التزود بالوقود المتاح حالياً: البنزين.

يمكن أن يؤدي التحول إلى وقود سائل مختلف عن البنزين أو الديزل، إلى القضاء على انبعاثات الكربون مع الاحتفاظ بمزايا الوقود السائل. على سبيل المثال، في خلية الوقود التي يعمل علماء معهد طوكيو على صنعها، يمكن للفورميك تشغيل المحرك أثناء إطلاق الماء وثاني أكسيد الكربون. ليس هذا فحسب، فإذا تم الحصول على حمض الفورميك عن طريق تقليل ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي وتحويله إلى HCOOH، فإن الناتج الصافي الوحيد هو الماء.

أصبح ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ومساهمتها في الاحتباس الحراري من الأخبار الشائعة الآن. أثناء تجربة الباحثين بطرق مختلفة لمحاربة هذه المشكلة، ظهر حل فعال واحد - تحويل فائض ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى مواد كيميائية غنية بالطاقة.

اجتذب إنتاج الوقود مثل حمض الفورميك (HCOOH) عن طريق الامتصاص الضوئي لثاني أكسيد الكربون تحت أشعة الشمس الكثير من الاهتمام مؤخراً بسبب الفائدة المزدوجة التي يمكن اكتسابها من هذه العملية: يمكن أن تقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الزائدة، وتساعد أيضاً في تقليل نقص الطاقة الذي نواجهه حالياً. نظراً لكونه ناقلاً ممتازاً للهيدروجين بكثافة طاقة عالية، يمكن لحمض الفورميك HCOOH توفير الطاقة عن طريق الاحتراق مع إطلاق الماء فقط كمنتج ثانوي.

لتحويل هذا الحل المربح إلى واقع، طور العلماء أنظمة تحفيز ضوئي يمكنها تقليل ثاني أكسيد الكربون بمساعدة ضوء الشمس. يتكون مثل هذا النظام من ركيزة ماصة للضوء (أي مجس ضوئي) ومحفز يمكنه تمكين عمليات نقل الإلكترونات المتعددة المطلوبة لتقليل ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى HCOOH. وهكذا بدأ البحث عن محفز مناسب وفعال!

نعلم أن التخفيض التحفيزي الضوئي لثاني أكسيد الكربون باستخدام مركب متوفر بشكل شائع، وتكمن المهمة الآن في البحث عن المحفز المناسب.

تم اعتبار المحفزات الصلبة أفضل المرشحين لهذه المهمة، نظراً لكفاءتها وإمكانية إعادة تدويرها. وعلى مر السنين تم استكشاف القدرات التحفيزية للعديد من الأطر المعدنية العضوية القائمة على الكوبالت والمنغنيز والنيكل والحديد. توجه علماء معهد طوكيو في خياراتهم نحو هذا الأخير (الحديد) الذي يملك بعض المزايا التفضيلية على المعادن الأخرى. ومع ذلك، فإن معظم المحفزات القائمة على الحديد التي تم الإبلاغ عنها حتى الآن تنتج أول أكسيد الكربون فقط كمنتج رئيسي، بدلاً من حمض الفورميك HCOOH.

ورغم وجود هذا العائق الأساسي استمر العلماء بالبحث والتجريب، وسرعان ما تم حل هذه المشكلة من قبل فريق من الباحثين من معهد طوكيو للتكنولوجيا (Tokyo Tech) بقيادة البروفيسور كازوهيكو مايدا. في دراسة حديثة نُشرت في مجلة الكيمياء: Angewandte" "Chemie قدم الفريق محفزاً مدعوماً من الألومينا (Al2O3)، قائم على الحديد يستخدم أوكسي هيدروكسيد ألفا الحديد (وهو المادة الحديثة الموجودة بوفرة في التربة والتي عثروا عليها حديثاً). أظهر المحفز المحضّر من المركبين السابقين: a-FeOOH / Al2O3 الجديد خصائص تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون إلى حمض الفورميك: HCOOH إلى جانب قابلية إعادة التدوير الممتازة. عندما سئل البروفيسور مايدا عن اختيارهم للعامل المحفز قال: في رحلة بحثنا عن المحفز الأنسب، أردنا استكشاف المزيد من العناصر الموجودة بوفرة كمحفزات في نظام التخفيض الضوئي لثاني أكسيد الكربون. نحن بحاجة إلى محفز صلب نشط وقابل لإعادة التدوير وغير سام وغير مكلف، ولهذا السبب اخترنا معادن التربة واسعة الانتشار مثل أوكسي هيدروكسيد ألفا الحديد لتجاربنا.

اعتمد الفريق طريقة تشريب بسيطة لتجميع المحفز. ثم استخدموا مادة الألومينا: Al2O3 المحملة بالحديد لتقليل التحفيز الضوئي لثاني أكسيد الكربون في درجة حرارة الغرفة في وجود مجس ضوئي قائم على الروثينيوم (Ru)، ومتبرع إلكتروني، وضوء مرئي بطول موجي يزيد عن 400 نانومتر.

كانت النتائج مشجعة للغاية. أظهر نظامهم انتقائية بنسبة 80-90% تجاه المنتج الرئيسي: حمض الفورميك HCOOH، وعائد كمي بنسبة 4.3% (مما يشير إلى كفاءة النظام العالية).

تقدم هذه الدراسة أول محفز صلب قائم على الحديد من نوعه يمكن أن يولد حمض الفورميك HCOOH عندما يكون مصحوباً بمجس ضوئي فعال. كما يستكشف أهمية مادة الدعم المناسبة (Al2O3) وتأثيرها على تفاعل الاختزال الكيميائي الضوئي.

يمكن أن تساعد الرؤى المستمدة من هذا البحث في تطوير محفزات جديدة - خالية من المعادن الثمينة - من أجل الامتصاص الضوئي لثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى مواد كيميائية أخرى مفيدة.

يختتم البروفيسور مايدا: تظهر دراستنا أن الطريق إلى اقتصاد طاقة أكثر اخضراراً لا يجب أن يكون معقداً. يمكن تحقيق نتائج رائعة حتى من خلال اعتماد طرق تحضير محفز بسيطة، ويمكن استخدام مركبات وفيرة في الأرض معروفة كمحفزات انتقائية لتقليل غاز ثاني أكسيد الكربون، إذا كانت مدعومة بمركبات مثل الألومينا. علينا أن نسعى ونعمل بسرعة لتحويل هذه التجربة المخبرية إلى أسلوب فعال في تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون إلى وقود قابل للنقل. وبهذا التحول، فإن كل الأطراف ستكون راضية في النهاية.

----

ترجمة عن موقع: Sci Tech Daily